اعتذار "مدبولي"والدولة الجديدة في مصر!
فى صباح الأربعاء 11 يونيو 2014 وفى اليوم التالى لتنصيبه، فوجئ المسئولون عن مستشفى الحلمية العسكرى بالرئيس السيسى يحمل زهوراً ويقصد غرفة الفتاة التى تعرضت لتحرش تحول بفعل مقاومتها إلى عدوان وحشى عليها، وفى غرفتها صافح أسرتها وقدم اعتذاراً للفتاة ولأسرتها ولكل سيدات مصر.. الرئيس تعهد بمقاومة الظاهرة التى وصفها بأن ظاهرة سلبية تحتاج إلى مواجهة من المجتمع كله خصوصاً الشرطة والقضاء والإعلام!
كانت الزيارة التى تسببت فى ارتياح عام تشى بأن عهداً جديداً يبدأ فى مصر وليس فقط لشخصية الرئيس وسماته الخاصة التى تجعله دائماً تحت رقابة ضمير لا يعرف النوم والتأكيد لذاته أولاً أن المناصب لا تغير قيماً وأن التواضع على رأسها!
وبينما تجرى احتفالات افتتاح مشروع «أسمرات مصر»، الذى ينهى عاراً كبيراً ظل فى بلادنا لسنوات طويلة وهو العشوائيات، فوجئ المصريون، ومعهم العالم كله، بالرئيس السيسى يقدم اعتذاراً للسيدة التى تعرضت للسحل وللتعرية بالمنيا قائلاً:
«لا نقبل الإساءة لسيدة مصرية، كل سيدات مصر لهن منا كل التقدير والاحترام والإعزاز والمحبة، الكلام ده مش مجاملة ليهم، لأنه لا يليق أبداً إن اللى حصل ده يحصل فى مصر ويتكرر مرة تانية»، وأضاف: «إحنا كلنا واحد كلنا مصريين لينا حقوق متساوية وعلينا واجبات متساوية» وقال: أى حد هيغلط مهما كان عدده هيتحاسب بالقانون، أرجو أن السيدة المصرية ما تخدش على خاطرها ولا هى ولا كل سيدات مصر. وبالفعل لقى الاعتذار ارتياحاً كبيراً جداً من السيدة المعتدى عليها وأسرتها وكل أهالى قريتها وكنيسة المنيا وعموم المصريين!
وبينما فعاليات مؤتمر الشباب بأسوان تجرى، وبينما المناقشات فى قاعة المؤتمر فى ذروتها إذ بأحد الشباب يطلب الكلمة متحدثاً عن مشكلات تتعرض لها مصانع شركة «كيما أسوان» العريقة التى تأسست كأحد مفاخر النهضة الصناعية التى جرت فى الستينات التى أعاد لها الرئيس السيسى بهاءها وخصص لها 11 ملياراً من الجنيهات لتجديدها وتوسعتها وزيادة كفاءتها وإنتاجها.. وإذ بالأجواء تتكهرب، واعتقد البعض أن غضباً ضد الشاب من الرئيس أو من بعض المسئولين، ولكن وكما توقعنا، وكنا بالقاعة وقتها وبالقرب مما يجرى، إذ بالرئيس يطمئن الشاب ويشجعه على الاستمرار فى الكلام ويتعهد بحمايته بل وأبدى إعجابه بشجاعته وبحرصه على ممتلكات الوطن، وفجأة يقف الرئيس مقرراً الذهاب إلى الشركة بنفسه!!
انقلب الحال.. فلا بد من إعداد الطريق إلى هناك وبلا أى ترتيبات، يذهب الرئيس إلى حيث الشكوى وفى الطريق يتوقف فى إحدى القرى وتقترب منه عجوز تشتكى بعض حالها وقالت فى صراحة لا تقل عن الشاب إنها قالت للأهالى إنها ستذهب للرئيس وتشتكى له وإنهم قالوا لها إن من سيقترب من مواكب الرؤساء سيتعرض لضرب النار! قبل الرئيس رأسها وطمأنها واعتذر لها عن هذا الكلام وقال: «نحن لا نطلق الرصاص على أحد»، ثم أمر بالحصول على الأوراق التى تؤيد كلامها، ودعا لها ودعت له! وتفاخرت السيدة فيما بعد أمام إحدى القنوات وقالت: الرئيس لم يقتلنى.. بل قبل رأسى.. وطمأننى.. ربنا يجبر بخاطره كما جبر بخاطرى!
بعد الواقعة السابقة بثلاثة أشهر بالتمام والكمال وفى فعاليات مؤتمر الشباب بالإسماعيلية وقفت السيدة شيماء مشالى، من ناشطات العمل السياسى والاجتماعى بشمال سيناء، تحتج على فيلم تسجيلى لم يتضمن بطولات أهالى سيناء كما ينبغى.. توقع البعض أن يحدث جدل تتوه معه الفكرة التى دعت السيدة شيماء لتقول كلامها، إلا أن الرئيس وكما توقعنا أيضاً وكنا بالقاعة يأخذ الكلمة ويقول حرفياً: «حقك علينا دى سقطة كبيرة إننا ما ناخدش بالنا وأرجو أن صوتى يصل إلى أهالى سيناء ما تزعلوش وما نقصدش أبداً» فطيب خاطرها وطيب خاطر كل أهالى سيناء!
لا نروى الوقائع السابقة بالطبع لتسلية القراء، إنما أولاً لأن الذاكرة الوطنية تحتاج إلى منشطات كل فترة.. وثانياً لأن الإعلام الشيطانى الإخوانى متربص على الدوام.. وقادر على الشوشرة والتشويش على أشياء كثيرة، بل وعلى التاريخ نفسه.. فقد نجح الإعلام الشيطانى الإخوانى فى التشويه عند فئات لم تعايش ولم تقرأ ولم تجد مصادر وطنية محترمة تقول لها الحقيقة الدولة التى أسسها أبناء الجيش العظيم فى الخمسينات والستينات واليوم نتذكر ما قاله أحد الشيوخ إنه قرر أن يشتكى أحد ضباط الشرطة فى الستينات لرؤسائه، ففوجئ بأسرته بكاملها تزوره وتعتذر له وتطلب منه عدم الاشتكاء حرصاً على مستقبل ابنها!! ففهمنا على الفور أن حسم الدولة وكافة الأجهزة مع الإخوان فى الستينات كان لحماية الشعب منهم.. وكان للشعب فى أقسام الشرطة معاملة محترمة كان فيها شعار: «الشرطة فى خدمة الشعب» حقيقياً.. واليوم يعيد التاريخ نفسه.. بدولة أسست على قيم.. لا يستنكف رئيسها ولا رئيس وزرائها الاعتذار لأحد.. حتى ما يتعلق منه بأمور غاية فى الحساسية مثل اعتذار الرئيس لأسرة شيماء شهيدة التظاهر وأمره بالتحقيق العاجل وهو ما يستطيعه سيادته ويبقى الباقى من اختصاص القضاء!
اعتذار الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، لأسرة طبيبة الدقهلية التى منعوا دفنها، مقدر ورائع ومحترم.. من رجل رائع ومحترم ومحل تقدير.. يدير ميدانياً أزمة كبيرة واختباراً قاسياً.. ولكنه فى الحقيقة تصرف كاشف بلغة أهل القانون لدولة جديدة فى مصر.. وليس منشئاً لها!