"البيوشار".. تكنولوجيا جديدة للاستفادة من مخلفات الزراعة تنتظر الدعم

"البيوشار".. تكنولوجيا جديدة للاستفادة من مخلفات الزراعة تنتظر الدعم
- الزراعة الحديثة
- البيوشار
- تنقية المياه
- استصلاح الأراضي
- الزراعة الحديثة
- البيوشار
- تنقية المياه
- استصلاح الأراضي
محاولات عديدة تقوم بها المحافظات على مدار الأعوام الماضية بالتعاون مع وزارة البيئة، للحد من ظاهرة حرق المخلفات الزراعية وما ينتج عنها من ملوثات خطرة على البيئة، ما يؤدي إلى ظهور السحابة السوداء، ما يؤثر بدوره على صحة المواطنين.
عقوبات مغلظة ومحاضر تحررها وزارة البيئة كل عام للمخالفين، وأسباب عدة يسوقها الفلاحون مبررين حرق تلك المخلفات، وفي سبيل الحد من تلك الظاهرة عكف عدد من الباحثين المصريين على إيجاد حلول علمية للحد من التلوث الناتج عن الحرق، وتمكنوا من تطوير مادة تسمى "البيوشار"، وهو كربون حيوي مشتق من المخلفات الزراعية بعد حرقها بمعزل عن الأكسجين، يتم استخدامها على نطاق واسع حول العالم، في مجالات تحسين خصائص التربة.
"الوطن" تواصلت مع القائمين على المشروع الأول من نوعه في الشرق الأوسط، وتعرفت من خلالهم على طبيعة تكنولوجيا "البيوشار" والتي تعتمد في إنتاجها على متبقيات تقليم الأشجار، ومخلفات الأرز والقطن، مشيرين إلى أنهم تمكنوا من تطوير تلك المادة حتى تتلاءم مع طبيعة الأراضي الزراعية إلى جانب تمكنهم من استخدام تكنولوجيا "البيوشار" في تنقية مياه الصرف الزراعي الملوثة بمتبقيات المبيدات العضوية، والتي يتم خلطها بمياه النيل واستخدامها في ري الأراضي الصحراوية، ما يؤثر على قدرتها الإنتاجية في المستقبل، وتشير الدراسات التي نشرها موقع "Grand View Research" العالمي إلى التوسع في استخدام الكربون الحيوي محققا مبيعات تصل قيمتها إلى 3.1 مليار دولار بحلول 2025.
هشام: الكربون الحيوي مستخدم في جميع أنحاء العالم ويمكن من خلاله التوسع في زراعة الصحراء
كغيره من شباب جيله، حلم الدكتور هشام محمد علي، الباحث بقسم الغابات وتكنولوجيا الأخشاب بمركز البحوث الزراعية بحديقة أنطونيادس بالإسكندرية، أن يطرق أبواب العلوم الحديثة حتى يتسنى له الخروج من دائرة العلوم المصرية غير المتجددة، والتي أصبحت لا تتماشى مع ثورات التكنولوجيا في العالم، محاولا العمل على استحداث أنماط جديدة من أحدث ما توصل إليه العلم، فكان له ماكان حينما أتيحت له فرصه غيرت مجرى حياته بشكل جذري، بعد أن كان يقضي ساعات عمله بين نبات حديقة أنطونيادس بالإسكندرية، كتب له القدر أن يسافر في بعثة علمية إلى أحد الدول الأوروبية.
وهناك تعرف الباحث الشاب على تكنولوجيا جديدة تستخدم في تحسين خصائص التربة، وهي "البيوشار" والتي فتحت له مجالات واسعة وحاول نقل تلك الفكرة إلى مصر، ولكن بأسلوب معين يتماشى مع طبيعة الأراضي الزراعية بمصر، وطرق تصنيع وخامات تصلح مع البيئة المصرية على أن تكون ذات تكلفة قليلة، وليس لها أضرار على البيئة حال تصنيعها، وهنا بدأ في محاولة تطوير تلك التكنولوجيا المستحدثة لملاءمة طبيعة المجتمع المصري وتمكن من نقل الفكرة إلى مصر وعكف منذ عام ونص على تطويرها بما يخدم الصالح العام المصري ويساهم في زيادة الرقعة الزراعية.
يقول الباحث بقسم الغابات، أنه فكر بشكل جدي في كيفية تصنيع منتجات "البيوشار" من منتجات محلية حتى يمكن تعميم الفكرة حيث أنها تقنية قليلة التكلفة: "في البداية هتكلم عن مفهوم تكنولوجيا البيوشار وهي عبارة عن مادة شبيهة بالفحم يتم تصنيعها عن طريق حرق المواد العضوية بمعزل عن الأكسجين حتى لا تحترق تلك المواد وتتحول إلى رماد".
ويتابع: "يتم تصنيعها عن طريق حرق المواد العضوية في معزل عن الهواء بواسطة الحرارة، على أن تكون تلك المواد عبارة عن النفايات الزراعية التي تؤرق الفلاح والدولة، في التخلص منها، وعادة ما يلجئ إلى حرقها مسسبا بذلك مشاكل بيئية عديدة، كما أنه من بين تلك المواد، تأتي نواتج تقليم الأشجار والتي لم يتمكن أحدا من الاستفادة منها"، ويضيف: "على الرغم من أنه يشبه إلى حد كبير الفحم الشائع، إلا أنه يتم إنتاج الفحم الحيوي باستخدام عملية محددة لتقليل التلوث وتخزين الكربون بأمان أثناء الانحلال الحراري، حيث يتم حرق المواد العضوية، مثل فروع الأشجار وقش الأرز وحطب القطن ، في حاوية مغلقة بإحكام أثناء عملية الانحلال الحراري، حتى لا تتحول المواد الخام إلى رماد".
يشير الباحث إلى أن الفحم الحيوي لا يعود مرة أخرى إلى الغلاف الجوي، حيث إنه بفعل التحلل الحراري يتحول الكربون إلى شكل مستقر وأكثر نظافة من الأشكال الأخرى من الفحم.
التركيب الفيزيائي لـ"البيوشار" المليء بالفجوات التي تعد مأوى مناسبا للكائنات الدقيقة كما يشير"هشام"، يحتم استخدامه في وظائف عديدة أهم تلك الاستخدامات تثبيت كربون النبات القابل للتحلل بسهولة في صورة فحم طويل الأمد، حيث تتم إزالة ثاني أكسيد الكربون ببطء ولكن بثبات من الغلاف الجوي.
يشرح أستاذ الغابات الصفات الفيزيائية للفحم الحيوي ويقول: "أسود اللون، مسامي للغاية، خفيف الوزن، دقيق الحبيبات، ويحتوي على مساحة سطح كبيرة، ما يقرب من 90 في المئة من تكوينه هو الكربون، تتكون النسبة المتبقية من النيتروجين والهيدروجين والأكسجين من بين عناصر أخرى".
يختلف التركيب الكيميائي للكربون الحيوي، باختلاف المواد الأولية المستخدمة في تصنيعه والطرق المستخدمة لإعداده، وعلى الرغم من أن تكنولوجيا الفحم الحيوي تعتبر استراتيجية حديثة لعزل الكربون وتقليل الاحتباس الحراري، فإن عملية إضافة الكتلة الحيوية المتفحمة لتحسين جودة التربة ليست جديدة. حيث تم استخدام هذه العملية منذ 2000 عام في حوض الأمازون، فأنشأ السكان الأصليون مناطق من التربة الخصبة تسمى "preta terra" وتعني التربة الداكنة، بحسب "هشام".
وبعد أن ساهم الكربون الحيوي في سرعة نمو النباتات ووجوده في التربة رغم مرور الآف الأعوام على خلطة بالتربة، اقترح الباحثون إضافة الفحم الحيوي للتربة المتدهورة من أجل تحسين نوعيتها وإضافة بعض العناصر الضرورية لها: "البيوشار بيحسن جودة التربة من خلال تعزيز بنية التربة وزيادة قدرتها على الاحتفاظ بالماء وتجميع، وتقليل الحموضة كما يتمكن البيوشار من الحد من انبعاثات أكسيد النيتروز وتحسين المسامية في التربة، إضافة إلى تقليق غسل وفقد النيتروجين من التربة وتحسين الخصائص الميكروبية للتربة".
بعد أن أعجبته تلك التقنية الجديدة، فكر الباحث في مجال الغابات والأشجار الخشبية في تطوير الاستفادة من تلك المادة، وذلك من خلال استخدامها في تنقية مياه الصرف الزراعي وإعادة استخدامها في الري، وعاد إلى القاهرة محملا بأحلام وطموحات، ظهرت جلية في التقرير الذي قدمه لوزارة الزراعة عن مدى الاستفادة من تلك المهمه العلمية: "اقترحت إننا نتوسع في صناعة الكربون الحيوي أو المنشط على أن يتولى مهمة الريادة والإشراف على تلك المشروع مركز البحوث الزراعية"، في سبيله لعمل المزيد من التجارب على مادة "البيوشار" وتطوير استخدامها المقتصر في دول أوروبا على تحسين خصائص التربة فقط.
تقابل "هشام" مع باحث من الصين وعملا سويا على تنقية بحيرة ملوثة بأحد المكونات العضوية في الصين، وتحقق للفريق ما أراد حيث تخلص من ملوثات البحيرة، وهنا أيقن أن استخدام الفحم الحيوي في تنقية المياه أمر لا يقترب من الاستحالة كما كان يعتقد: "رجعت من الصين وبعدها بفترة بدأت أطور من مادة البيوشار وزرت الصين تاني كأستاذ زائر، وبالفعل نجحنا في تطبيق الفكره في الصين وحصلنا على نتائج تفوق الخيال في خلال السنة اللي قضيتها هناك".
ويتابع: "أكاديمية البحث العلمي أعلنت عن إمكانية عمل مشاريع مشتركة مع التشيك، وبالفعل شاركت بمشروع استخدام الفحم المنشط في تنقية مياه الصرف الزراعي، وتم قبول المشروع وجار الإعداد لتطبيقه في التشيك".
أسباب عديدة طرحها هشام محمد علي جعلته يهتم بتطوير تلك التقنية التي تستخدم لأول مرة في، العالم العربي بحسب ما قاله، حيث يرجع السبب الأول إلى وجود مخلفات زراعية ضخمة في مصر ربما تصل إلى 30 مليون طن في السنة، وأن تلك المخلفات يتم التخلص منها عن طريق الحرق: "الحرق بيخلينا نفقد إمكانية الاستفادة من المخلفات، وبتكون سبب في زيادة ملوثات البيئة ممثلة في انطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج من عملية الحرق إلى الغلاف الجوي، ما يؤثر على البيئة وصحة المواطنين بشكل مباشر".
السبب الآخر الذي دفعه إلى تصنيع "البيوشار" في مصر، وجود مساحات شاسعة من الصحراء، دون استغلال أمثل: "عايزين نستفيد من الصحراء، فكان لازم أحط مادة تحسن خصائص التربة وتمد النبات بعناصر النمو الطبيعية، وكانت المادة دي هي الكربون الحيوي أو المنشط". يعمل "البيوشار" كما يشير "هشام" على تخليص التربة من السميات، إلى جانب زيادة قدرة الرمال على الاحتفاظ بالمياه في الأراضي الصحراوية: "النبات مبيستفدش حاجة لما بستخدم مركبات نيتروجينة، نترات ويوريا، لأنها بتروح مع المياه، لكن البيوشار له قدرة على امتصاصها في أوعيته، ومد النبات بها عند الحاجه إليها".
أستاذ سمية الأسمدة بجامعة الإسكندرية: الاعتماد هيكون على أوعية المخلفات الزراعية
تشمل بعض المزايا البيئية الأخرى للبيوشار كما يقول الباحث في علم الأخشاب والغابات، خفض تلوث المياه الجوفية، إلى جانب خفض تكلفة ترشيح المياه، كما تساهم هذه التكنولوجيا في تحقيق الأمن الحيوي وخفض كميات النفايات الزراعية وزيادة الربحية للمزارعين من خلال زيادة غلة المحاصيل والاحتفاظ بالمياه في المناطق المعرضة للجفاف.
وعن شكل البيوشار أو الفحم الحيوي يقول هشام محمد علي إنه في صورة يكون في صورة مسحوق أو حبيبات سواء اللون، وذلك لأنه مشتق من منتجات الكربون: "نجحت بالفعل في عملية التصنيع وقدرت أنتج البيوشار على النطاق المعملي، وفي حالة الرغبة في إنتاج أطنان منه لابد هنا من تدخل الصناعة من خلال إنشاء مصانع في المناطق الريفية"، ويشير إلى أن تلك المادة قد حققت نجاحا باهر في الصين، ولكن لم يتم تطويرها هناك بالشكل الذي يسمح بملائمتها مع الطبيعة المصرية: "في التجارب ممكن أقل من 2 جرام ينقوا لتر مياه، وعملية التنقية دي بتستغرق وقت قليل جدا وده من ضمن مزايا "البيوشار"، وبكده هيكون مناسب للمياه المصرية لأن كميات الملوثات الموجودة في مياه الصرف الزراعي كبيرة".
وأكد أنه في حالة إنشاء محطات عند مداخل المناطق الجديدة سوف يتم الحصول على مياه آمنة بالنسبة لإنتاج الغذاء: "بعض الشركات الخاصة بتستوردة من بره على هيئة براميل، لكن بسعر عالي، ويستخدم لتحسين خصائص التربة فقط، ليس لتتقية المياه".
يمسك بطرف الحديث الدكتور نادر شاكر أستاذ كيمياء وسمية المبيدات المتفرغ بكلية الزراعة جامعة الإسكندرية، ويؤكد أن مصر تعاني بشكل كبير من نقص المياه الصالحة للزراعة، وأنه لابد من الاحتياط حتى لا نفاجئ بدخولنا في مرحلة الفقر المائي، كما أنه من بين المشكلات التي طالما بحث الكثيرون عن حلول لها دون جدوى، هي المخلفات الزراعية والتي تكون عبئا على الدولة والفلاح حتى يتمكن من التخلص منها، إلى جانب تلوث مياه الصرف الزراعي، مشيرا إلى أن "البيوشار" يعد أحد أهم الطرق الحديثة لمواجهه تلك الأزمات.