وزارة الأوقاف وقرار تعليق الجُمعِ والجماعات
أفتى الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية ووزارة الأوقاف بجواز إيقاف صلوات الجُمع والجماعات حمايةً للناس من «فيروس كورونا»، وهى فتوى صائبة استشعرت فيها المؤسسات -بعد بحث واستدلال- مراعاة أعظم مقصد من مقاصد الشريعة، وهو مقصد حفظ النفوس وصحة الأبدان.
بنت المؤسسات فتواها فى ضوء ما أسفرت عنه التقارير الصحية من سرعة انتشار «فيروس كورونا» وتحوُّله إلى وباء عالمى، وأن المصاب به قد لا تظهر عليه أعراضه، ولا يَعْلم أنه مصاب، وهو بذلك ينشر العدوى فى كل مكان ينتقل إليه، وعليه تم تعليق الجُمَعِ والجماعات فى البلاد، وقد سبق لعدد من الدول الإسلامية أن أصدرت قراراً بوقف الجمع والجماعات.
والفتوى كان يلزمها اتخاذ قرار بوقف الجمع والجماعات فعلياً، وهو القرار الذى تأخر، ولكنه صدر يوم السبت الماضى الموافق 21 مارس 2020م، وما أريد التأكيد عليه هنا أن وزارة الأوقاف لم تكتفِ بإصدار القرار، لكنها أنشأت غرفة عمليات مركزية لمتابعة مدى تنفيذ القرار، ووضعت خطةً محكمة، وآليات صارمة لضمان تنفيذ القرار، وفرضت عقوبة على كل من يتلاعب فى تنفيذه، مع شدة الاحتراز من اتهام أى قائم على مسجد بعدم تنفيذ القرار إلا بدليل واقعى ملموس، ولا يسع المرء هنا إلا أن يشيد بالقرار، ويشيد بالآليات التى تم اتخاذها بعد القرار من «الأوقاف»، وعلى أرض الواقع ذكرت التقارير المختلفة أن الشعب المصرى الكريم تفاعل مع هذه الخطوة المهمة المستندة إلى الشرع والواقع.
وهذا القرار، نحو تعليق الجمع والجماعات، كان مؤيداً من كل الهيئات العلمية الدينية فى كافة الدول الإسلامية والعربية، كالسعودية والأردن والكويت وتركيا والإمارات وقطر والمغرب وتونس وليبيا، ولم يشذ عن إجماع الأمة إلا اثنان من دعاة السلفية الوهابية، هما: «عبدالرحمن عبدالخالق»، و«مصطفى العدوى»، وقد جاء كلامهما بلا عقل أو منطق أو فهم أو مراعاة للواقع، ومضيا على سَنن خوارج العصر القدامى فى الشذوذ عما أجمعت عليه الأمة.
اعتمد علماء الأزهر الشريف والمؤسسات الدينية فى القرار على أدلة مقنعة منطقية، ففى الصحيحين: «أن عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ قال لِمُؤَذِّنِهِ فِى يَوْمٍ مَطِيرٍ: إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، فَلاَ تَقُلْ حَىّ عَلَى الصَّلاَةِ، قُلْ: صَلُّوا فِى بُيُوتِكُمْ، فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا، قَالَ: فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّى، إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّى كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ، فَتَمْشُونَ فِى الطِّينِ وَالدَّحَضِ».
وهنا نظر العلماء الكرام إلى أن الحديث دلَّ على ترك صلاة الجماعات تفادياً للمطر والطين، ولا شك أن خطر «فيروس كورونا» أعظم من خطر المطر والطين، فالترخُّص بترك صلاة الجمعة فى المساجد عند حلول الوباء ووقوعه أمر شرعى ومُسلَّم به عقلاً وفقهاً.
والرسول الكريم نفسُه نهى مَن له رائحة كريهة تُؤذى الناس من أن يُصلى فى المسجد؛ منعاً للإضرار بالناس، فقال: «من أكل ثوماً أو بصلاً، فليعتزل مسجدنا، وليقعد فى بيته»، مع أن ضرر رائحة الثوم والبصل محدود، فما بالنا بوباء يَسهُل انتشاره! ويتسبب فى حدوث كارثة كبرى، قد تخرج عن حدِّ السيطرة عليها!
وعلى ذلك فإن قرار تعليق الجمع والجماعات قرار مدعوم بأدلة الشرع، ومنطق العقل، ومقاصد الشريعة، وتوجيهات الهيئات والمنظمات الصحية، ومخالفة هذا القرار بالتجمع خارج بعض المساجد لأداء الصلوات هو مظهر محرّم من مظاهر الورع الكاذب، لأن الأفراد ليسوا حريصين على دين الله أكثر من كل الهيئات الإسلامية فى العالم.