ليه خجلان تقول إنك سعيد يا ولد؟
- البعثات المصرية
- الدين الإسلامى
- الفنان القدير
- الفنان محمد لطفى
- جمال عبد الناصر
- ريهام عبد الحكيم
- سلطنة عُمان
- عبد المجيد
- أجفان
- أفريقيا
- البعثات المصرية
- الدين الإسلامى
- الفنان القدير
- الفنان محمد لطفى
- جمال عبد الناصر
- ريهام عبد الحكيم
- سلطنة عُمان
- عبد المجيد
- أجفان
- أفريقيا
ماذا يفعل المحبون فى عيد الحب؟.
يشعلون شموعاً ويتبادلون وروداً وهدايا، ثم يبتسم كل منهم فى وجه الآخر ويغنّى على ليلاه. يقولون كلاماً منمّقاً لا يخلو من زيف: «هابى فلانتين»، ثم ينام كل منهما على حزمة وعود.
زمان.. كانت كلمة «بحبك» رباطاً مقدساً، وكان الوطن والحبيبة وجهين لعملة واحدة، حتى إننا كنا «ننده» على مصر بأسماء بناتنا: «يا جميلة ومريم وبهية». الآن أصبح «الفلانتين» دم غزال على أزرق داكن، وسقف الحب خمس دقائق سلام فى أربع وعشرين ساعة حرب، تبدأ صباحاً بـ«نكد الوظيفة»، وتنتهى مساءً بـ«نكد المدام.. التى كانت يوماً حبيبة».
� �
يقول متأسياً: القلوب التى صنعت ثورات وصدّت موجات عدوان ورفعت سداً وأبدعت أدباً وفناً، وعبرت هزائمها.. لم تعد تحب. لم تعد تعرف كيف تحب، ولم يعد لديها حافز أو وقت لتلك الكلمة الطيبة العذبة: «بحبك».
تقول معاتبة: القلوب التى تعرف متى وكيف ومن تحب، لا تشيخ ولا تيأس ولا تندم ولا تنظر إلى وراء. القلوب التى لمست جوهر الحب واكتوت بناره، تزداد لمعاناً كالأحجار الكريمة. ليس فى الحب ديمقراطية ولا تعددية ولا تاريخ يعيد إنتاج نفسه. الحب فكرة شمولية: «أنا ومن بعدى طوفان». وبلغة القلوب: (1 + 1 = 1).
� �
القاهرة شتاءً. العاشرة والنصف من صباح يوم جمعة. الشوارع هادئة، والشمس تسيل على رؤوس المحبين حليباً وبرتقالاً، والناس يتقلبون أحراراً فى دفء العاصمة. بنات وشبان يتنزهون على كورنيش النيل أو يتهامسون فى حدائق الميادين. البنت سافرة (أو محجبة.. لا فرق) وعيناها تتوسلان، وعلى صدر الـ«تى شيرت» سهم كيوبيد، بينما قوس الولد مشدود، والنار مشتعلة فى خلاياه. ابتكر الولد «قصيدة» فأغمضت البنت عينيها وتأرجح رأسها طرباً: «عايزة بيت». وبعد ساعة أو أكثر بدأت بشائر صلاة الجمعة. ذاب الجزء فى الكل والحسى فى المقدس. فجأة.. اكتشف الاثنان أنهما معتقلان فى «كردون أمن»، وأن الشوارع ليست هادئة، والناس ليسوا أحراراً، والفضاء ليس دافئاً، والشمس ماسخة.. فتزوجا.
� �
ذهب الولد إلى عمله. لم تعد الزوجة تقبّله وراء الباب وهو خارج كما وعدته. حاول أن يكون مخلصاً ليعرف كيف يطلب حقه، فأخذ شلوتاً فى بطنه لأنه بلا ظهر. احتقن وركبته الأمراض وكَره الدنيا. قرر أن يحجّب البنت الكبرى ليسترها وأن يربط الولد فى رجل المكتب ليذاكر. أصبح يكتفى من ثواب الدنيا بـ«27 دقيقة شغل»، ويصلّى الظهر فى ساعة ونصف، ويلم أوراقه فى الركعة الثالثة. يحسب حساب زحمة المواصلات: يريد أن «يتغدى» مع المدام والأولاد ويلحق مباراة الأهلى، لكنه يعود إلى البيت بهزيمة جديدة. يتعشى خبزاً يابساً ويغمّس تراباً ويطفئ كل مصابيحه، ثم يغلق باب السرير وينام. يكتشف وهو نائم على ظهره، أن نصفه الأسفل اختفى بسبب كرشه الذى تقبب. تشعر المدام بالذنب. تنده عليه فيتوسد ذراعه ويعطيها ظهره. يستيقظ فيكتشف أنه كان يريد أن يكمل نصف دينه، فأضاع النصف الآخر.
� �
زاغت عيناه على زميلته فى العمل. مال إليها ومالت إليه. صارحته: «إذا كنت تفكر فى الزواج فتريث. ظروفى صعبة». كانت قد تزوجت فور تخرجها فى الجامعة. كان زواج صالونات. كانت «قمر 14» فى الكوشة. حملت بعد أسبوع. أنجبت ولداً. ثم حملت فأنجبت ولداً آخر. كبر الولدان بسرعة. زادت الخناقات مع الزوج بسرعة. لم يكن الزوج المناسب. ليس فى «عائلتنا» طلاق. اصبرى وقاومى. اختنقت. انفصلت روحاً وجسداً. أصبحت تموت فى الليل وتحيا فى الصباح. لا تستطيع أن تبوح. أحست العائلة أنها فى مأساة. تعاطفت معها: «القرار قرارك». لا تستطيع أن تتخذ القرار. لا بد أن تعمل لتمول مرحلة ما بعد الطلاق من حُرّ مالها. ليس هناك «حُرّ مالها». الحالة أصبحت «لا سلم ولا حرب». ظهر فى حياتها. أحبها. قلبه فقط يشعر أنها تحبه. الطلاق أولويتها والزواج أولويته. لم يلتقيا ولن يفترقا. بدأت تفرمل العلاقة. أصبحت تخاف من كلمة «بحبك». أصبح الكلام جملاً ناقصة. المشاعر لا تزال موجودة. الرغبة فى أن يكونا معاً لا تزال موجودة.. لكنهما لا يعرفان كيف، ولا يقدران. لا يجدان موضوعاً. الموضوع برمته أصبح مملاً. قالت: خلينا أصحاب. قال: تجاوزت الخمسين.. يا مين يعيش. قالت: احفر لى قبراً فى قلبك. قال: صعب.. ما جعل الله لميتٍ من قبرين فى صدره.
� �
على سُلَّم آمن فى سُرة العاصمة، تصطف أسرة مكونة من سروال جينز قديم، وسهم كيوبيد على صدر مترهل، وطفلتين، وألف وستمائة جنيه، و«علاوة» منتظرة. خبأت الأسرة سخطها وقلة حيلتها فى شعار: «يسقط النظام». تساءل الذى كان عاشقاً: كم عاماً على سُدة الحكم تكفى ليدرك الحاكم أن آهة المحبط نصل ذو حدين، إذا صعدت إليه فى عليائه أسقطته، وإذا هبطت عند قدميه أحرقت الأرض من تحته؟. كم «ثأراً وثورة» تكفى ليتعب المحبطون من الاصطفاف وراء ذلك الشعار، على ذلك السُّلم الآمن فى سُرة العاصمة؟. كم قنطاراً من الذهب والفضة تكفى ليتذكر اللص أن «صاد» القصر و«باء» القبر.. ضلفتا باب واحد؟.
� �
عاد إلى معتقله الحصين صاغراً. خلع ثياب المهنة وشنقها فى شماعة بثلاث أذرع. أكل طعاماً بارداً - كأى سجين - بكامل إرادته. لم يبسمل قبل، ولم يحمد الله بعد. عرج على غرفة الطفلتين. كانتا نائمتين وقد تبعثرت الكراريس والأقلام حولهما كأنهما خرجتا من أتون حرب. تململت إحداهما وهَذَت قليلاً ثم سكنت، فتركهما متأسياً (لماذا تركهما.. ولماذا متأسياً؟. لا يعرف). لم يجد فى قلبه شغفاً بشىء، ولا مودة لأحد، فأغمض عينيه وراح فى سُبات: «بعد ما لفّ وبعد ما دار. بعد ما هدّى وبعد ما سار. بعد ما داب واشتاق واحتار. حط الدبلة وحط الساعة. حط سجايره والولاعة. علّق حلمه على الشماعة. شد لحاف الشتا على جسمه. دحرج حلمه وقلمه واسمه. دارى عيون عايزين يبتسموا. اللى قضى العمر هزار. واللى قضى العمر بجد. شد لحاف الشتا م البرد».