الشهيد أحمد زكى.. صلى الفجر وخرج من شقته فى السابعة صباحاً ورحل وآخر كلماته «بسم الله»

الشهيد أحمد زكى.. صلى الفجر وخرج من شقته فى السابعة صباحاً ورحل وآخر كلماته «بسم الله»
لن تفارق عيناك ملامحه إلا وهى غائمة بالدموع، ستبقى قسماته عالقة بالذاكرة، طيبة ووديعة، سترى فيه وجه أبيك وحنان والدتك، لن تنسى بساطة مصر وعفويتها المتألقة فى بشاشة عينيه ولا أصالة أهلها الساكنة فى نظراته.. إنه العميد أحمد زكى الذى استشهد الأربعاء الماضى فى تفجير استهدف سيارته بأكتوبر، ستتعرف عليه من ملامحه، ستوقن أنها لم تعرف غير الابتسامة والمرح، صاحبها لا يعرف سوى كلمة حاضر.. تحت أمرك.. لا يبدو مقيداً بجهامة مسئول كبير فى وزارة الداخلية، علامة الصلاة فى وجهه تشع نوراً.[FirstQuote]
وماذا أيضاً..
ستجد اسمه معروفاً لدى أهالى المنطقة التى يقيم بها، لا يتذكرون له سوى كلمات تدل على طبيعة تلك الشخصية «ده كان راجل طيب، جدع، بيحب الخير لكل الناس، عمره ما زعل حد، ده عايش فى شقة بالإيجار بـ500 جنيه فى الشهر».. وكأن للشهداء طريقهم.. هكذا اختتم الرجل حياته.. أدى صلاة الفجر يوم الأربعاء الماضى، عاد إلى شقته مرة أخرى، ارتدى ملابسه «المدنية» وودع زوجته وأبناءه، ونزل من الشقة حوالى الساعة السابعة وعشر دقائق صباحاً، بعد أن اتصل به سائقه وقال له إنه حضر بالسيارة من معسكر عمر بن الخطاب.[SecondQuote]
وصل زكى إلى السيارة، لم يجد سائقه ولا أمين الشرطة المكلف بحراسته، انتظر دقيقتين حتى حضر الاثنان (السائق والحارس) وأخبراه بأنهما كانا يقومان بشراء سجائر.
لم يعقب الرجل، وهز رأسه: «بسم الله الرحمن الرحيم»، وفتح باب السيارة وجلس على كرسيه، 10 أمتار وانفجرت السيارة، الانفجار أسفر عن بتر قدم زكى وسالت دماؤه فى المكان، وتبعثرت أشلاؤه.. وبسرعة توالت الأحداث فى لمح البصر.[ThirdQuote]
أهالى المنطقة وجيرانه يهرولون إلى صوت الانفجار، يعثرون على الشهيد غارقاً فى دمائه، سيارة تاكسى تقف بجوار الحادث والأهالى يسرعون فى نقل الضحية إلى مستشفى أكتوبر، رفض المستشفى استلام المجنى عليه بحجة «أنه مفيش مكان، وأن جثته ممزقة وغير موجودة».
شاب ينطلق إلى مكان الحادث ويعثر على قدم الضحية أسفل سيارته التى تم تفخيخها، ويسرع بها إلى المستشفى ولكن أسرة الضحية أخذته وتوجهت إلى مستشفى الشرطة بالعجوزة وأثناء سيره على طريق المحور نطق زكى الشهادة ولفظ أنفاسه الأخيرة.
صرخات أسرته لا تنتهى.
مشهد الحزن والحسرة يسود شارع الأخبار بالمجاورة السادسة بالحى السادس على فقدان الشهيد، مكان الجريمة لا تجد فيه سوى آثار بارود وبنزين على الأرض وأيضا «حذاء.. وقطعة قماش من ملابسه تمزقت إثر الانفجار».
أهالى المنطقة وجيران الشهيد يرددون عبارات «ده كان طيب وجدع و25 سنة ساكن معانا عمره ما زعل حد»، الجيران وأهالى المنطقة يقولون إن الشهيد ساكن فى شقة بالإيجار غرفتين بـ500 جنيه.
مشهد الحزن والحسرة ممتد فى كل الأماكن التى عمل بها هناك فى الإدارة التى كان يعمل بها الشهيد «العميد أحمد زكى» الذى التحق بالخدمة فى معسكر قوات الأمن المركزى بالجيزة، فى 16 سبتمبر 1984، اجتهد فى عمله منذ أن التحق بكلية الشرطة وتدرج فى الترقيات من رتبة ملازم أول 16 سبتمبر 1985 ثم رتبة نقيب 1988 ثم رتبة رائد 1994 ثم رتبة مقدم عام 2001 ورتبة عقيد عام 2007 ثم رتبة عميد عام 2012 وانتهت حياته وهو برتبة عميد وفى منصب مدير إدارة شئون الخدمات بالأمن المركزى هكذا قال اللواء مصطفى رجائى، مدير الإدارة لقطاع الأمن المركزى بالجيزة، ويكمل «أحمد كان محبوب من الناس كلها.. عشان كده ربنا اختاره أنه يكون شهيد، مفيش عسكرى ولا ضابط بيكرهه، اسأل زمايله عنه، المجندين اللى بيشتغلوا معاه، الضباط، الأفراد.. كان ضابط شاطر جداً، التحق بقطاع الأمن المركزى وعمل قائد سرية «5» بمركز تدريب الجيزة، ثم قائد سرية «3» ومشرف على فرقة مساعد معلم تدريب عسكرى بالمركز، وتولى بعد ذلك منصب قائد التدريب بالمركز، ثم مشرف على مندوبى الشرطة لتلقى دورة فى مجال التدريب العسكرى ومكافحة الإرهاب الدولى، وأشرف بعد ذلك على دفعة طلبة معهد أمناء الشرطة الدفعة رقم «28»، وتولى بعد ذلك الإشراف على تدريب 1250 أمين شرطة من الإدارة العامة لشرطة السياحة وقائد مركز تدريب الجيزة، ثم قائد الكتيبة الرابعة بقطاع خالد بن الوليد، وتولى بعد ذلك قائد ثان بقطاع البحر الأحمر ثم قائد ثان لقطاع الأقصر وقائد قطاع عمر بن الخطاب حتى تولى منصبه مدير إدارة شئون الخدمة بقطاع الإدارة العامة لقوات الأمن المركزى».
فى مقر عمله بمعسكر عمر بن الخطاب لا تجد سوى سيرته الطيبة داخل المكان مع القيادات والمجندين الذين لم يشعروا بأى تمييز لنجله الضابط محمود أحمد زكى الذى يعمل معه فى نفس الإدارة، حيث كان يعامله بكل حسم مثله مثل أى ضابط أو مجند آخر دون تفرقة.
«أسد المعسكر» رحل الشهيد زكى تاركاً هذا اللقب الذى حمله لسنوات طويلة على ألسنة الضباط والأفراد، وهو اللقب الذى استحقه عن جدارة لإقدامه وشجاعته فى الاقتحام، حيث كان يتقدم جميع الضباط والمجندين، يتصدى بكل قوته للخارجين على القانون، خاصة فى مأموريات مهاجمة بؤر الإرهاب والتى كان آخرها أحداث جامعة القاهرة التى اندلعت قبل أسبوعين، وقتل فيها طالب على يد الجماعة الإرهابية، حيث كان هو أول ضابط يدخل الحرم الجامعى لفض الاشتباكات والسيطرة على أحداث الشغب، بعد موافقة إدارة الجامعة على دخول الشرطة.
وبنفس الهمة شارك الرجل فى التصدى لمظاهرات الإخوان عقب أحداث ثورة 30 يونيو فى نطاق محافظة الجيزة، وألقى القبض على العديد من الإرهابيين فى الجيزة وهو ما وضعه على قوائم الاغتيالات.