"تعظيم سلام".. من الشعب إلى أطباء مصر الذين وقفوا فى مواجهة فيروس كورونا

كتب: سحر عزازى

"تعظيم سلام".. من الشعب إلى أطباء مصر الذين وقفوا فى مواجهة فيروس كورونا

"تعظيم سلام".. من الشعب إلى أطباء مصر الذين وقفوا فى مواجهة فيروس كورونا

هم خط الدفاع الأول فى مواجهة كورونا، ذلك الفيروس اللعين الذى اخترق قلب الوطن منذ عدة أسابيع، يتصدون له بكل قوة وشجاعة، يؤنسون وحدة المرضى فى حجرات العزل الصحى، يهونون عليهم محنتهم بالدعم النفسى، ويخففون آلامهم بالعلاج والخدمة الطبية المتميزة، يسهرون بالساعات دون شكوى، ويغيبون عن الأهل والأحباب بالأيام بل الأسابيع، فى سبيل خدمة الوطن حتى لقبهم الشعب بـ«جيش مصر الأبيض».. هم أطباء مصر الأوفياء الذين بادروا بالتطوع والتفرغ لعلاج الحالات المصابة بالفيروس حتى تمر تلك الفترة الحرجة بسلام وتعود الحياة لمجاريها.

"رضا": هنرجع "مجبورين"

مسئولة عن 74 ممرضة داخل أحد مستشفيات الحجر الصحى، تحمسهن وتهون عليهن مشقة المهمة، تدعمهن بكل ما أوتيت من قوة حتى لا ينسحبن خوفاً على أنفسهن وذويهن، نجحت رضا محمد، مفتش فى الخدمات التمريضية التابعة لأمانة المراكز الطبية المتخصّصة، فى تجهيز 7 أقسام داخل مستشفى إسنا لاستقبال حالات الإصابة بفيروس كورونا، حيث كانت أول الحاضرين لتجهيز المستشفى يوم 6 مارس الحالى.

ذهبت من القاهرة إلى الأقصر، وأعدت خطة محكمة لتجهيز المستشفى للحجر، بمساعدة المجموعة الأولى من التمريض، من خلال توفير المستلزمات الطبية الكافية وتدريب الفريق على كيفية التعامل مع المرضى وفرش الأقسام: «كل ده على أساس إنى باجهز وهارجع القاهرة، المدير طلب منى أقعد، رحّبت جداً، ولسه موجودة لحد النهارده ومكمّلة للمرحلة التانية والتالتة».

"بركات": الناس بينادونى بـ"الجيش الأبيض"

غادر فريق الأطباء وبقيت هى تواصل مهمتها الإنسانية، رغم خوف أسرتها عليها، لكنها تعشق عملها وتبذل قصارى جهدها لمحاربة هذا الفيروس، مؤكدة أنها لن تعود إلا بعد الاطمئنان بأنه لا توجد حالات أخرى للعلاج.

«محدش فينا بعيد عن العدوى»، قالها الدكتور محمود بركات، طبيب كبد وجهاز هضمى بمستشفى جامعة المنصورة، مؤكداً أنهم يستقبلون العديد من المرضى على مدار اليوم، يتعاملون معهم بشكل مباشر، يأخذون احتياطاتهم اللازمة للحفاظ على سلامتهم ولكن لا مفر أحياناً: «إجراءات الحكومة كويسة وقرارات الوزارة مع الحظر هتقلل ظهور حالات جديدة وكلنا مستعدين نخدم البلد». يحكى أن هناك ضغطاً عليهم كأطباء فى ظل قلة أعدادهم، نظراً لسفر العديد منهم خارج البلاد، يحاول مضاعفة جهده حتى يسد حاجة العجز قدر استطاعته، يتحمل أعباء على مدار اليوم ويتعامل مع عدد كبير من مرضى الأورام والكبد، لافتاً إلى أنه مُعرّض للإصابة بأى فيروس يحمله المريض بعيداً عن كورونا المستجد.

كان «بركات» يواجه صعوبة فى طريقة تعامل المرضى وذويهم معه، من سوء معاملة قد تصل للتعدى بالأيدى، يذكر أنه فى بداية مشواره كطبيب تعرّض للعديد من المواقف منها هجوم أهل مريض على المستشفى بعد وفاته، اعتقاداً منهم أنه توفى نتيجة الإهمال فى العلاج والرعاية، لافتاً إلى أن المعاملة الآن تغيرت تماماً وأصبح الناس ينادونه داخل وخارج المستشفى بـ«جيش مصر الأبيض» مع الثناء عليهم والإشادة بدورهم.

"هشام": والدى لما عرف قال لى تعالى.. قلت له "أنا في مهمة إنسانية"

 بين الرهبة والخوف، استقبل الدكتور هشام خالد، إخصائى طوارئ، أول المصابين بفيروس كورونا فى الحجر الصحى فى إسنا، مشاعر متضاربة سكنت روحه لأول مرة، تغلب عليها سريعاً بحماسه لأداء تلك المهمة الإنسانية، بمعاونة فريق من الأطباء والممرضين، كانوا على أتم الاستعداد لاستقبال الحالات المصابة، أخفوا الخبر عن عائلاتهم حتى لا يثير قلقهم وفزعهم: «ضربات قلبنا كانت سريعة لأننا ما نعرفش اللى هنواجهه، أول مرة نتعامل مع حالات بالشكل ده».

بدأت الحالات تزداد تدريجياً معظمهم أجانب من إيطاليا وفرنسا وأمريكا وألمانيا وغيرهم، بجانب عدد من المصريين، كانت البداية مع فحصهم جميعاً والتعرف على تاريخهم المرضى ثم دخولهم للعناية وبدء رحلة العلاج: «الفريق كله بدأ يدوّر فى الأبحاث العملية اللى صدرت عن المرض وحطينا خطة للعلاج قبل ما بروتوكول الوزارة ينزل». يشيد بدور زملائه وطاقم التمريض الذى كان يسهر بالـ12 ساعة كاملة أمام غرف المرضى، مؤكداً أن هذا النجاح جاء بتوفيق من الله: «إحنا كفريق كان بيننا روح حلوة وفضلنا نقرا ونعمل سيرش كتير عشان نشوف العلاج المناسب مع الحالات، والوزارة وفرت لنا كل الإمكانيات واللبس والخدمة اللازمة».

تجربة لن ينساها صاحب الـ30 عاماً، يشعر بارتياح نفسى ولا يعكر صفوه سوى القلق على عائلته وبخاصة والديه رغم إجرائه التحليل والاطمئنان بأن نتيجته سلبية: «كلنا عندنا وسواس قهرى بنسب متفاوتة وأنا كل خوفى على أبويا وأمى بس»، يحكى أن والده حين علم بالصدفة خبر وجوده فى الحجر طلب منه العودة فوراً لكنه رفض: «قلت له أنا فى مهمة وطنية دلوقتى ماينفعش أنزل».

"آلاء": خبّيت عن والدتى عملى فى الحجر.. كأنى فى مهمة وطنية

أخفت الدكتورة آلاء إسلام، عن والدتها تطوعها فى مستشفى الحجر الصحى بأسوان، أخبرتها بأنها تباشر عملها كطبيبة مقيمة هناك بعيداً عن الحالات المصابة بـ«كورونا»، حتى لا ينشغل بالها عليها، اكتفت بإخبار شقيقها الأكبر بأنها تطوّعت لعلاج المصابين بالفيروس، لتكون الطبيبة الوحيدة بين الأطباء الموجودين فى العزل الصحى.

تحكى «آلاء» أنها اتخذت القرار سريعاً ووجدت أنه فرصة لن تعوض رغم مخاطرها، استعدت للمهمة الاستثنائية وارتدت الملابس الخاصة بالعزل، التى وفرتها وزارة الصحة: «أنا أصلاً من الإسكندرية، وتعيينى جه فى أسوان، وبعد تحويل المستشفى لحجر صحى، اتحمّست للمشاركة فى إسعاف المصابين، باتعامل معاهم بشكل مباشر، لعمل التحاليل والأشعة طبقاً لتخصصى، لكن فى البداية ماقدرتش أقول لأمى علشان ماتقلقش عليا».

بعد عودتها من الحجر، أخبرت «آلاء» والدتها، وحدث ما توقعته: «اتخضّت لما عرفت، وواحدة واحدة طمنتها علىّ، إحنا الحمد لله ماعندناش إصابات بين الفريق الطبى، وكلهم رجعوا بيوتهم سالمين، رافعين راسهم لفوق».

أجرت «آلاء» اختبار الفيروس قبل العودة إلى بيتها: «الحمد لله النتيجة سلبية، كلنا كنا واخدين احتياطاتنا مع المرضى».

بدأت رحلتها داخل مستشفى العزل يوم الجمعة 13 مارس الحالى، استقبلوا أول حالة فى الثانية صباح يوم 14 من الشهر: «خضعنا لتدريب قبل ما نستقبل الحالات، وإزاى نحمى نفسنا، وطريقة اللبس الصح، كل الفريق بذل مجهود جبار، والمكان كان بيتعقم باستمرار، وأخدنا كل احتياطاتنا والخطة العلاجية بتاعتنا نجحت، إحنا كنا فى مهمة إنسانية ووطنية».

"شريف": قفلت تليفونى يومين.. وسلمت أمرى لله

ظلت تعمل على مدار 48 ساعة متواصلة فى يومها الأول دون شكوى، تمارس عملها بحب وحماس، متمنية الشفاء للجميع حتى استجاب الله لهم، وكلل تعبهم بالنجاح.كان موجوداً قبل شهر فى مستشفى إسنا التخصصى، يباشر عمله كرئيس لوحدة العناية المركزة، جاءتهم أنباء عن تحويل المكان بأكمله لحجر صحى لاستقبال عدد من المصابين بفيروس كورونا، كان الدكتور شريف موسى أول الموافقين على البقاء لعلاج الحالات بين 7 أطباء وطبيبة واحدة من أصل 179 طبيباً وإدارياً داخل المستشفى: «جالنا تعليمات إن المكان هيتحول لعزل دلوقتى، وهنبدأ إجراءات دخول العيانين».

مشاعر متضاربة مغلفة بالخوف والحذر يتخللها حديث الأهل الذين يطالبهم بالعودة سريعاً خوفاً عليهم من العدوى، قرروا جميعاً غلق هواتفهم فى أول يومين حتى لا يتأثروا بتلك العبارات المحملة بالمحبة من الأهل والأبناء: «مراتى فضلت تكلمنى وتعيط وعايزانى أسافر، وكل زمايلى اللى معايا أهلهم فضلوا يكلموهم، طب لو مشينا وسبنا الحالات دى مين هيعالجها؟!».

اختار «شريف» أن يؤدى مهمته الإنسانية بنجاح، بدأ فى استقبال 75 حالة من بينهم 45 أجنبياً، من إيطاليين وألمان وأمريكان وغيرهم، خضعوا جميعاً لبروتوكول علاج وخطة كانت نتاج بحث وقراءات استخلصوا منها الملائم للبيئة المصرية: «بعد ما تعافوا بعتوا لنا جوابات شكر والقنصلية الإيطالية شكرتنا، وخرج الـ42 شخص على بيتهم متعافين تماماً»، فرحة الانتصار أنستهم تعب الأسبوع الأول والسهر حتى الصباح والعمل المتواصل دون راحة: «المشكلة إن عددنا كان قليل ومعانا 60 ممرضة بس حاولنا بأقل الإمكانيات المتاحة مانقصّرش».

يحكى «شريف» أن المصريين جميعهم تعافوا وجاء أهاليهم لاستقبالهم بالفرح والامتنان وعبارات الشكر التى انهالت عليهم كالمطر، لحظات لا يمكن أن ينساها الفريق الطبى: «رغم إن الوضع كان صعب ومرهق، بس كفاية علينا فرحة الناس ودعمهم المعنوى لينا وتقديرهم لجهدنا».

لم تكن الصعاب مقتصرة على العلاج فقط، بل التعامل مع المرضى الأجانب الذين لا يتحدثون العربية ولا الإنجليزية، مما دفعهم للاستعانة ببرامج ترجمة فورية للتواصل معهم بشكل جيد: «التجربة كانت صعبة ومش ممكن ننساها لكن أنا فخور بعملى كطبيب».


مواضيع متعلقة