فيديو.. بؤرة للمصانع العشوائية والبطالة وانعدام الخدمات"العكرشة" قرية "النفايات الخطرة"

كتب: رؤى ممدوح

فيديو.. بؤرة للمصانع العشوائية والبطالة وانعدام الخدمات"العكرشة" قرية "النفايات الخطرة"

فيديو.. بؤرة للمصانع العشوائية والبطالة وانعدام الخدمات"العكرشة" قرية "النفايات الخطرة"

على أطراف محافظة القليوبية، يتسع نحو 250 فداناً لإعادة تدوير كل المخلفات الخطرة وغير الخطرة، فى قرية نائية يعرفها الجميع باسم «العكرشة»، أصبحت منذ عشرات السنين مرتعاً لأصحاب المصانع العشوائية، وبؤرة المنتجات التى تحمل السرطان إلى مصر، مئات المصانع متناثرة هنا وهناك على امتداد القرية، بعضها تم إغلاقه وتشميعه بعد الحملات الأخيرة لوزارة البيئة، التى أسفرت عن ضبط كميات كبيرة من النفايات شديدة الخطورة، حيث تتم إعادة تدويرها وإدخالها فى تصنيع جميع المنتجات التى يستخدمها المواطن البسيط، بينما لا يزال البعض الآخر يعمل فى الخفاء، بعيداً عن أعين الرقابة.

«الوطن» زارت القرية العشوائية، وقامت بجولة على عشرات المصانع داخلها، ورصدت الأوضاع المزرية التى تعانى منها المنطقة، وكشفت عن معاناة الأهالى، وخبايا ملاك وعمال المصانع، ورصدت انعدام الخدمات بالقرية المنسية.

الأهالى يعيشون كارثة بيئية.. وتلال القمامة تهددهم بالأمراض

كارثة بيئية تنتظر أهالى قرية العكرشة بمنطقة أبوزعبل التابعة لمحافظة القليوبية، حيت تعج القرية بالمئات من المصانع العشوائية وتلال القمامة التى تزكم الأنوف بمجرد الاقتراب من مداخل القرية التى يجاورها رشاح كبير تغيرت المياه به للون الأخضر، وفى بعض المناطق تصبح أكثر قتامة لتصل إلى السواد، حيث إن جميع المصانع تستخدم الرشاح كمصب للنفايات والمخلفات، لدرجة أنه يبدو فى بعض المناطق كأرض صلبة غطتها القمامة والأكياس البلاستيكية السوداء، كما هو الحال فى الشوارع الداخلية للقرية، الأمر الذى قد يخدع المارة أثناء عبورهم للجهة المقابلة، وهو ما حدث للعديد من الأطفال بعد انزلاق أقدامهم وتم إنقاذهم من الغرق كما يروى السكان.

سكان القرية يعملون بنبش المخلفات

وتعد قرية العكرشة بؤرة للمصانع العشوائية، التى تقوم بتدوير جميع المخلفات باختلاف مصادرها وخطورتها على الصحة لتصنع منتجات مجهولة المصدر، وتوردها إلى الأسواق، التى غالباً ما تكون شعبية، مسببة العديد من الأمراض المسرطنة، حيث إنه فى مقدمة القرية تتراص مصانع الكرتون والورق، التى يقدر عددها بعشرة مصانع منفصلة لكل منها مالك وعمَال مختلفون، يليها فى الصف ذاته مصانع القطن، التى تحتل المساحة والعدد الأكبر، حيث يفوق أعدادها الثلاثين مصنعاً، وبمجرد الانحدار يساراً يتفرع الطريق إلى شوارع داخلية غير ممهدة تنتشر بها الكلاب والقطط التى تسكن مداخل البيوت، التى تتكون غالباً من طابق واحد مشيّد من الطين، ويفصل بين مجموعة من البيوت عدد من المصانع.

تكّون المنازل حلقة حول المصانع، فلا يمكن الوصول للمصنع دون سماع سؤال: «رايح فين يا باشا، عايز مين هنا»، الجميع هنا خائف ومترقب من حملات التفتيش التى تشنها وزارة البيئة، حيث نشطت تلك الحملات فى الفترة الأخيرة وساهمت فى غلق وتشميع ما يزيد على 7 مصانع فى المنطقة، ويعمل السكان فى نقل النفايات من أماكنها عبر السيارات وصولاً إلى ساحة المصنع بالمخالفة للقانون لعدم وجود تصريح بذلك، ومن ثم تصنيفها والبدء فى إعادة تدويرها فيما يعرف بمصانع بئر السلم. وبحسب أهالى المنطقة، الذين يعمل أغلبهم فى تلك المصانع، فليس هناك أى تصريح لمزاولة العمل واتباع الحد الأدنى من قواعد الصحة والسلامة.

المنتجات بدون علامة تجارية وأسماء ملاك المصانع "مجهولة" وحملات "البيئة" تغلق7 منشآت مخالفة

لا تحمل أى من تلك المنتجات اسماً أو علامة تجارية، ولا يتردد اسم ملاك المصانع، حيث يحرص العديد منهم على بقائه مجهولاً خوفاً من ذياع صيته وإغلاقه، إلاّ أن ذلك الأمر لا ينطبق على مصنع واحد يقع فى أطراف القرية داخل أحد الشوارع الجانبية، يعرف باسم «حسن هاشم» المتخصص فى إعادة تدوير المخلفات الطبية الخطرة وإنتاج مواسير بلاستيكية لدورات المياه، بالإضافة إلى خراطيم الكهرباء، ويعد من بين عدد قليل من المصانع التى لا يزال العمل بها مستمراً رغم خطورة منتجاته. يحرص مالك المصنع منذ حملات التفتيش الأخيرة على تقليل ساعات العمل، فأصبح المصنع يعمل بنصف طاقة إنتاجه.

بجانب البوابة السوداء الضخمة للمصنع تتناثر الأكياس الحمراء الكبيرة الخاصة بالمخلّفات الطبية شديدة الخطورة، يجلس بالقرب منها عدد من الأطفال لم يبلغوا عامهم العاشر بعد، يتسابقون نحو الأكياس، يقومون بنبشها بأيديهم الصغيرة غير مدركين خطورة ما يفعلونه، ودون توجيه من ذويهم الذين يقومون بتشجيعهم على العمل، يضع أحدهم يديه داخل الكيس الذى توارى به جانباً بعيداً عن أنظار رفاقه ليخرج بعلبة دواء بلاستيكية فارغة هى صيده الثمين الذى يحفزه على النبش بجدية أكثر، تلمع عيناه مع العثور على مزيد من العلب، حيث تعنى له تلك العبوات الفارغة بعض النقود التى يحصل عليها من عمال المصنع، تمكنه من شراء الحلوى المفضلة من الدكان الذى يبعد خطوات قليلة عن المصنع.

لا يتوقف تصنيف النفايات عند ذلك الحد، فهناك مرحلة أخرى، فبعد أن ينتهى عمال مصنع «حسن هاشم» من الحصول على احتياجات منتجاتهم يقوم نابشو القمامة بنقل بواقى النفايات إلى بؤرة لتجميع القمامة بالقرب من منطقة مصانع الألمونيوم الواقعة خلف مصانع القطن، فبين أكوام القمامة تغوص زينب محمد بين الأكياس والحشرات باحثة عن مخلّفات يمكنها تجميعها وبيعها بالكيلو، لا تكاد تمضى عدّة دقائق حتى تنتفض العجوز التى تخطت عامها الخامس والسبعين صارخة بعد أن وخزتها حقنة طبية ملوثة بالدماء أدّت إلى جرح غائر فى قدمها، إلاّ أنها بعد أن هدأ روعها واستطاعت استيعاب الأمر لمدّة لم تتعد الدقيقة، قامت بوضع منديل سحبته من داخل أحد الأكياس التى كانت تبحث داخلها لتوقف قطرات الدماء المتدفقة: «دى مش أول مرّة يحصلى كده وياما اتعورت من زجاج وبلاستيك مكسور وحاجات كتير، فى الأول كنت بتخض وممكن أقعد يوم كامل مشتغلش بسبب الجرح، بس مكنتش بلاقى أكل عشان أنا اللى بصرف على جوزى وابنى وأحفادى».

عجوز: "تعرضت للإصابة كثيراً من الزجاج والبلاستيك ولو بطلت شغل مش هلاقى آكل أنا وأولادى"

على الرغم من أنه لم يكد يمر 5 أشهر على قدوم السيدة السبعينية إلى القرية إلا أنها استطاعت بناء علاقة طيبة على حد قولها مع عمال المصانع ليقوموا بنقل القمامة بعد انتهائهم إلى مكان إقامتها: «فى الأول كنت على آخر النهار كده بروح عند كل مصنع وأجمع الزبالة بس بعد ما اتعورت كذا مرّة وصحتى بقت فى النازل مبقتش بقدر أشيل وأنقل فصعبت على الناس اللى هنا وبقوا بيساعدوا بعض ويجيبوهالى عشان يسهلوا عليّا وألاقى حاجة أبيعها عشان نعرف نعيش».

صحة الأطفال في خطر بسبب انتشار الأدخنة وأصحابها: "اللي مش عاجبه الحال ده يمشي"

عمال يبحثون عن وظيفة لكسب الرزق بعد الإغلاق الإجبارى للمصانع المخالفة

 


مواضيع متعلقة