عشش «بولاق» وأبراج «المهندسين»: صباح الخير يا جارى.. انت فى حالك وأنا فى حالى
التضاد يحكم المكان، مبان فارهة فى مواجهة عشش، وأثاث فخم يقابله «عفش» مهترئ، وأراض غنّاء ومسطحات خضراء توازيها أرض مقفرة، مول تجارى شاهق الارتفاع يطل على أكشاك مبنية من خشب وصفيح.. هكذا يفصل بين المشهدين خمسة أمتار، سور يفصل بين حى سكنى للأثرياء فى طور الإنشاء وآخر فقير ضاق أهله به ذرعا، شهور ويصيران أقارب بحكم الجيرة غير أن الفارق يظل شاسعا.
على بعد خطوات من مطلع الكوبرى الدائرى «محور صفط اللبن» تقبع أرض واسعة، تحيطها لافتات ضخمة لحى سكنى فخم، بمجرد صعودك خطوات على الكوبرى يبدو المشهد أكثر وضوحا فتطالعك لافتة زرقاء تعلو الأرض مدون عليها عبارة «ما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله»، أكثر ما يثير انتباهك هو فناء المكان الخالى من أى مبان فيما تظهر تلال من بقايا «ردم» وبعض أكياس القمامة، بصعودك خطوات متتالية على الكوبرى تظهر الصورة بشكل أوضح، على يمينك مساكن بسيطة خاصة بموظفى السكة الحديد، تجاورها عشش بولاق التى يفصلها سور عن شارع السودان أحد شوارع حى المهندسين.
الأرض المدون على بابها اسم إحدى شركات الأمن المسئولة عن الأرض، تعود إلى عام 1912، كانت مصنعا وفرعا رئيسيا لإحدى شركات المياه الغازية، قبل أن تتم خصخصتها، فيما يزين سور الحى الشعبى رسومات جرافيتى لشباب الألتراس تنديدا بمذبحة بورسعيد، وكذلك علم كبير لفلسطين.
فى زاوية الحى المرتقب المطلة على شارع التحرير يجلس عم صفوت عبدالحميد مربعا قدميه ومرتديا جلبابه الصعيدى يراوح نظره يمينا ويسارا بين الأرض المقرر بناؤها خلفه والذى يتخذ من أحد ضلوعها مستقرا لـ«كشكه». هاجس وحيد يسيطر على الرجل الخمسينى النازح من سوهاج، هو أن يزيل أصحاب الحى الراقى الكشك: «أصل الصغيرين اللى زينا محدش بيستعنى بيهم.. المهم هما يعيشوا متنغنغين».