هكذا استعد «السيسى» لـ«كورونا» قبل ٦ سنوات!
نعم عند الرئيس نزعات تدين وربما تصوف، لكن هل اكتفى بهما لمواجهة مشكلات مصر؟ هل اكتفى الرئيس والذين معه بالدعاء والابتهال إلى الله لحل مشكلات مصر؟ أم أن فى الأمر علماً وتخطيطاً وإجراءات وجهوداً كبيرة آن الأوان ليعرفها الناس حتى لو بتبسيط شديد؟ نعم الأمر علم وتخطيط وإجراءات وجهود كبيرة.. لا يمكن اختصار الأمر فى تعويم العملة ولا حتى الانضباط فى أداء الجهاز المصرفى كله.. إنما ببساطة نقول إنه منذ اللحظة الأولى من حكم الرئيس السيسى كانت الإشارات فى كل اتجاه.. مشروع كبير وتاريخى لشق قناة سويس جديدة كان أول أهدافها على الإطلاق استنهاض همة المصريين وإعادة ثقتهم فى أنفسهم وأنهم قادرون على الفعل والإنجاز بعد سنوات طويلة من «الاستقرار» الذى كان يعنى فى عهد سابق «بقاء الأحوال على ما هى عليه» أى يشرب المصريون ويأكلون كأى كائنات أخرى لكن لا تقدم ولا انطلاق ولا وصول إلى مصاف الدول الأخرى!
كانت الإشارة الثانية من الرئيس رغبته فى أن يكون المشروع مصرياً خالصاً.. نعم الأشقاء العرب أبدوا استعدادهم الطيب للمشاركة فى المشروع لكن كانت الرغبة الرئاسية أن يكون المشروع بأموال وخبرات وأيدٍ مصرية، ومع الثقة فيما يجرى والاستشعار الشعبى المبكر أن الأمر فى مصر أصبح مختلفاً قدم المصريون أموالهم على عَجل للرئيس فكان المشروع الذى لقى هجوماً عنيفاً ومكثفاً فى محاولة لمنعه ووقفه بأى طريقة.. فكان أن نجح.. وكان أن واجه هبوطاً كبيراً فى معدل التجارة الدولية وانخفاضاً فى أسعار النفط من شأنه أن يشجع السفن لأن تذهب إلى طريق رأس الرجاء الصالح لانخفاض تكلفة الوقود ومع ذلك كانت إيرادات القناة فى 2019 هى 5.9 مليار دولار بعد أن كانت فى 2018 هى 5.6 مليار دولار وكانت فى 2017 هى 5.3 مليار دولار أى فى صعود مستمر والحمد لله!
مجموعات القوانين والتشريعات التى تمت لم تتم صدفة أو بضربات الحظ، بل قراءة سريعة فى عائدات المؤسسة التى تشكل المصدر الأول من موارد الدولة والتى تتشكل منها الموازنة العامة وهى الضرائب، ستكشف الكثير والكثير. فمصلحة الضرائب كانت عائداتها فى العام المالى 2015-2016 هى 350 مليار جنيه، فى العام الذى يليه 2016-2017 كانت 409 مليارات، وبلغت فى العام التالى 2017-2018، 566 مليار جنيه، ووصلت فى العام الماضى إلى 660 ملياراً!
قفزات هائلة بين عام وعام، مرة 94 ملياراً ومرة أخرى أكثر من 150 ملياراً حتى تضاعف العائد فى أقل من ثلاثة أعوام! فماذا فعل الرئيس؟ ببساطة بخلاف تغيير التشريعات والإجراءات والاجتماعات المستمرة لمناقشة العمل فى المصلحة وكيفية الارتقاء بأدائها وعوائدها أطلق الرئيس يد الرقابة الإدارية فى مراقبة أداء المصلحة كما فعل مع إطلاق يدها ضد كل صور الفساد والإهمال فى مصر.. والكثيرون يعرفون كم ضربة قاصمة وجهتها الرقابة الإدارية لبؤر الفساد داخل الضرائب وكم بؤرة أخرى لمحت ذلك وآثرت السلامة وتسبب الردع بالعقاب الحاسم مع المفسدين فى وقف نهب منظم للمال العام ظل ينزف لسنوات طويلة!
ما جرى مع الضرائب جرى مع الجمارك، فربما لا يصدق الكثيرون أن ميكنة المصلحة بأجهزة الأشعة ساهم فى رفع عائدها بما يقرب من 453 مليون جنيه بعد ضبط مثلاً 1333 محاولة تهريب جمركى ليصل عائد الجمارك العام الماضى إلى 45.3 مليار جنيه، والمستهدف للعام الحالى هو أكثر من 51 ملياراً!
أما إطلاق يد الرقابة الإدارية أيضاً فى متابعة الفساد والإهمال فى الجمارك المصرية فحدث عنه ولا حرج.. ليس فقط فى وقف التهريب ومنع ومطارة الفاسدين والمهربين والقبض على لصوص كبار كثيرين بعد معرفة قصصهم ومتابعة أخبارهم، وإنما أيضاً منع دخول سلع ضارة بصحة المواطنين من أغذية ومستحضرات تجميل وشحنات قمح وغيرها بل وأيضاً منع دخول معدات خطرة على الأمن القومى وأمن شعبنا من طائرات تجسس صغيرة وكاميرات وأجهزة تصوير وتسجيل واتصال وغيرها وغيرها!
المثالان السابقان طُبقا فى كل قطاعات مصر.. فمثلاً.. أعمال الطرق المصرية ربما تكون تكلفة إنشاء الكيلومتر الواحد ارتفع بسبب ارتفاع المكونات والأجور، لكن ما تم وقفه من تسرب ونهب وعمولات وغش وفَّر الكثير والكثير فاستفاد شعبنا بطرق أفضل وقياسية وبتكلفة أقل أو على الأقل بتكلفة ثابتة!
فى بناء المرافق العامة كان الأمر نفسه.. مشروعات الصرف الصحى تتسلمها الدولة على أسس قياسية وبأسعار منضبطة لا نهب فيها ولا سرقة ولا عمولات ولا رشاوى.. وإن تم ذلك يجرى ضبطه.. فالفساد لن يتوقف.. هكذا طبيعة البشر.. لكنه رغم خطورته يواجه بمنتهى القوة فضلاً عن أنه عاد كما كان قبل نصف قرن «استثناء وليس أصلاً».
وما يجرى فى مرافق الإسكان كالصرف الصحى والمدن الجديدة ومياه الشرب يجرى فى تسلم الدولة لمستشفياتها الجديدة ومدارسها الجديدة وهكذا فى كل ما تبنيه الدولة!
الخلاصة: أن يوفر الرئيس مائة مليار جنيه فجأة مع إنفاق باهظ فى كل الاتجاهات مع تحمل انخفاض إيرادات الدولة بسبب تيسيرات عديدة قدمتها لأصحاب الأعمال ولباقى الفئات مع صرف مستحقات أصحاب المعاشات وزيادتها مع استمرار كل الالتزامات الأخرى من علاوات وغيرها فضلاً عن الأداء الجيد لعدد من المؤسسات كالقطاع الطبى بخلاف القوات المسلحة والشرطة، مع اكتشاف قدرات الدولة على توفير احتياطى استراتيجى للسلع الأساسية خلق استقراراً كبيراً فى الشارع المصرى.. وكل ذلك لم يتم صدفة.. إنما تم بإعادة هيكلة الدولة المصرية.. سبقتها رؤية.. وتلتها إرادة.. مكنتها من القدرة على مواجهة أى طارئ.. وكل طارئ.. وقد كان!