استهداف الصحفيين واغتيال الحقيقة (2-2)
شغل موضوع السلامة المهنية المؤسسات الدولية والإقليمية بسبب تزايد حالات الانتهاك واستهداف الصحفيين فى مواقع الأحداث، ويعامل القانون الدولى الإنسانى الصحفيين معاملة المدنيين، ويعد الاعتداء على المدنيين جريمة فى القانون الدولى، ولكن حين تقع أحداث العنف يستطيع المدنى الهروب والاختباء، ولكن طبيعة مهنة الصحفى تفرض عليه الوجود الدائم فى مناطق النزاع والخطر لنقل ما يحدث إلى ملايين الناس، وبالتالى ليس من الإنصاف أن يتم التعامل مع الصحفيين كما يتم التعامل مع المدنيين، وتقضى الأعراف الدولية بوجود شارة للصحفيين فى مناطق النزاع على غرار ما يحدث للأطباء والإسعاف المدنى لتسهيل مهمة الصحفيين فى الاقتراب من بؤرة الأحداث ونقل الوقائع بأمانة إلى الجماهير. وتقع مصر فى الترتيب رقم 159 من أصل 180 دولة فيما يتعلق بحرية الصحافة وفق تصنيف منظمة «مراسلون بلا حدود» لعام 2014 حيث تم ترتيب دول العالم وفق خمسة مستويات تقع مصر فى الترتيب الرابع منها، وهذا يعنى أن مصر أصبحت من الدول التى لا يحظى فيها الصحفيون والمصورون بالحماية الكافية، كذلك رصدت المنظمات الحقوقية المصرية العديد من الانتهاكات الموجهة ضد الصحفيين والإعلاميين منذ ثورة 25 يناير 2011 وحتى الآن، وتتفاوت هذه الانتهاكات بين منع الصحفيين من الوصول إلى مواقع الأحداث، إلى تحطيم كاميرات التصوير الفوتوغرافى والتليفزيونى، إلى استهداف الصحفيين بالرصاص الحى فى أحداث العنف بالشارع المصرى والجامعات، وقد رصد مؤشر حرية التعبير 167 حالة اعتداء بدنى على الصحفيين خلال عام 2013 مع الاستيلاء على الكاميرات أو تحطيمها. وتعد هذه الممارسات مخالفات صريحة للمواثيق والمعاهدات الدولية والإنسانية، حيث تنص المادة رقم (19) من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان على «حق كل شخص فى حرية الرأى والتعبير، وحرية الإنسان فى الحصول على المعلومات، وتلقيها، ونقلها إلى أى مكان بغض النظر عن الحدود الجغرافية»، فحرية الرأى هى حجر الأساس لحرية الصحافة والإعلام وبناء المجتمع الديمقراطى، وينص قانون سلطة الصحافة فى مصر رقم 96 لسنة 1996 مادة (6): «الصحفيون مستقلون لا سلطان عليهم فى أداء عملهم لغير القانون». وتنص المادة (7): «لا يجوز أن يكون الرأى الذى يصدر عن الصحفى، أو المعلومات الصحيحة التى ينشرها سبباً للمساس بأمنه، كما لا يجوز إجباره على إفشاء مصادر معلوماته». وكما تؤكد الصحفية اللامعة عبير سعدى «أن مهنة الصحافة فى العالم العربى تحولت إلى مهنة البحث عن القتل بدلاً من مهنة البحث عن المتاعب، ويكفينا معرفة أن من بين 70 صحفياً قتلوا فى عام 2013، يوجد 49 صحفياً قتلوا فى العالم العربى لندرك حجم خطورة وضع الصحفى الذى يعمل فى منطقة هى الأكثر دموية فى العالم». وتضيف عبير: «إنه فى حالة تصاعد العنف فى الشارع المصرى، الذى يرقى فى بعض الأحيان إلى «حروب الشوارع»، يمكن أن يصاب الصحفى لعدة أسباب منها وجود الصحفى فى المكان الخطأ فى الوقت الخطأ، واستخدام أسلحة لا تعرف التمييز، وأن الكاميرات تحوّل الصحفيين إلى أهداف حية، ولهذا فأغلب الصحفيين ممن تعرضوا للقتل والإصابة أو أشكال الانتهاكات الأخرى من «المصورين» وهم الفئة الأكثر تعرضاً للاعتداء، كما يرتبط استهداف المحررين أو المراسلين المغدورين بسبب حيازتهم هم أنفسهم أو أحد فى محيطهم كاميرا». لعل الصحفيين الميدانيين يعيشون أصعب أيامهم على الإطلاق مع تصاعد المخاطر التى يتعرضون لها منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن، والكارثة أن من يتم استهدافهم غالباً ما يكونون من بين شباب الصحفيين الذين يحصلون على الفتات من مؤسساتهم الصحفية، ويتم الزج بهم فى أتون المواقع الملتهبة دون أى شكل من أشكال الحماية، أو التأمين على حياتهم من القتل أو الإصابة، ولا تزال نقابة الصحفيين تمارس هوايتها فى الوقفات الاحتجاجية على سلالم النقابة دون أن تتخذ إجراءات وقائية مثل إمداد الصحفيين بالسترات الواقية من الرصاص، أو مد مظلتها للتأمين على الصحفيين الشباب، وقيدهم فى نعيم النقابة ولو فى شكل أعضاء منتسبين.