ماذا سيتغير في عالمنا بعد أن تهدأ مدافع كورونا؟ (2-2)

نستكمل في هذه الحلقة محاولة الإجابة عن التساؤل المطروح حول شكل العالم بعد انتهاء عاصفة كورونا، فبعدما اشتدت هجمات الفيروس التاجي ضراوة في الفتك بالأرواح والعصف بالعتاد الطبي والضغط على صناع القرار ومع بقاء ثلثي سكان الأرض بالمنازل وتحت قسوة العزل والتباعد الاجتماعي يصبح هذا السؤال ملحا على الجميع. وقد قامت مؤسسات وافراد بالبحث عن إجابة لهذا السؤال الصعب لعل أبرزها

ما قامت به مجلة السياسات الخارجية الامريكية بدعوة اثنى عشر مفكرا عالميا للإجابة عن هذا السؤال وهم  جون ألين ، نيكولاس بيرنز ، لوري غاريت ، ريتشارد هاس ، G. جون إكنبييري ، كيشور محبوباني ، شيفشانكار مينون ، روبن نيبليت ، جوزيف س. ناي الابن ، شانون K. أونيل ، كوري :شيك ، ستيفن والت M.

ونشرت خلاصة أفكارهم في العشرين من شهر مارس 2020 والتي جاءت عناوينها بالترتيب  كالتالي  : عالم أقل انفتاحًا وازدهارًا وحرية- نهاية العولمة كما نعرفها-عولمة أكثر تتمحور حول الصين- سوف تخرج الديمقراطيات من قوقعتها- أرباح أقل ، ولكن المزيد من الاستقرار- هذا الوباء يمكن أن يكون له غرض مفيد - ستحتاج القوة الأمريكية إلى استراتيجية جديدة- سيتم كتابة تاريخ COVID-19 من قبل المنتصرين - مرحلة جديدة مثيرة في الرأسمالية العالمية- المزيد من الدول الفاشلة- لقد فشلت الولايات المتحدة في اختبار القيادة- في كل بلد ، نرى قوة الروح البشرية وهى تحمل كثيرا من التشاؤم وقليلا من التفاؤل ولكنها تجمع على تغيرات كبيرة وعميقة سوف تحدث .

 وكانت اخر هذه المحاولات واخطرها مقال هنري كيسنجر والذي نشر ته صحيفة ول ستريت جورنال في الثالث من ابريل 2020 والذي حزر العالم فيه قائلا:

العالم على شفير هاوية، فإما النجاح في إدارة الأزمة، أو الفشل الذي يمكن أن يؤدي الى حرق العالم.: والنجاح برايه يمثل تدشين لقرن أمريكي جديد كالذي عاش سنواته السبعة والتسعين فيه عبر مسارات ثلاثة يستلهمها من تاريخ الولايات المتحدة الامريكية وهي:

1-      مسار علمي كمشروع منهاتن. مزيد من العلم لدعم المرونة العالمية تجاه الأمراض المعدية

2-      مسار اقتصادي كمشروع مرشال. والسعي لمعالجة جراح الاقتصاد العالمي، لتحجيم تداعيات الفوضى الوشيكة، لا سيما الواقعة على الضعفاء حول العالم.

3-      مسار سيأسى وهو الحفاظ على قيم الليبرالية والديمقراطية وهو ما تزرعت به الولايات المتحدة مرارا للتمدد حول العالم وعبر قرن كامل. وهو العمل على حماية مبادئ النظام العالمي الليبرالي، والدفاع عن قيم التنوير لتستمر ديمقراطيات العالم.

، وأخيرا رسم للإدارة الامريكية ما ينبغي القيام به بطرح أسئلة من قبيل ما هي الأشياء التي نسعى لتحقيقها؟ وما هي الأشياء التي نحاول تجنُّبها حتى لو كان يجب محاربتها بشكل شخصي؟ والأجوبة على هذه الأسئلة هي الركائز الأساسية للسياسة الخارجية الأميركي، والتي ينبغي أن تشكّل أساس القرارات الإستراتيجية التي يتخذها أي رئيس". والجديد الوحيد في مقال ثعلب الاستراتيجية الامريكية الأكبر هو ضرورة العمل بين متساوين primus inter pares. وهو ما يعكس الاعتراف بالواقع العالمي الجديد الذي تساوت فيه القوة بين عدة اقطاب. فهل هذا ما سيتغير في عالمنا بعد كورونا؟ ام ان هذه توقعات مبكرة لنتائج حرب لم تهدا أصوات مدافعها بعد.

 

ثالثا ماذا تقول علوم المستقبل؟

1-السيناريوهات الثلاث التقليدية:

من أساليب علوم المستقبليات التقليدية لرسم تصورات للمستقبل هو أسلوب الخطوط الثلاثة الخط المستقيم والخط المنحى للأعلى والخط المنحنى للأسفل: 

الخط المستقدم: ويعنى ان المستقبل هو وليد تراكمات الماضي وابن الحاضر ويسير دائما للأمام في شكل خط مستقيم والتغيرات تكون طفيفة. وفى حالتنا الراهنة سوف ينحسر الوباء وتشهر أمريكا أسلحتها في الميادين التي تسيطر عليها مع تواجد عسكري أكبر في جنوب اسيا والباسفيك ومزيد من الضغوط الاقتصادية على الصين وتعزيز أدوار أمريكا في اليابان وكوريا ومزيد من الحرب بالإرهاب في الشرق الأوسط وفرض مزيد من رسوم الحماية على واربا ومحاصرة الدب الروسي. والتدخل السافر في أمريكا اللاتينية وزيادة القيود على الحدود مع كندا والمكسيك. وتكريس مبدا ترامب أمريكا أولا وعلى حساب الجميع. ويؤكد هذا التوجه ستيفن ام والت قائلا ". لم تنهِ الأوبئة السابقة التنافس بين القوى العظمى ولم تستهل حقبة جديدة من التعاون العالمي. إن الأوبئة السابقة - بما في ذلك وباء الإنفلونزا في 1918-1919 - لم تنهِ تنافس القوى العظمى ولم يبشر بعصر جديد من التعاون العالمي.

المنحنى للأعلى: ويعنى كسر الخط المستقيم والاتجاه للأعلى في اتجاه جديد بناءات على حقائق بدأت في الماضي وتفاعلت بشكل اقوى مع الأوضاع المستجدة جعلتها تبرز بشكل أكثر وضوحا. وهذا يعنى ان الولايات المتحدة الامريكية ستستوعب الدرس أسرع من الاخرين وترى ان مشروع القرن الأمريكي مهدد وستدفع بعناصر قوتها الى الامام في مجالات الامن البيولوجي والاندفاع في الفضاء واحتكاره والاندفاع في توظيف الامن السيبرانى الذي تملك مفاتحه. وستمتص بسرعة الاثار الاقتصادية لهذه الازمة وتحولها لاحقا الى فرص. وستركز على قيم الحرية والديمقراطية في العالم مما يعزز مواقعها الحالية في زعامة العالم وان ما سيحدث هو موجة جديدة من العولمة بشروط أكثر صرامة وتكلفة أكبر على الاخرين وعائدات أكبر لامريكا. ويقف مع هذا السيناريو ة جون جون إكنبيريقائلا "على المدى القصير، ستعطي الأزمة الوقود لجميع المعسكرات المختلفة في النقاش الغربي حول الإستراتيجية الكبرى. سوف يرى القوميون والمناهضون للعولمة، والصقور الصينيون، وحتى الأمميون الليبراليون، أدلة جديدة على إلحاح وجهات نظرهم. بالنظر إلى الضرر الاقتصادي والانهيار الاجتماعي الذي يتكشف، من الصعب رؤية أي شيء آخر غير تعزيز الحركة نحو القومية، وتنافس القوى العظمى، والفصل الاستراتيجي، وما شابه.

 

المنحنى للأسفل: ويعنى كسر الخط المستقيم نتيجة تغيرات حاسمة تفرضها ضرورات جديدة وتخلقها ظروف موضوعية. تجعل من حدث مفاجئ نقطة فارقة في تغير خطوط الحركة في المستقبل. وهذا يعنى في حالتنا ان عالم ما بعد كورونا لن يكون كما كان قبلها وان القرن الأمريكي الذي ظهرت فيه الولايات المتحدة على المسرح الدولي في نهاية الحرب العالمية الأولى قد اكتمل. وان ازمة كورونا كشفت سوءات النظام الأمريكي في إدارة العالم وكشف أوجه قصور عديدة في داخل المجتمع الأمريكي. وان قوى جديدة ظهرت وقادرة على ملئ الفراغ الذي تركته أمريكا. واهما الصين التي سيطرت على الفيروس بسرعة وكفاءة اعلى وعرضت طريق الحرير الصحي الذي وصل حتى الى أمريكا نفسها مرورا بأوروبا وافريقيا واسيا. واندفعت في شراء أسهم الغربيين في شركاتها وشراء أصول وشركات غربية في اوروبا وامريكا الى درجة جعلت المفوضية الأوروبية تدعوا الدول الأوروبية لشراء حصص في الشركات الأوروبية جراء تداعيات فيروس كورونا لمواجهة الأخطار الناجمة عن عمليات استحواذ من قبل الصين. وجاءت هذه الدعوة الأوروبية وسط مطالبات من بعض حكومات دول الاتحاد الأوروبي بحماية الاقتصاد الذي تضرر كثيرا بفعل تداعيات كوقيد 19 على الشركات والأعمال.. وتتعامل مع القوى الأخرى في العالم على أساس المصالح المتبادلة من خلال مبادرة الحزام والطريق. وتطرح نموذج عولمة جديدة يقوم على قيم الخصوصية الثقافية للأمم. ويدعم هذا التوجه كيوشور محبوبانى قائلا" سوف تسرع هذه الازمة  فقط من التغيير الذي بدأ بالفعل: الانتقال من العولمة التي تركز على الولايات المتحدة إلى العولمة التي تتمحور حول الصين.

والسيناريوهات الثلاثة السابقة عصية على التحقق في الواقع فالأول والثاني القائلين باستمرار أمريكا او زيادة احكام قبضتها على مقدرات العالم تناقض سياسات أمريكا نفسها ليس في فترة حكم ترامب فقط ولكن منذ اعتماد باراك أوباما سياسة القيادة من المقعد الخلفي تحت ضغط الازمة الاقتصادية لعام 2008 وسياسة دونالد ترامب أمريكا أولا والانسحاب من اغلب المؤسسات الدولية وإعطاء الظهر للأصدقاء والاعداء معا.

والسيناريو الثالث القائل بتراجع أمريكا وقيادة الصين للعالم بدلا منها عصى على الحدوث على الأقل في الوقت الراهن وربما لوقت طويل قادم لأسباب موضوعية منها ما يخص الصين ذاتها وهو ثقافة الاسوار العظيمة في التاريخ الصيني واعتماد الصين على الاخرين في احداث الطفرة الاقتصادية والسياسات الصينية المعلنة حتى الان في شكل مبادرة حزام واحد وطريق واحد القائمة على التشارك وليس الاخضاع. ومنها ما يخص العالم فهناك قوى عديدة لا تقبل باستبدال النفوذ الأمريكي باخر صيني ومنها القوى الملاصقة لها مثل اليابان وكوريا في الشرق والهند في الغرب وروسيا في الشمال وباكستان وإندونيسيا وماليزيا في الجنوب لأسباب تاريخية وثقافية وسياسية ودينية. فضلا عن أمريكا واوروبا ودول أمريكا الأثنية. كما ان فكرة القطب الدولي الواحد استثناء ربما تجاوزه الواقع الدولي الان ولن يقبل به مجددا مهما كانت قوته ومهما كانت جاذبية ما يقدمه.

2- التيار الأيديولوجي في دراسات المستقبل

يمثل هذا التيار سايمون ماير الذي كتب على موقع رويتر في 31 مارس 2020 شارحا أربعة صور للمستقبل هي رأسمالية الدولة - اشتراكية الدولة –الهمجية الجديدة - اللامركزية والابنية الداعمة وأضاف قائلا "لمساعدتنا في زيارة المستقبل، سأستخدم تقنية قديمة من مجال دراسات المستقبل. تأخذ عاملين تعتقد أنه سيكون مهمًا في قيادة المستقبل، وتتخيل ما سيحدث في ظل مجموعات مختلفة من تلك العوامل.

العوامل التي أريد أن آخذها هي القيمة والمركزية. تشير القيمة إلى كل ما هو المبدأ الموجه لاقتصادنا. هل نستخدم مواردنا لتعظيم التبادلات والأموال، أم نستخدمها لتعظيم الحياة؟ تشير المركزية إلى الطرق التي يتم بها تنظيم الأشياء، إما عن طريق الكثير من الوحدات الصغيرة أو بواسطة قوة قيادة واحدة كبيرة. يمكننا تنظيم هذه العوامل في شبكة، والتي يمكن بعد ذلك ملؤها بالسيناريوهات. لذا يمكننا التفكير فيما قد يحدث إذا حاولنا الاستجابة للفيروس التاجي بالمجموعات الأربعة المتطرفة التالية:

1.    رأسمالية الدولة: استجابة مركزية، إعطاء الأولوية لقيمة التبادل   

2.    الهمجية الجديدة: استجابة لامركزية، إعطاء الأولوية لقيمة التبادل  

3.    اشتراكية الدولة: استجابة مركزية، تعطي الأولوية لحماية الحياة 

4.    المساعدة المتبادلة: الاستجابة اللامركزية، وإعطاء الأولوية لحماية الحياة. 

رأسمالية الدولة

رأسمالية الدولة هي الاستجابة المهيمنة التي نراها في جميع أنحاء العالم في الوقت الحالي. ومن الأمثلة النموذجية المملكة المتحدة وإسبانيا والدنمارك. يستمر المجتمع الرأسمالي في الدولة في السعي وراء قيمة التبادل باعتبارها الضوء الموجه للاقتصاد. لكنها تعترف بأن الأسواق في أزمة تتطلب الدعم من الدولة. بالنظر إلى أن العديد من العمال لا يستطيعون العمل لأنهم مرضى، والخوف على حياتهم، فإن الدولة تتدخل برفاهية ممتدة. كما ينفذ حافزًا كينيزيًا هائلاً من خلال تقديم الائتمان وتسديد الدفعات المباشرة للشركات. التوقعات هنا هي أن هذا سيكون لفترة قصيرة. الوظيفة الأساسية للخطوات التي يتم اتخاذها هي السماح لأكبر عدد ممكن من الشركات بمواصلة التداول. في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، لا يزال يتم توزيع المواد الغذائية من قبل الأسواق (على الرغم من أن الحكومة خففت قوانين المنافسة). حيث يتم دعم العمال بشكل مباشر، يتم ذلك بطرق تسعى إلى تقليل الاضطراب في الأداء الطبيعي لسوق العمل. لذا، على سبيل المثال، كما هو الحال في المملكة المتحدة، يجب على أصحاب العمل التقدم بطلب للحصول على المدفوعات وتوزيعها. ويكون حجم المدفوعات على أساس قيمة التبادل التي عادة ما يخلقها العامل في السوق، بدلاً من فائدة عمله.

هل يمكن أن يكون هذا سيناريو ناجح؟ ممكن، ولكن فقط إذا ثبت أن Covid-19 يمكن السيطرة عليه خلال فترة قصيرة. مع تجنب الإغلاق الكامل للحفاظ على أداء السوق، لا يزال من المحتمل أن يستمر انتقال العدوى. في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، لا يزال البناء غير الأساسي مستمرًا ، مما يجعل العمال يختلطون في مواقع البناء. لكن تدخل الدولة المحدود سيصبح من الصعب الحفاظ عليه إذا ارتفع عدد القتلى. ستؤدي زيادة المرض والموت إلى إثارة الاضطرابات وتعميق الآثار الاقتصادية، مما يجبر الدولة على اتخاذ المزيد والمزيد من الإجراءات الجذرية لمحاولة الحفاظ على أداء السوق.

الهمجية الجديدة

هذا هو السيناريو الأكثر قتامة. الهمجية هي المستقبل إذا واصلنا الاعتماد على قيمة التبادل كمبدأ توجيهي ومع ذلك نرفض تقديم الدعم لأولئك الذين يخرجون من الأسواق بسبب المرض أو البطالة. فهو يصف حالة لم نرها بعد.

تفشل الشركات ويتضور العمال جوعًا لعدم وجود آليات لحمايتهم من الحقائق القاسية للسوق. لا يتم دعم المستشفيات بتدابير استثنائية، وبالتالي تصبح مرهقة. الناس يموتون. الهمجية هي في نهاية المطاف دولة غير مستقرة تنتهي بالدمار أو الانتقال إلى أحد أقسام الشبكة الأخرى بعد فترة من الدمار السياسي والاجتماعي.

هل يمكن أن يحدث هذا؟ القلق هو أنه يمكن أن يحدث عن طريق الخطأ أثناء الوباء، أو عن طريق النية بعد ذروة الوباء. الخطأ هو إذا فشلت الحكومة في التدخل بطريقة كبيرة بما يكفي خلال أسوأ جائحة. قد يتم تقديم الدعم للشركات والأسر، ولكن إذا لم يكن ذلك كافيًا لمنع انهيار السوق في مواجهة الأمراض المنتشرة، فستحدث الفوضى. قد تُرسل المستشفيات أموالاً إضافية وأشخاصًا، ولكن إذا لم يكن ذلك كافيًا، فسيتم إبعاد أولئك الذين يحتاجون للعلاج بأعداد كبيرة.

من المحتمل أن تكون هناك إمكانية للتقشف الشديد بعد أن يكون الوباء قد بلغ ذروته، وتسعى الحكومات إلى العودة إلى الوضع "الطبيعي". وقد تم تهديد هذا في ألمانيا . سيكون هذا كارثيا. ليس أقله أن تأجيل تمويل الخدمات الحيوية خلال التقشف قد أثر على قدرة البلدان على الاستجابة لهذا الوباء .سيؤدي الفشل اللاحق للاقتصاد والمجتمع إلى اضطرابات سياسية ومستقرة، مما يؤدي إلى فشل الدولة وانهيار كل من أنظمة رعاية الدولة والمجتمع.

اشتراكية الدولة

تصف اشتراكية الدولة أول مستقبل يمكن أن نراه مع تحول ثقافي يضع نوعًا مختلفًا من القيمة في قلب الاقتصاد. هذا هو المستقبل الذي نصل إليه بتمديد التدابير التي نراها حاليًا في المملكة المتحدة وإسبانيا والدنمارك. المفتاح هنا هو أن تدابير مثل تأميم المستشفيات والمدفوعات للعمال لا تعتبر أدوات لحماية الأسواق، ولكن طريقة لحماية الحياة نفسها. في مثل هذا السيناريو، تتدخل الدولة لحماية أجزاء الاقتصاد الضرورية للحياة: إنتاج الغذاء والطاقة والمأوى على سبيل المثال، حتى لا تخضع الأحكام الأساسية للحياة لأهواء السوق. تقوم الدولة بتأميم المستشفيات، وتوفر السكن مجانًا. وأخيرًا، فإنه يوفر لجميع المواطنين وسيلة للوصول إلى السلع المختلفة - سواء الأساسيات أو أي سلع استهلاكية يمكننا إنتاجها بقوة عاملة مخفضة.

لم يعد المواطنون يعتمدون على أصحاب العمل كوسطاء بينهم وبين المواد الأساسية للحياة. تتم المدفوعات لجميع الأشخاص مباشرةً ولا تتعلق بقيمة الصرف التي ينشئونها. بدلاً من ذلك، فإن المدفوعات هي نفسها للجميع (على أساس أننا نستحق أن نتمكن من العيش، لمجرد أننا على قيد الحياة)، أو أنها تستند إلى فائدة العمل. عمال السوبرماركت، وسائقو التوصيل، ومكدسات المستودعات، والممرضات، والمدرسون، والأطباء هم الرؤساء التنفيذيون الجدد.

من الممكن أن تظهر اشتراكية الدولة كنتيجة لمحاولات رأسمالية الدولة وتأثيرات الوباء المطول. إذا حدث ركود عميق وكان هناك خلل في سلاسل التوريد بحيث لا يمكن إنقاذ الطلب عن طريق نوع السياسات الكينزية القياسية التي نراها الآن (طباعة الأموال، مما يسهل الحصول على القروض وما إلى ذلك)، فقد تتولى الدولة الإنتاج. هناك مخاطر على هذا النهج - يجب أن نكون حذرين لتجنب الاستبداد. ولكن بشكل جيد، قد يكون هذا أفضل أمل لنا ضد تفشي المرض الشديد Covid-19. دولة قوية قادرة على حشد الموارد لحماية الوظائف الأساسية للاقتصاد والمجتمع.

المساعدة المتبادلة

المساعدة المتبادلة هي المستقبل الثاني الذي نعتمد فيه حماية الحياة كمبدأ توجيهي لاقتصادنا. ومع ذلك، في هذا السيناريو، لا تأخذ الدولة دورًا محددًا. وبدلاً من ذلك، يبدأ الأفراد والمجموعات الصغيرة في تنظيم الدعم والرعاية داخل مجتمعاتهم.

الخطر في هذا المستقبل هو أن المجموعات الصغيرة غير قادرة على تعبئة نوع الموارد المطلوبة بسرعة لزيادة فعالية الرعاية الصحية، على سبيل المثال. ولكن يمكن أن تساعد المساعدة المتبادلة على منع انتقال العدوى بشكل أكثر فعالية، من خلال بناء شبكات دعم مجتمعية تحمي قواعد العزل الضعيفة والشرطية. يرى الشكل الأكثر طموحا لهذا المستقبل تنشأ هياكل ديمقراطية جديدة. تجمعات المجتمعات القادرة على تعبئة موارد كبيرة بسرعة نسبية. الأشخاص الذين يجتمعون لتخطيط الاستجابات الإقليمية لوقف انتشار المرض و (إذا كانت لديهم المهارات) لعلاج المرضى.

يمكن أن يظهر هذا النوع من السيناريو من أي من السيناريوهات الأخرى. إنها طريقة ممكنة للخروج من الهمجية أو رأسمالية الدولة، ويمكن أن تدعم اشتراكية الدولة. نحن نعلم أن ردود فعل المجتمع كانت أساسية في معالجة تفشي فيروس إبولا في غرب إفريقيا . ونرى بالفعل جذور هذا المستقبل اليوم في المجموعات التي تنظم حزم الرعاية والدعم المجتمعي . يمكننا أن نرى هذا على أنه فشل في ردود الدول. أو يمكننا أن نراها كاستجابة مجتمعية براغماتية ورحيمة لأزمة تتكشف.

رابعا: هل من سيناريو اعد مسبقا؟

لا توجد دلائل قاطعة على ان هناك سيناريو مسبق اعد للازمة حتى الان رغم الارهاصات والتحذيرات والتلميحات التي توترات من مصادر عديدة فور بروز الازمة. ولكن هناك مؤشرات تدل بثقة كبيرة عن خطوط لإدارة الازمة فور ظهورها وتطورها. لعل اوضحها حتى الان ما يلي:

الجانب الطبي ومنظمة الصحة العالمية: اول مدير عام لمنظمة الصحة العالمية من غير الأطباء واتهامات تسييس الفيروس.

الجانب الاقتصادي ومجموعة العشرين: المجموعة الدولية الوحيدة التي التئم شملها على مستوى القمة مرة وعلى مستوى وزراء المالية ثلاث مرات كان اخرها يوم الأربعاء 15 ابريل حيث قررت مجموعة الـ 20 ضخ 7 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي، وتعليق خدمة الدين، اعتبارا من 1 مايو حتى نهاية العام الجاري، في إجراء لمكافحة فيروس كورونا المستجد.

وقال وزير المالية السعودي إن دول مجموعة العشرين ضخت أكثر من 7 تريليونات دولار في الاقتصاد العالمي، لحماية الوظائف والشركات والاقتصادات.

وأعلن وزراء المال وحكام المصارف المركزية في دول مجموعة العشرين، الأربعاء، موافقتهم على تعليق موقت لخدمة الدين للدول الأشد فقرا لمساعدتهم على مواجهة تداعيات انتشار فيروس كورونا، وذلك في بيان أصدروه بعد اجتماع افتراضي.

الجانب الإعلامي واباطرة العصر الرقمي: الرعب / وتحقيق مكاسب / مشروعية أدوار كانت محل خلاف ومقاومة. مارس اباطرة العصر الرقمي نشر الرعب بشكل ممنهج حول العالم الى الحد الى ان الناس في إيطاليا رفضت الخروج لفتح المحلات بعد السماح بتخفيف القيود على على بعض القطاعات وحققت شركات الاعلام الرقمي والتجارة الرقمية والألعاب الرقمية أرباحا قياسية بينما يخسر الجميع. والأكثر خطورة فقد كسبت مشروعية في معركة الخصوصية وقضايا من قبيل ما نشرته(رويترز) حيث - أعادت محكمة استئناف اتحادية، الخميس، إحياء دعوى قضائية على الصعيد الوطني متهمة Facebook Inc ( FB.O ) بانتهاك حقوق خصوصية المستخدمين من خلال تتبع نشاطهم على الإنترنت حتى بعد خروجهم من موقع وسائل التواصل الاجتماعي. أصبحت هذه الشركات في موقف اقوى بعد الدور الذي يقومون به الان في مواجهة الفيروس.

الجانب السياسي وحكومات العالم: الاغلاق الجزئي – التباعد الاجتماعي – الحجر المنزلي – الحجر الصحي- الاغلاق الكامل – إعادة الفتح الجزئي – استبقاء الفتح الكامل. هي سياسة واحدة سار عليها الجميع وحين شذ عنها بوريس جونسون في بداية الازمة ابعد الى حين بالفيروس ذاته. وعوقب الرئيس البرازيلي بحذف تصريحاته المغايرة للتيار العام من كل الشبكات.

الجانب المالي البنوك المركزية أسواق المال

أطلقت الحكومات والبنوك المركزية في جميع أنحاء العالم العنان لتحفيز مالي ونقدي غير مسبوق وغير ذلك من أشكال الدعم للاقتصادات التي تعصف بها جائحة فيروسات التاجية. وقالت مجموعة العشرين في 26 مارس إنها ستضخ أكثر من 5 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي للحد من خسائر الوظائف والدخل و "تفعل كل ما يلزم" لمعالجة هذا الوباء.

والمحفزات المالية التي أطلقتها الولايات المتحدة الأمريكية وسار الجميع على هديها على التوالي في الإجراءات وعلى التوازي في الزمن: - خفض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة في اجتماعين طارئين في 3 مارس (50 نقطة أساس) و15 مارس (100 نقطة أساس)، مما رفع سعر الأموال الفيدرالية إلى 0-0.25 ٪، وتعهد بمبلغ 700 مليار دولار في شراء الأصول، أو التسهيل الكمي (QE). كما أنه خفض سعر نافذة الخصم بمقدار 150 نقطة أساس. في 23 آذار (مارس)، وعدت بتسهيلات كمية غير محدودة وغير محدودة، بما في ذلك شراء سندات الشركات والبلديات.عمليات السيولة والتمويل - تريليونات الدولارات في اتفاقيات إعادة الشراء، إغراق الأسواق بالنقود؛ مبادلة خطوط مع البنوك المركزية الرئيسية الأخرى لتوفير التمويل بالدولار؛ برنامج لدعم صناديق أسواق المال؛ تخفيف احتياطيات رأس المال المصرفي؛ دعم التمويل للشركات لتقديم قروض تجسير تصل إلى أربع سنوات؛ التمويل للمساعدة في تدفق الائتمان في أسواق الأوراق المالية المدعومة بالأصول؛ كما تخطط لتقديم الائتمان للشركات الصغيرة والمتوسطة. وسع مجلس الاحتياطي الفيدرالي في 31 مارس من قدرة عشرات البنوك المركزية الأجنبية على الوصول إلى الدولار الأمريكي من خلال السماح لها بتبادل حيازات سندات الخزانة الأمريكية للحصول على قروض ليلة واحدة. كان من المتوقع أن يتم تشغيل البرنامج بحلول 6 أبريل ويستمر لمدة ستة أشهر على الأقل. أطلقت الحكومات والبنوك المركزية في جميع أنحاء العالم العنان لتحفيز مالي ونقدي غير مسبوق وغير ذلك من أشكال الدعم للاقتصادات التي تعصف بها جائحة فيروسات التاجية. فماد يعنى تخفيض الفائدة وانهيار الأسهم والسندات والأوراق المالية / والتوسع في الإقراض / وإلغاء بعض الديون / وتخفيض وتأجيل البعض الاخر؟ هل هذه سياسات مواجهة للوباء؟ ام اهداف كان يجب تحقيقها في ظله؟

الخلاصة التنوع داخل شبكة القوة.

العالم بعد كورونا أكثر مرونة وأكثر رصانة وأكثر وحدة

يمكننا استعارة عنوان مقال نشر في موقع صحيفة لوموند الفرنسية بواسطة أودري Garric ، نبيل واكيم و برين Mouterde نشرت 6 أبريل 2020 في 14:01، تحديث في 06:33 جاء فيه تخيل العالم بعد.  كورونا عالم أكثر مرونة وأكثر رصانة ووحدة. عالم قادر على تحمل الصدمات الصحية، وأيضًا الصدمات المناخية، والصدمات الأخرى التي من المحتم أن تتكاثر. لان وباء Covid-19 الذي لا يزال بعيدًا عن الاحتواء. ويمكننا توسيع هذا الوصف ليعبر عن حقائق تتكشف الان في العالم وخصوصا ان صفات المرونة والرصانة والوحدة هي بالضبط صفات الشبكات. التي لا تعرف المركزية وكلما كانت مرنة كانت اقوى ويزيدها التنوع ثراء وقدرة على الاستيعاب والتطور والتصدي للازمات كما انها مهما توسعت تبقى شبكة واحدة وتذيدها الوحدة قوة واتساعا. ونواة هذه الشبكة هي مجموعة العشرين وسيتم التوسع بالالتحاق بها لمن يملك القوة الازمة لذلك لتكوين شبكة قوة كونية واحدة ستكون فوق القومية وفوق الثقافات والاعراق والأديان. وستخلق فكرا جديدا ومؤسسات جديدة واستراتيجيات جديدة وسياسات جديدة وخطط وخطوط قوة جديدة وازمات وصراعات جديدة وهموم ومشكلات مستجدة كهذا الفيروس تماما. عالم قادر على تلبية طموحات اباطرة المال وتقلبات الأسواق وخطوط الامداد والتوزيع وتشوهات العلاقة بين الأقوياء والضعفاء والشمال والجنوب والشرق والغرب والمالك والعامل. ويوظف طاقات الانفوسفير المعرفي ويحقق أكبر العائدات لأباطرة الاعلام الجدد ويخلق مؤسسات كونية أكثر فاعلية في مواجهة التحديات المستجدة. ويعيد النظر في مفهوم الدولة القومية وربما يغير من معناها وبالتأكيد من حدودها وادوارها واشكالها لتناسب عالم ما بعد كورونا.