"كورونا".. الاقتصاد العالمي يبحث عن "مصل الشفاء"

"كورونا".. الاقتصاد العالمي يبحث عن "مصل الشفاء"
شهد العالم حالة من التفاؤل بنهاية العام الماضى بالتزامن مع هدوء التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة نسبياً، حيث رفعت المؤسسات الدولية وخبراء الاقتصاد توقعاتهم لمعدلات نمو الاقتصاد العالمى خلال 2020، فتوقع صندوق النقد الدولى أن يشهد العالم تحسناً كبيراً على المستوى الاقتصادى خلال العام الجديد ويحقق نسبة نمو 3.4%، بينما رفع البنك الدولى تقديراته بشأن نمو الاقتصاد العالمى إلى 2.5% مع توقع عودة الاستقرار إلى نظام التجارة العالمى.
ومع استقبال العالم للشهور الأولى من العام الجديد 2020، تبددت هذه الآمال العريضة لتحسن الاقتصاد العالمى، وذلك نتيجة الأحداث السياسية الساخنة التى شهدتها الأسابيع الأولى من العام، وتلاها انتشار فيروس «كوفيد 19» أو ما يعرف عالمياً باسم فيروس كورونا على نطاق واسع، ليخرج من مدينة ووهان الصينية ويضرب نحو 80 بلداً ومدينة حول العالم، وتنتقل تداعيات العدوى لاقتصاديات هذه الدول، وبالتالى تأثر الاقتصاد العالمى خاصة أن من بين هذه الدول الصين التى تمثل نحو 20% من الاقتصاد العالمى، وتعتبر مركزاً لانتشار الوباء.
المؤسسات الدولية تخفّض توقعاتها للنمو العالمى نتيجة انتقال عدوى "كورونا" للاقتصاد
وتزايدت التأثيرات السلبية لانتشار الفيروس على اقتصادات الدول والشركات والقطاعات الإنتاجية، خاصة مع وصول عدد المصابين إلى 101.7 ألف مصاب ويتزايد العدد بشكل يومى، وتسبب فى وفاة نحو 3490 فرداً حول العالم، حيث أصبح يُشكل تهديداً للعالم بأكمله، مما دفع العديد من الدول والمؤسسات المالية إلى اتخاذ إجراءات احترازية للعمل على احتواء التداعيات السلبية، أبرزها تخصيص البنك الدولى 12 مليار دولار مبدئياً لمساعدة الدول التى تعانى من الآثار الصحية والاقتصادية لتفشى فيروس كورونا.
تراجع مؤشرات النمو العالمى
أسفرت تداعيات انتشار فيروس كورونا عن تكبد الاقتصاد العالمى خسائر فادحة خلال أسابيع قليلة، وذلك نتيجة تأثر القطاعات الاقتصادية بانتشار المرض، فأُغلقت العديد من المصانع خاصة فى الصين وإيطاليا، وتوقفت خطوط الطيران وحركة السياحة فى المدن التى ينتشر بها الوباء بالفعل والمدن التى تتخذ إجراءات احترازية لمنع دخول الفيروس إليها، وألغيت العديد من المعارض والمؤتمرات الاقتصادية العالمية خاصة مؤتمرات الاتصالات والعقارات التى تمثل قناة جيدة لتصدير العقار، كما واجهت حركة التجارة العالمية شللاً مؤقتاً.
ويرجع تفاقم الخسائر بشكل أساسى إلى تشابك الاقتصاد الصينى - أكبر المتأثرين بالأزمة - صناعياً مع آلاف المصانع حول العالم، كما شهدت أسواق المال انهياراً كبيراً فى العديد من الدول، مما انعكس على توقعات معدلات النمو العالمية التى هبطت للنصف تقريباً على إثر انتشار هذا الوباء.
"التعاون الاقتصادى" تحذر: استمرار انتشاره يهبط بالنمو إلى 1.5% فى 2020
وخفَّضت منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية توقعاتها فى مارس الجارى بشأن نمو الاقتصاد العالمى إلى 2.4% هذا العام، وهو الأدنى منذ 2009، منخفضة من توقعات عند 2.9% صدرت فى نوفمبر الماضى، وحذرت من أنه إذا انتشر الفيروس فى أنحاء آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، فإن النمو العالمى قد يهبط لمستوى متدنٍّ يصل إلى 1.5% هذا العام.
فيما أظهرت مذكرة صادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «الأونكتاد» أن تدابير احتواء الفيروس فى الصين قد تسببت بالفعل فى انخفاض كبير فى الإنتاج، وانخفاض فى مؤشر المشتريات التصنيعية فى الصين بحوالى 20 درجة خلال شهر فبراير الماضى، وهو ما يمثل أدنى حد انخفاض تم تسجيله منذ عام 2004، مشيرةً إلى أن هذا الانخفاض يعنى انخفاضاً فى الإنتاج بنسبة 2% سنوياً.
ويقول التقرير إن انكماشاً بنسبة 2% فى إنتاج الصين له آثار مضاعفة تظهر على مجمل انسياب الاقتصاد العالمى، وهو ما تسبب حتى الآن فى انخفاض يقدر بنحو 50 مليار دولار فى التجارة بين الدول، وخفض «بنك أوف أمريكا» توقعاته للنمو العالمى إلى أدنى مستوى منذ ذروة الأزمة المالية العالمية فى 2009، ويتوقع البنك متوسط نمو عالمى بنسبة 2.8%، انخفاضاً من توقعات سابقة تبلغ 3.1%.
أسواق المال
وبالحديث عن أسواق المال، وهو القطاع الأكثر حساسية لأى أحداث خارجية، والذى يُعد بمثابة مؤشر حساس لقياس مدى تأثير الأزمات على الاقتصاد العالمى، فقد شهدت خلال الأسابيع الأخيرة، تراجعات كبرى تخطت نسب الانهيار خلال الأزمة المالية العالمية فى 2008، حيث انخفض مؤشر S&P 500 خلال شهر فبراير بنحو 8.4%، ليحقق أسوأ أداء شهرى منذ ديسمبر 2018، فى حين انخفض مؤشر ناسداك المركب ومؤشر داو جونز الصناعى بنسبة 6.38% و10.3% على التوالى، وهبط مؤشر STOXX 600 بنحو 8.54%، وهى أعلى خسارة يحققها فى شهر منذ أغسطس 2011، وكانت شركات الطيران والتكنولوجيا والطاقة وكذلك البنوك هى التى تقود الانخفاضات.
ولم تنجُ الأسواق العربية من أثر الفيروس، حيث تراجعت معظم أسواق الخليج بأكثر من 10%، وتصدرت بورصتا دبى والكويت الخسائر بتراجعات 14.1% و14%، كما سجّل مؤشر «إيجى إكس 30»، تراجعاً حاداً تجاوز 6% خلال تداولات اليوم الأول من مارس، وكسا اللون الأحمر جميع القطاعات المقيدة فى البورصة وعلى رأسها قطاع البنوك، وبلغ عدد الأسهم المتداولة فى جلسة الأحد الماضى 179 بينها 3 أسهم فقط حققت مكاسب.
قطاع السياحة والسفر الأكثر تضرراً
ومع وصول مرض كورونا إلى أكثر من 80 دولة، منها إيطاليا وإسبانيا وتايلاند وأمريكا وكوريا الجنوبية وتايوان وفيتنام وغيرها من الدول المتصدرة لقطاع السياحة فى العالم، أصبح من المؤكد أن الفيروس يهدد حركة السياحة فى تلك البلاد، فضلاً عن تهديد السياحة فى الدول العربية والتى كان آخرها قرار تعطيل رحلات العمرة والسياحة الدينية، ودعوات إلغاء موسم الحج هذا العام.
شركات الطيران والتكنولوجيا والطاقة تقود مؤشرات البورصات العالمية لانخفاض تاريخى خلال فبراير
وبدأت الشركات فى جميع أنحاء العالم إلغاء المؤتمرات والأحداث والمعارض الدولية، وهو ما دفع قطاع السفر، الذى تبلغ إيراداته 5.7 تريليون دولار، نحو التباطؤ، حيث تضررت الخطوط الجوية التى تعانى بالفعل من انخفاض كبير فى الرحلات الجوية إلى آسيا بشدة، وأعلنت عن خفض رحلاتها مع تراجع الطلب.
وعلى المستوى المحلى، قد تؤثر الأزمة على انتظام الوفود السياحية التى تأتى إلى مصر؛ لذا من الضرورى أن نجد حلولاً استباقية وسيناريوهات بديلة لتلافى هذه الأزمة، حتى لا يمر قطاع السياحة بسيناريو أحداث 2015 مرة أخرى، الذى نتج عنه تراجع عدد السياح الوافدين إلى مصر بنسبة 42% خلال 8 أشهر فقط من وقوع الحادث، وتراجعت الإيرادات السياحية بمعدل 48.9% لتسجل نحو 3.8 مليار دولار فى العام المالى 2015/2016.
كورونا يهدد قطاع الترفيه
ولعل قطاع الترفيه، الذى أصبح ركناً رئيسياً فى اقتصاد العديد من دول العالم، واحد من أكبر المتأثرين بانتشار فيروس كورونا، حيث أُغلقت العديد من المسارح والسينمات، مما أسفر عن تحقيق السينما العالمية لخسائر لا تقل عن 5 مليارات دولار، كما أُغلقت أبواب الملاعب أمام الجمهور كإجراء احترازى من انتشار الفيروس، بجانب ضبابية قرار إقامة المنافسات العالمية مثل أولمبياد طوكيو 2020، الأمر الذى ينعكس سلباً على إيرادات القطاع الرياضى.
الواردات المصرية من الصين
وعلى الصعيد التجارى، تُعد الصين أحد أكبر الموردين الرئيسيين للسوق المحلية، حيث تستحوذ بكين على أكثر من 15.3% من فاتورة الواردات المصرية والبالغة 78 مليار دولار بنهاية العام الماضى، فى حين تبلغ قيمة التجارة بين البلدين نحو 12.5 مليار دولار فى مقابل 12.47 مليار دولار خلال 2018 بنمو قدره 0.2%، وذلك بدعم ارتفاع فاتورة الواردات بنسبة 4.5% خلال العام الماضى لتسجل 11.955 مليار دولار. وبالتالى فانتشار هذا الفيروس وتحدياته ارتبطت فى تأثيرها على مصر بعاملين رئيسيين، الأول يتعلق بتأثير مباشر على العلاقات الاقتصادية بين مصر والصين، والثانى يتعلق بتأثر القطاعات الاقتصادية فى مصر من الإجراءات الاحترازية التى اتخذتها أغلب دول العالم.
لذا يجب على الحكومة المصرية الإسراع فى تنفيذ خططها للتحوط من الآثار السلبية المتوقعة لتفشى الفيروس على الاقتصاد المصرى، والتى يأتى فى مقدمتها العمل على التوسع فى تنفيذ برامج تعميق التصنيع المحلى للتوسع فى الاعتماد على مدخلات الإنتاج المحلية بدلاً من الاستيراد، خاصة أن المنتجات المحلية تمتلك المقومات اللازمة لسد احتياجات السوق بدلاً من المنتجات الصينية.
هل تفتح الأزمة فرصاً جديدة لمصر؟
ومع الوضع فى الاعتبار أن الصين مُصنّع للمنتجات التى تُصدَّر لمعظم دول العالم وليس مصر فقط، فإن مصر ليست المتضرر الوحيد من عدم وصول المنتجات الصينية إلى أراضيها، بل كافة دول المنطقة ستتأثر بهذا العجز، وهو ما يضع فرصة ذهبية للمنتجات المصرية للوصول إلى الأسواق المحيطة، مما يتطلب بالضرورة دراسة وتحليل احتياجات الأسواق المحيطة والعمل على توفير هذه المنتجات.