سلامتك من كورونا وسلامة الاقتصاد أيضاً

عادل نعمان

عادل نعمان

كاتب صحفي

نروح فين ونيجى منين، أين الطريق وإلى أين المهرب والمفر، الخوف من وباء الكورونا أو الخوف من مخاطر الإفلاس، السلامة والنجاة من المرض، أو الوقوع فى أزمة اقتصادية واجتماعية وأمنية ربما تكون الأخطر والأثقل، «نقفل الشباك ولا نفتح الشباك؟»، إغلاق وحظر ومنع وتباعد اجتماعى وجلوس فى البيت ونوم وأكل وشرب وضحايا أقل، أو الاقتراب والمجاورة والملاصقة، والسفر والخروج والعمل وركوب المواصلات والزحام فى المولات والمساجد والأسواق، وضحايا أكثر؟ حصار المرض وعزله، والتضييق على الناس وتأزيم حركاتهم والتشديد على تصرفاتهم، أو الحفاظ على الاقتصاد من الانهيار والإفلاس وتفشى البطالة والجريمة والخروج على القانون، أيهما يسبق الآخر الصحة أم الاقتصاد؟ أيهما أسلم وأأمن؟ السلامة من الوباء، أو السلامة من الانهيار الاقتصادى؟

الحكومات بين خيارين، كلاهما مر، بين حكومات مؤيدة على طول الخط لفكرة الحفاظ على صحة المواطنين من كارثة كورونا مهما كانت تكلفة الإغلاق والحظر، وصحة المواطن حق له وواجب على الدولة، ووسيلته العزل والتباعد الاجتماعى إلى أبعد مدى ممكن، عدا أصحاب الأعمال الضرورية، وفريق آخر يرى الخروج للعمل بضوابط علمية محددة، تحمى من انهيار اقتصادى بالغ، لا يقف عند انهيار الشركات العملاقة، والتضخم وزيادة البطالة إلى الملايين فقط، بل يشمل الاقتصاديات المحدودة والصناعات الصغيرة وهى كارثة الكوارث، تؤدى لا محالة إلى شلل حركة الاقتصاد تدريجياً، وانهيار تام لكافة الأنشطة العملاقة منها كالطيران والسياحة وكافة الأنشطة الخدمية ومراكز الخدمة وتموين السيارات والأنشطة الترفيهية والنقل الخاص والعام وغيرها كثير، وشلل قطاعات كبيرة من الاقتصاد الموازى، وهو خطر اجتماعى يهدد المجتمع أمنياً، من تفشى الجريمة والسرقات والسطو والنهب، وهو أمر وارد وملازم للحظر والمنع والإغلاق والتضييق على أصحاب المهن والحرف اليومية، المعادلة صعبة والوقوف بينهما محير، وصاحب الأمر والقرار مظلوم بينهما، فلو أغلق وخرج الأمر عن السيطرة لاموه وعاتبوه بل وحاكموه، ولو فتح وسرح الوباء فى البر والبحر عاتبوه وحاكموه، كان الله فى عونهم ومعهم وهداهم القرار الصائب السليم.

وليس عندى رأى فى هذا الشأن، فربما أميل إلى الإغلاق، فيرمينى الناس بالغنى وعدم الاهتمام ببسطاء القوم، ولو ملت إلى الفتح والخروج يتهمنى البعض بالعفوية والتسيب وعدم الحرص على صحة الناس، وعلى قدر همى بصحة الناس فأنا مهموم بالحالة الاقتصادية، ومعاناة الناس، خائف من تداعيات الأمر، وما يحمله القاموس الاجتماعى والاقتصادى من مخاطر، والإغلاق والحظر والمنع ترف وبذخ لمن يقدر عليه، إلا أنه عوز واحتياج ودين وأزمات لمن لا قدرة له عليه، ودول كثيرة واقتصاديات عملاقة بدأت تئن وتشكو، ويطالب الناس بالنزول للعمل ويؤيدهم فى ذلك حكام الأقاليم، ولاية ميتشجان ونورث كالوراينا وغيرهما فى أمريكا، وعشر مقاطعات ألمانية منها مقاطعة برلين، كل هؤلاء قد ضاق عليهم الأمر والبقية قادمة، يحملون جميعاً لافتة «التعايش مع الكورونا»، ما هو الحل؟ ومن هو صاحب القرار؟ وعلى من تقع المسئولية؟ ولأن هذه الحالة فريدة من نوعها، وحيدة فى تجربتها، وليس لها مرجعية ثابتة، وقرارها شائك ومتداخل ومتضارب، ولا يتحمله واحد بمفرده، أو جهاز أو جهة أو هيئة بمفردها، لا بد أن يكون قراراً مجتمعياً شاملاً، قراراً مسئولية كل التخصصات وكل المسئولين، الصحة والتعليم والأمن والاقتصاد والمال ورجال الأعمال والنقابات وممثلين عن المهن والحرف، كل يتقدم بورقة واحدة، مزايا الإغلاق والفتح، أضرار المنع ومزاياه، تكلفة الأول والثانى، والغرض أن يعرف المهتمون بالصحة الآثار الجانبية كاملة وعامة وشاملة على كل القطاعات الأخرى، وتعرف كل القطاعات الأخرى مصائب الفتح والخروج إلى العمل والمخاطر الصحية، وعندها سيكون القرار مدروساً وعالمياً وصائباً ومتوازناً، وقد يكون إما الإغلاق بشروط، وإما الفتح بشروط أيضاً، الأهم أن يكون القرار مسئولية مجتمع، وتبقى المسئولية على من ينفذ، لا داعى للانفراد بالقرار، فليس شجاعة أن يتحمله فرد واحد، وليس هروباً أن نسنده لكل المهمومين به. سلمنا جميعاً من كورونا ومن الإفلاس أيضاً.