ثلاثي أضواء الـ"face book".. صدَّروا البهجة للملايين فتحولت حياتهم لجحيم

ثلاثي أضواء الـ"face book".. صدَّروا البهجة للملايين فتحولت حياتهم لجحيم
من منا ليس من مستخدمي "الفيس بوك".. ومن منا لم يستفد من هذا العالم الافتراضي سواء في العمل أو قضاء وقت فراغ أو بناء علاقات اجتماعية عجز عن وصالها على أرض الواقع، وكم منا يدخل يوميًا موقع التواصل الاجتماعي للتنفيس عن نفسه وأوضاعه ليعرف آخر صيحات "الألش" على كافة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
لكن هل فكرت يومًا في هوية تلك الشخصيات أو الأبطال التي تُشير "كوميكساتها" يوميًا بـ"الفيس بوك" بغرض السُخرية، وهل فكرت في أوضاعهم ومُعاناتهم وأنت تستلقي على ظهرك من شدة الضحك، وهل لمرة واحدة فكرت في حُرمة حياتهم الشخصية وظروفهم العائلية والأسرية من جراء تسريب مكالمات تليفونية لهم بغرض التندر والإضحاك.
قطعًا لم تفكر يومًا في حرمة الحياة الخاصة لمن أصبحوا نجوم هذا العالم الافتراضي الذي يحيا ويتفاعل فيه الملايين كل وقت وحيّن، المشاهير الذين نتحدث عنهم هنا ليسوا هؤلاء النجوم أصحاب البرامج الفكاهية أو أفلام الكوميديا السينمائية أو نجوم المسرح، بل هم نجوم صنعتهم الصدفة أو القدر.
ويعرف مستخدموا موقع التواصل الاجتماعي وهم كُثر دون غيرهم مصطلحات وكلمات بل جمل وتعبيرات وفي بعض الأحيان صورًا لهؤلاء المشاهير أينما وضعتها بأي "كوميكس" تُصبح ساخرة ضاحكة تتلقى آلاف من الـ"like" في دقائق، وتصير ضيفًا على كل صفحة شخصية من خلال عمليات الـ"Shaire" لتصبح عامل إضحاك وتنفيس عن أوضاعنا الصعبة.
هم مواطنون عاديون بُسطاء أشهرهم سيد أحمد محمد السيد غنيم الشهير بـ"أحمد التباع"من سيدي بشر بمحافظة الإسكندرية يعمل تباع ويقيم الآن بـ"البيطاش"، والثاني سيد يعمل سائق من سكان بهتيم التابعة لحي شبرا الخيمة بمحافظة الدقهلية، أما الثالث فهو الأسطورة "صدام" من محافظة الدقهلية والمشهور بـ"مجنون شيبة" يعمل صنايعي على "منشار"، ثلاثتهم يطلقون عليهم ثُلاثي أضواء الـ"الفيس بوك" على غرار "ثُلاثي أضواء المسرح".
وبسبب تلقائيتهم في الحديث والتعبير عن المشاعر قالوا كلمات أصبحت فيما بعد أشهر من مقولات خالدة لزعماء سياسيين رحلوا منذ عقود، وصكوا كلمات من فرط تلقائيتها وبساطتها وصدقها صارت تصلح لكل موقف وأصبحت على لسان الملايين، فما هي حكايتهم وظروفهم بعد الشهرة، وكيف ينظرون إلى مستخدمي "الفيس بوك"، وهل هم فعلاً من مستخدمي "الفيس" ولهم حساب شخصي لكل منهم أم أنهم لا يعرفون عنه شيء.
في البداية عملية الوصول لهؤلاء الأشخاص كانت صعبة للغاية فأنت كمن تبحث عن إبرة في جبل من الكُثبان الرملية، لم يكن لدينا قدر من المعلومات كافية للوصول بسهولة إليهم فكل ما هو متوفر لديك إما تسجيل صوتي أو فيديو تم نشره في موقع إخباري لمواطن من 80 مليون مصري.. "الوطن" توصلت إليهم .
{1} سيد صاحب المقولة والكوميكس الشهير "بقولك أيام سودة" والتي قالها عندما سأله محرر صحفي في تسجيل فيديو "ما رأيك في حركة تمرد؟ وهل تنتوي التمرد في 30/6؟".. يقول سيد: "كنت خارجاً لتوي من القسم بعد أن ألقى القبض عليّ ضابط شرطة تعسفيًا وهددني بأنه سوف يحرر لي محضرًا بعد التعدي عليَّ بالضرب، وعندما خرج من القسم وجد سيارته بها عطل وأوضاعه المادية الصعبة لا تحتمل عطل السيارة بالإضافة لأعباءه المالية الأخرى فزوجته هي الأخرى بالمستشفى".. ثم جاء له مصور الفيديو وسأله: هل تنتوي التمرد؟ فما كان منه إلا أن رد على السؤال بكل تلقائية بقوله: "أتمرد أيه.. بقولك أيام سودة".
ويضيف سيد أنه فوجئ بشهرته وأن الكثير من المارة والجيران وناس بالشارع يسلمون عليه ويطلبون منه التقاط الصور بجواره، الأمر الذي أسعده ــ على حد قوله ــ ويتابع سيد:" بس انا مش عارف ليه عملوا كده معايا على "الفيس بوك"، وأضاف ساخراً: "أنا من كثرة الشهرة أفكر بالترشح لعضوية مجلس الشعب".. وأنهى كلامه معنا بقوله: بقلك أيام سودة.
{2} الشخصية الثانية وهو نجم الشباب والأسطورة، حسب وصف الشباب له على موقع "الفيس بوك"، والذي أصبح له الآلاف من المعجبين تجمعهم رابطة وصفحة "ألترس أحمد التباع"، هم لا يعرفون عنه سوى اسمه وأنه يُحب مطلقة تدعى "هبة" من الإسكندرية، تم تسريب مكالمة هاتفية تمت بينهم قبل ثورة25 يناير، دار خلال المكالمة حوار جنسي استخدم فيه أحمد التباع مصطلحات غريبة، من غرابتها صارت مجال للسخرية تلقفتها صفحات سياسية إبان ثورة يناير للسخرية من رموز نظام مبارك، ومن بعده "العسكر" و"الإخوان" و"السيسي" ولم يسلم من السخرية لاعبوا الكرة المصريين والمدربين المصريين.
وصلنا إليه وإلى مكانه، هو أحمد غنيم محمد محمد عبدالرؤف من سكان سيدي بشر بالإسكندرية، المؤسف في الأمرأنه وحسب شهادة جيرانه ومن يجلسون معه من المقربين منه ما زال يعاني بشدة من تبعات تسريب مكالمته مع "هبة" منذ 3 سنوات، فالرجل الذي يقترب من الخمسين عامًا وبسبب الشهرة التي اكتسبها تجري الأطفال ورائه بالشارع ليعايرونه قائلين: يا بتاع هبة!، الأمر الذي جعله يغير محل إقامته من سيدي بشر إلي "البيطاش" تاركًا والدته بالبيت في سيدي بشر ويقوم بالتردد عليها من وقت لآخر.
من جانبهم أقدم عدد من الشباب والجروبات إلى الإحتفال بعيد ميلاده الذي يوافق 27 فبراير المنصرم، وقرروا الذهاب له والجلوس معه للتخفيف عنه والوقوف بجانبه، "التباع" ليس من مستخدمي "الفيس بوك" وربما لا يعرف عنه سوى اسمه.. لكن وبسبب تسريب لمكالمة قيل أنه مقلب من صديق له ــ على "الشبكة العنكبوتية" ــ كانت مصدر للسخرية ومادة للضحك لمدة ثلاث سنوات، لكن المؤسف أنه في الوقت الذي كان الآلاف يضحكون ويسخرون كان "التباع" يلاقي المضايقات من الأطفال والبلطجية حتى ترك بيته ومنطقته التي يعيش فيها على إثرالمضايقات التي يلقاها ــ حسب قولهم ــ لنا.
{3} أما الشخصية الثالثة فهو "أبوصدام" من المنصورة محافظة الدقهلية، والشهير بـ"مجنون شيبة" يعمل صنايعي على "منشار" بمصنع مواسير، تبدأ حكايته عندما صعد إلى منصة فرح شعبي كان يحييه المطرب الشعبي أحمد شيبه، صعد صدام وأخذ يمعن النظر في "شيبه" وهو يغني وكأنه يتأمل ورقة بردية فرعونية قديمة ما أثار موجة ضحك هستيري بين المعازيم، فأخذ من يده "المايك" وبكل حماس قال له: "عليَّ الطلاق أنت نجم ميه الميه الميه الميه، يارجل دا المنشار ما بيشتغلش إلا على صوتك "، تلقفها النشطاء وأسقطوها على كل حدث سياسي وعلى معظم القيادات السياسية مثل الرئيس عدلي منصور والمشير عبدالفتاح السيسي وعدد من السياسيين المُثيرين للجدل.
ثم استكمل "شيبة" الغناء بينما "صدام" ما زال يلف حوله على المسرح حتى أخذ الميك مرة ثانية وهنا قال: "يا أخي عليَّ الطلاق أسيادنا راضيين عليك"، واستدار للمعازيم: "صقفة لأسيادنا يا رجااااالة" هنا عمت حالة من الضحك الهستيري انتابت الجميع بما فيهم شيبة.
لم يكن يدري أو يتخيل "صدام" بأن ما قام به على المسرح سوف يشاهده أكثر من مليون شخص على موقع التواصل الاجتماعي "اليوتيوب"، وأن صورته سوف تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم، ولم يخطر بباله أيضًا أنه سيكون في خلال شهر أشهر من ممثلون ظلوا لسنوات حتى بذغ نجمهم.. بينما هو في غضون فترة قلية كانت صوره وكلماته أكثر انتشارًا من أي شخص آخر.
لكن يبدو أن صدام لم ينطق بكلمة "عليَّ الطلاق أسيادنا راضيين عليك" لأحمد شيبه من فراغ، فهو عامل بسيط يعمل بورشة على "منشار" فهو الآخر يريد من الأسياد أن ترضى عليه كما رضت عن "شيبة".. بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة.
الشيء الوحيد المشترك فيما بين الثلاثة أنهم لا علاقة لهم بعالم الانترنت أو "الفيس بوك" فهم مواطنون مصريون بسطاء أخذتهم تلقائيتهم إلى الأضواء والشهرة رغمًا عنهم.. منهم من قضى بسبب الشهرة جم وقته مطارد وحبيس الجدران ورحل عن بيته لأسباب قالها مقربون منهم أنه أصبح يتعرض لمضايقات..وهو"التباع".
وآخر هو"سيد" يقول: أن "أيامه سودة" ولا يعنيه من قريب أو بعيد كل هذه الضجة والشهرة بقدر ما يعنيه قوت يومه، وثالثهما "صدام" يتمنى أن ترضى عليه الأسياد.. وينصلح حاله وأوضاعه الاجتماعية، وبين هؤلاء الثلاثة " سيد والتباع وصدام" وملايين المصريين المعجبون والمستخدمون لكلماتهم في السخرية تقف الشخصية المصرية الضاحكة الساخرة راسخة ثابتة قادرة على رسم البسمة في أحلك الظروف وأشدها قسوة.