«السناتر» الخاصة ومستقبل المدارس

حازم منير

حازم منير

كاتب صحفي

ونحن صغار كان بعض الأطفال يجرون وراء سيارات الحى وهى تقتحم الأسواق يهتفون: «البلدية الحرامية»، لأنها كانت تصادر عربات الباعة الجائلين والسلع والموازين وخلافه. ومع مرور الوقت توقف الهتاف، لأن الباعة اتفقوا فيما بينهم على نظام للتأمين والحماية، بالاتفاق مع صبية وأطفال يقفون على بُعد من الأسواق على كل المسارات المتجهة للسوق ليهتفوا «إلحق البلدية»، فيلملم الباعة حاجاتهم ومحتاجاتهم ويفرون من المكان.

مع فارق بسيط، فى نوع المهنة، شاهدت المنظر يتكرر أمامى، ولكنه للأسف مع بناة المجتمع، مع المعلمين فى مراكز دروسهم الخاصة، بعد أن قررت الحكومة التعامل معهم باعتبارهم أنشطة غير قانونية، فوجهت سيارات البلدية لمصادرة الكراسى والمناضد والأدوات المستخدمة داخل المراكز، فاستعاد أصحاب السناتر، فى ما يبدو، السيرة القديمة، بالدفع بصبية، لكن هذه المرة، ومع فارق الزمن، يحملون أجهزة الموبايل، لتنبيه العاملين، الذين يبادرون بصرف التلاميذ وإخلاء المكان وإغلاقه.

صحيح أن الفارق الزمنى كبير، وصحيح أن التكنولوجيا الحديثة أصبحت عاملاً مساعداً، لتسهيل الأمر على المخالفين الذين يتهمون الحكومة بما ليس فيها وإنما بما فيهم هم، وصحيح أن المهن مختلفة، والمقامات متباينة، لكن المشترك فى الأمرين هو مخالفة القانون، وتجاهل الحكومة للمخالفات حتى تتضخم، ويخرج الأمر عن السيطرة، ونجد أنفسنا أمام مشكلة حقيقية تضرب فى حاضر المجتمع ومستقبله.

الحديث عن مراكز الدروس الخصوصية طويل ومكرر، لكننا أصبحنا أمام ظاهرة غريبة جداً، نفس مظاهر التكدس فى الفصول، تتكرر كثيراً فى المراكز الخاصة، ونفس وجوه المعلمين فى المدارس تتكرر فى المراكز، والمذهل أن العديد من المراكز تعمل فى عمارات تواجه المدارس، فلا يحتاج المدرس سوى عبور الطريق، ولا يبحث التلميذ عن وسيلة للذهاب إلى المركز بعد انتهاء الدراسة.

نحن أمام مأساة مُضحكة وليست مبكية، شىء غريب للغاية، توم وجيرى لكن فى الحقيقة وليس فى التلفاز، أولياء أمور يضجون بالشكوى من تكاليف الحياة، وينفقون الأموال الإضافية على المراكز الخصوصية، وهم يسددون الكثير من دخولهم على مصاريف المدارس التى تتضخم كل عام عن سابقه، ومدرسون يحصلون على رواتب لا يعملون بربع قيمتها، ويدّخرون جهدهم للمراكز، وهم أيضاً يضجون من صعوبات الحياة وقلة الدخول، ويبررون بذلك اشتغالهم وانشغالهم بالدروس الخصوصية.

السؤال الآن، بعد أن تضخمت وتفشت ظاهرة المراكز الخصوصية، وأصبحت جزءاً من العملية التعليمية لا يمكن الاستغناء عنه، وبعد أن استقرت الأسر المصرية على إرسال أبنائها للمراكز أو الاتفاق والإنفاق على الدروس الخاصة، وبعد أن قرر المعلمون الانشغال والاهتمام بالمراكز على حساب المدارس.. بعد كل هذا يتبقى البحث عن إجابة لسؤال ما قيمة المدارس؟ وهل ستستمر المدارس، أم ننتظر زمناً تنتهى فيه ظاهرة المدارس ويتحول الأمر إلى مراكز التربية والتعليم بدلاً من مدارس التربية والتعليم.

صديق عزيز سألنى: ماذا يحدث لو قررت سحب أبنائى من المدرسة، وتوفير المصاريف التى تصل إلى عشرات الآلاف من الجنيهات فى العام، وتوفير جهد الأبناء الذين يذهبون للمدارس مبكراً ويخرجون منها ليتوجهوا إلى المراكز مباشرة، ويعودون للمنزل فى بدايات الليل، مطالبين بمراجعة ومتابعة دروس المدرسة وما تحصّلوا عليه فى المراكز.

وعندما سألته: هل ستمنعهم من التعليم؟ أجابنى بما لم أتوقعه: من قال هذا، سأتعاقد مع مدرسين للمنزل، وسأتعامل بنظام المنازل، أو تقديم امتحانات من الخارج، سألته: هل يجوز ذلك؟ أجاب: سأبحث عن وسيلة لتخفيف العبء عن الأبناء، ولتوفير بيئة صالحة للتعلم بلا ضغوط عصبية أو توترات، ولتوفير مناخ يساعدهم على التحصيل، والحياة بطبيعية كما ينبغى أن يعيش الأطفال، فأطفالنا فقدوا طفولتهم مبكراً، وتحولوا إلى كائنات عصبية فاقدة للمشاعر والإحساس بالحياة، وفوق كل ذلك سأوفر من بنود الإنفاق التى أدفعها لمدرسة لا نتحصل منها على علم، بالإضافة إلى المراكز، التى يكرر فيها الأبناء نفس ما يفعلونه فى المدارس.