90 دقيقة مع يوسف والى!
لا يوجد مواطن تعرض للظلم مثل د. يوسف والى نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة الأسبق، وأشهر من تولوا هذا المنصب لمدة 23 عاماً لم يتقاضَ فيها جنيهاً واحداً من الدولة، ولم يتمتع بأى مميزات لمنصبه؛ لا حفلات استقبال فى الداخل ولا سفر للخارج ولا إجازات، وكان زاهداً رغم أنه ينتمى إلى أسرة ثرية وهب حياته كلها للبلد راهباً فى حبها حيث لا زوجة ولا أولاد، كان يعمل 20 ساعة يومياً، طالته اتهامات كثيرة وتعرض للسجن بعد يناير 2011 ولكن القضاء قضى ببراءته من كل الاتهامات المنسوبة إليه، وكان يصوم الاثنين والخميس أسبوعياً ويحرص على قضاء فروض الله ومع ذلك اتهموه بأنه يهودى.
«يوسف والى» نهض بأرض الوادى واستصلح الصحراء، ومعه شهد البحث العلمى الزراعى قمة ازدهاره، فحقق أعلى إنتاجية للمحاصيل ولم تحدث خلال وجوده أى أزمات فى الزراعة أو الغذاء وأسعاره.
جمعنى به لقاء تمنيته منذ تركه منصبه فى 2004، وأخيراً تحقق ولمدة ساعة ونصف بالمصادفة البحتة حينما كنت أتحدث مع الصديق الإعلامى توفيق عكاشة وأخبرنى أنه فى منزل «والى» استأذنت فى زيارته لكى أعرف منه إجابة سؤال محيرنى وهو: ماذا كان يقدم للفلاح حتى أصبح يشعر باليتم بعد رحيله؟ أجاب أنه كان يعطيه مستلزمات الإنتاج مجاناً أو بأسعار رمزية، وأنه رفض زيادة أسعار السولار للزراعة، وأيضاً زيادة أسعار الأسمدة أو تصديرها للخارج خلال موسم الزراعة، وأنه قام بتوصيل الكهرباء مجاناً لكل الأراضى المستصلحة الصحراوية، وفى مجال الثروة الحيوانية كان الدعم غير محدود، بالإضافة إلى إطلاق مشروع البتلو ودعم منتجى الدواجن، حتى فى الثروة السمكية كان يقوم بإلقاء الزريعة فى المياه مجاناً ثم يمنع الصيد لمدة ثلاثة أشهر حتى تتكاثر وتنتج أسماكاً تكفى مصر طوال العام.
وقال لى إن الفلاح هو عصب الزراعة والاقتصاد، ووزير الزراعة محاميه ولا يجب أن يحمل الفلاح هموم الزراعة وتسويق إنتاجه، ودعمه بمثابة دعم للشعب كله فى إنتاج غذاء صحى ورخيص.
لأن «والى» عقليته إنتاجية كان يمنح الأرض شبه مجاناً (200 جنيه للفدان بالتقسيط) بشرط استصلاحها لتمليكها وبهذا الفكر استطاع زراعة 2.6 مليون فدان صحراء ما زالت تنقذ مصر من المجاعة، كما أنها المصدر الأساسى للصادرات الزراعية التى تحقق لمصر العملة الصعبة.
«والى» يرى أنه بسبب التكلفة الباهظة لاستصلاح أراضٍ صحراوية جديدة حالياً يصبح الأمل فى مضاعفة إنتاجية الأراضى القديمة من خلال البحث العلمى واستخدام التكنولوجيا الحديثة فى الزراعة.
«يوسف والى» هو أفضل وزير زراعة مصرى وأفنى عمره فى خدمة بلده وكل من تعامل معه يؤكد أنه كان رجلاً وطنياً ومخلصاً، وبصرف النظر أن القضاء أنصفه ولكن لا يمكن لشخص محبوب من كل البشر بهذا الشكل أن يكون فاسداً أو خائناً لأن حب ورضاء الناس من رضاء ربهم.
استمراره فى منصبه فترة طويلة مع توليه منصب الأمين العام للحزب الحاكم ساعده فى النهوض بالزراعة التى لم تشهد الكثير بعد رحيله، ولا نظلم من جاءوا بعده، 15 وزيراً فى 16 عاماً لم يأخذوا فرصتهم ولم تتوافر لديهم مقومات يوسف والى.
هذه كانت كلمات قليلة فى حق الرجل الذى تجاوز التسعين عاماً وأعطى كل شىء ولم يأخذ أى شىء.
ورغم مرضه الشديد إلا أنه ما زال مهموماً ببلده ويحلم بتقدمه، ولديه أفكار مهمة للنهوض بالزراعة التى هى الماضى والحاضر والمستقبل والعمود الفقرى للدولة المصرية.