صواريخ «الوكلاء» تدفع أمريكا للمواجهة

لينا مظلوم

لينا مظلوم

كاتب صحفي

مهما بلغ الدهاء السياسى الذى تتسم به أنظمة أو جماعات أقحمت قدسية الدين على أطماعها التوسعية -أياً كان انتماؤها المذهبى- لا بد أن تقودها إلى لحظة خطأ فى حساباتها. تصاعد الصراع الأمريكى - الإيرانى مؤخراً كشف عن مدى إساءة تقدير الثانية رسائل الرئيس الأمريكى ترامب للمنطقة، تحديداً حول العراق. إيران أخطأت فى قراءة وعود حملة ترامب الانتخابية -سواء الأولى أو الحالية- معلناً عزمه وضع حد لتحميل المواطن الأمريكى أعباء تدخلات بلاده الخارجية سواء على أصعدة الخسائر البشرية أو المادية.

خلال الأسبوعين الماضيين شهد الصراع الأمريكى - الإيرانى تطوراً خطيراً، مع تحديد الثانية العراق أرضاً لهذه المواجهة، لتبدأ منذ أغسطس الماضى الغارات الجوية على مقار اجتماع قادة الحرس الثورى ومواقع تخزين وتجميع الصواريخ القادمة من إيران، بالإضافة إلى تكثيف كل وسائل الدعم لميليشيات هى واقعياً أذرع شكلتها إيران لاستغلالها فى عمليات حرب بالوكالة. ظلت الهجمات المتبادلة تتخذ طبيعة الدفاع من الطرف الأمريكى الذى اختزن كل الاستفزازات الإيرانية، حتى سددت ضربتها الموجعة عند اصطياد قائد فيلق القدس فى الحرس الثورى الإيرانى قاسم سليمانى لتتوالى بعدها ردود إيران عبر ميليشياتها فى العراق دون أن تسفر عن ضحايا بشرية بين أفراد القوات الأمريكية. مع إعلان أول وفاة لمتقاعد أمريكى، تلاها عدد من القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولى لمحاربة الإرهاب المتمركزة داخل قواعد فى مختلف المدن العراقية.. هنا أغفلت إيران عواقب تجاوز الخط الأحمر الذى يمس إحدى أهم أوراق ترامب الانتخابية ويهدد مصداقيته نظراً للحساسية المفرطة التى تحكم الناخب الأمريكى تجاه سقوط قتلى من قواته دون رد قاسٍ يعزز شعار ترامب الانتخابى «جعل أمريكا عظيمة مجدداً».

أبرز التحديات التى تنتظر رئيس الوزراء المكلف فى العراق عدنان الزرفى ملف إخراج القوات الأجنبية من العراق.. شعار غير دقيق تم التلاعب به لدواعٍ انتقامية من أذرع دخيلة على العراق موجهة من قوى إقليمية كأداة لفرض سيطرتها الأمنية، السياسية، الاقتصادية على المشهد العراقى.. هى بمثابة «أورام» زُرِعت فى جسده بعد الغزو الأمريكى عام 2003. قانوناً، البرلمان العراقى أو رئيس الوزراء -أياً كانت حظوظ الزرفى ونجاحه فى تمرير تشكيل وزارى داخل البرلمان- لا يملكان صلاحية إخراج القوات الأمريكية أو قوات التحالف من العراق، إذ يقتصر هذا الإجراء على قرار المحكمة الدستورية العليا، إضافة إلى سلسلة معاهدات دولية تربط المصالح الأمريكية والأوروبية بدورهما فى العراق سواء أمنياً أو اقتصادياً. دعم إيران نشر هذه الشعارات غير القابلة للتطبيق عبر وكلائها بعد إقحامها العراق فى حرب بالوكالة دفع الصراع إلى تصعيد مختلف بعدما أغفلت حساباتها عند تكثيف ضرباتها الصاروخية عبر أذرعها المسلحة على معسكرات تضم قوات من أمريكا ودول التحالف أدت إلى تكبيدهما خسائر بشرية، دفع باحتمالية تحول المواجهة إلى حرب مفتوحة قد تشمل الأراضى الإيرانية فى حال استمرار التصاعد خصوصاً أن واشنطن لديها قناعة راسخة أن طهران هى المحرك الرئيسى الذى يمد تلك الفصائل بالصواريخ والأسلحة وهى حقيقة مؤكدة على أرض الواقع، ترجيح هذه القراءة فرضه التمادى فى تشكيل ميليشيات جديدة وفق ما نشرته التقارير الإخبارية عن اقتران زيارة قائد الحرس الثورى إسماعيل قآنى إلى العراق بإنشاء تنظيم «عصبة الثائرين» الذى أعلن مسئوليته عن خمس هجمات جديدة استهدفت خلال أسبوع عدة قواعد عسكرية، لتبادر أمريكا بإعلانها نقل منظومة صواريخ باتريوت إلى العراق وإعادة نشر قواتها هى الأنسب استراتيجياً للانتقال من الدفاع إلى مرحلة الهجوم.