في ذكرى عودة جثامينهم لمصر.. القصة الكاملة لشهداء مذبحة داعش في ليبيا

في ذكرى عودة جثامينهم لمصر.. القصة الكاملة لشهداء مذبحة داعش في ليبيا
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، اليوم، بالذكرى السنوية الثانية لعودة رفات الشهداء المصريين الذين قتلوا على يد تنظيم داعش الإرهابي في ليبيا في فبراير عام 2015.
وكان 20 قبطيا من العمالة المصرية في ليبيا، تعرضوا للخطف على يد تنظيم داعش الإرهابي على مرحلتين الأولى، إذ جرى اختطاف 7 عمال مصريين أقباط في مدينة سرت في نهاية ديسمبر 2014 وهم في طريق عودتهم إلى مصر، ثم اختطف 14 آخرين في 3 يناير 2015 من منازلهم في المدينة، بينهم أفريقي، وجميعهم من قرى مركز سمالوط بالمنيا، وأعلنت مواقع تابعة لتنظيم داعش الإرهابي وقوفها وراء عملية الاختطاف.
وحاولت وزارة الخارجية وقتها التواصل مع المسؤولين الليبيين للتوصل للخاطفين، فيما بذلن الكنيسة عبر الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية، جهدا مع بعض رؤساء القبائل للمساعدة في الإفراج عن المخطتفين، الذين نظم أهاليهم وقفات داخل الكاتدرائية المرقسية بالعباسية وأمام وزارة الخارجية المصرية، لمحاولة الضغط لمعرفة مصير أبنائهم، وسبق والتقى البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، أسرهم، وأعرب لهم عن تأثره لما حدث وتعاطفه الشديد معهم واستمع اليهم وتحدث معهم عن التشجيع والمساندة.
ووجّه الرئيس عبدالفتاح السيسي آنذاك، بإنشاء خلية أزمة مقرها وزارة الخارجية لمتابعة الحادث، تضم ممثلين عن الوزارات والأجهزة الأمنية المعنية، لمتابعة الاتصالات الجارية مع الأطراف الليبية للتعامل مع الواقعة.
وفي 12 فبراير 2015، نشرت مواقع إلكترونية تابعة لتنظيم داعش الإرهابي، صورا لعدد من المختطفين الأقباط بليبيا في مشاهد جديدة بملابس برتقالية، يستخدمها التنظيم في عمليات الإعدام، ما دفع أهالي المختطفين إلى معاودة الاستغاثة بالرئيس السيسي، الذي أجرى اتصالا هاتفيا في اليوم التالي مع البابا، أكد خلاله أنّه يتابع الأمر شخصيا، وأنّ كل الأجهزة المعنية بالدولة تُسخِّر جهودها واتصالاتها للوقوف على حقيقة الموقف.
وجاء ذلك قبل 24 ساعة من إعلان تنظيم داعش الإرهابي، عبر مقطع فيديو مدته 5 دقائق، ذبح الأقباط المختطفين، لتعلن رئاسة الجمهورية حالة الحداد 7 أيام، ووجّه الرئيس كلمة للأمة آنذاك، أكد فيها أنّ هذه الأعمال الجبانة لن تنال من عزيمة الدولة، وأنّ مصر تحتفظ لنفسها بحق الرد في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة للقصاص للشهداء.
وشدد الرئيس كذلك على ضرورة منع المواطنين من السفر إلى ليبيا في ظل تردي الأوضاع الأمنية هناك، منوها بأنّه كلف الحكومة باتخاذ الإجراءات الكفيلة بإعادة المصريين الراغبين في العودة من ليبيا.
وتابع الرئيس: "وجّهت بسفر وزير الخارجية إلى نيويورك للتباحث بشأن رد الفعل الدولي تجاه هذه المجزرة البشعة، وأطالب الأمم المتحدة بتحمل مسؤوليتها".
ودعا الرئيس إلى اجتماع عاجل لمجلس الدفاع الوطني لدراسة الرد المناسب، قبل أن يأمر بتوجيه ضربة جوية على معاقل التنظيمات الإرهابية في درنة ثأرًا للضحايا، قبل أن يزور الكاتدرائية في صباح اليوم التالي لتقديم العزاء للبابا، دون انتظار لإجراء أي ترتيبات مراسمية، أو إعداد موكب رسمي.
وأكد الرئيس وقتها من الكاتدرائية، أنّ "المحن تزيدنا صلابة وقوة، ونحن نثأر لدمائهم فالشعب كله مجروح"، مضيفا أنّ مصر لديها أعداء كثيرين يريدون تفتيت وحدتها، كما رأى أنّ المنطقة كلها مستهدفة، لكن ما يميز المصريين هو حضارة عمرها 7 آلاف سنة.
وكلف الرئيس السيسي، المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء آنذاك، ووزير الداخلية، بالتوجه إلى مركز سمالوط في المنيا لتقديم التعزية لأهالي الشهداء، كما أمر بصرف تعويضات لهم، وقال "محلب"، إنّ الرئيس أمر ببناء كنيسة على حساب الدولة باسم الشهداء في مسقط رأسهم بقرية العور بسمالوط، والتي بنيت فيما بعد وحملت اسم "كاتدرائية شهداء الإيمان والوطن".
وشددت الكنيسة فى بيان رسمى لها، على أنّها تستودع في هذه اللحظات العصيبة شهدائها الأبرار، واثقين أنّ وطنهم العظيم لن يهدأ له بال حتى ينال الجناة الأشرار جزاءهم العادل إزاء جريمتهم النكراء، كما نثق في دور الدولة بكل مؤسساتها واهتمام المسؤولين الذي ظهر منذ بداية الأزمة بكل مواطنيها في الداخل والخارج بما يضمن حقوقهم، وإذ نشارك أسر أبنائنا الأحباء، فإننا نعزي الوطن كله ونحسب أنّ دماءهم تصرخ أمام الديان العادل الذي لا يغفل ولا ينام، وسيجازي كل واحد عما صنعته يداه، ونصلي إلى الله أن يحفظ مصر ووحدتها وأن يعم بالسلام في ربوع البلاد".
وفي 2 مارس 2015، أجرى البابا زيارة إلى إيبارشية سمالوط، والتقى عائلات الضحايا الذين لم يتم العثور على جثامينهم، حتى تمكنت أجهزة الأمن الليبية في 2016، من القبض على مصور المذبحة، الذي أرشد عن جثامينهم في مدينة سرت لتنتشلها الأجهزة المعنية في 6 أكتوبر 2017.
وشارك فريقًا من النيابة العامة وخبراء الطب الشرعي المصريين، في عملية تحليل الحمض النووي لرفات الضحايا، تمهيدًا لعودتها إلى مصر، وهو الأمر الذي حدث في 14 مايو 2018، واستقبل الجثامين في مطار القاهرة البابا تواضروس وعدد كبير من أعضاء المجمع المقدس للكنيسة، ووزيرة الهجرة نبيلة مكرم، وترأس الصلاة عليهم في أرض المطار، قبل نقل الجثامين إلى المزار الذي أعد لهم خصيصا بكنيسة السيدة العذراء مريم في قرية العور بسمالوط في اليوم التالي.
واعتبر البابا، عودة الجثامين بركة كبيرة قائلا: "لم يعرف وقت الحادث مقابر هؤلاء الشهداء أو أين دفنوا في الأرض أم في البحر حيث كان استشهادهم قرب البحر، وصار الأمر في عداد المستحيل نظرًا للظروف الأمنية المضطربة الموجودة في ليبيا، ومرت السنوات، لكن منذ عدة أشهر فاجأتنا الأخبار بأنّ السلطات الليبية عثرت على مقبرة الشهداء، وبدأت تحقيقات واسعة".
وتابع البابا: "جرى القبض على بعض مرتكبي الحادث، وأخذت السلطات الصحية عينات DNA من أقارب الشهداء وجرى مطابقتها مع الجثامين التي وجدت في المقبرة، والتعرف على الشهداء بأسمائهم، وبذل الجميع جهودا متميزة وحثيثة انتهت بعودة الجثامين في 20 صندوقًا، يحمل كل صندوق اسم الشهيد مكتوبًا عليه ومختومًا بخاتم السلطات المسءولة، واستقبلناهم في مطار القاهرة الدولي وتمت الصلاة عليهم بالطقس الفرايحي".