هؤلاء كتبوا فصلا جديدا في تاريخ اقتصاد مصر

هؤلاء كتبوا فصلا جديدا في تاريخ اقتصاد مصر
- الاقتصاد المصري
- البنك المركزي
- الإصلاح الاقتصادي
- الإصلاح المصرفي
- الاقتصاد المصري
- البنك المركزي
- الإصلاح الاقتصادي
- الإصلاح المصرفي
الآمال العظيمة تصنع الأشخاص العظماء؛ مقولة أرساها توماس أديسون وسطرها أبطال رئيسيون فى تاريخ الاقتصاد المصرى على أرض الواقع، أشخاص لن تنسى كتب التاريخ الاقتصادى إسهاماتهم التى غيرت مسار الاقتصاد المصرى، ليتمكنوا من تحويل الدفة من السير نحو الهاوية إلى الطريق نحو الازدهار.
أناس عكفوا على التطوير والابتكار فى قطاع يعتمد فى الأساس على كفاءة العنصر البشرى وليس تقنيات الآلة الحديثة، هم قادة ومحافظو البنك المركزى المصرى، الذى يمثل الآن حجر الزاوية فى الاقتصاد المصرى، والحصان الأسود الذى تراهن عليه القيادة السياسية فى كل زمان لتحقيق طفرات اقتصادية كبيرة.
فإذا ما قارنا بين أوضاع الاقتصاد المصرى فى بداية الألفية الثالثة، التى سادها حالة من الكساد العام وندرة السيولة وعجز الدولة عن سداد مستحقات المقاولين والموردين فى المشروعات الحكومية، وشيوع ظاهرة الأيدى المرتعشة بين قيادات البنوك وتوقفهم عن منح ائتمان جديد أو تسوية الحالات المتعثرة، واهتزاز الموقف المالى للبنوك نتيجة توقف المتعثرين عن السداد، استفحال أزمة القطاع المصرفى وأصبحت معظم وحداته على وشك الإفلاس، خصوصاً أن أغلبها لم يلتزم بتكوين احتياطيات ومخصصات مالية تحسباً لتعثر المدينين، ما أدى إلى هشاشة وتشوه مراكزها المالية.
والأوضاع التى وصلنا إليها مع بداية العقد الثالث من القرن الـ21، وقيام البنوك بالدور الرئيسى بدعم مشروعات الدولة والقطاعات الاقتصادية المختلفة، من خلال المبادرات وتوفير السيولة النقدية لها، سنستشعر بوضوح مدى إسهامات ومجهودات هؤلاء الأشخاص فى وقوف القطاع المصرفى على أرض صلبة، ليمثل الذراع الأقوى التى تمكن الدولة من تحقيق طموحاتها وتنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادى من خلالها.
دعونا نقوم بجولة توثيقية لبداية الإصلاح الحقيقى الذى شهده القطاع المصرفى منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، وبالتحديد فى عام 2003 مع تولى الدكتور فاروق العقدة زمام الأمور، وقيامه باستقطاب عدد كبير من الطيور المهاجرة من الكوادر المصرفية آنذاك، أبرزهم طارق عامر وهشام رامز وهشام عز العرب، الذين كانوا يعملون خارج البلاد لفترات طويلة بمصارف عالمية فى أوروبا وأمريكا وبعض دول الخليج المتقدمة فى مجال العمل المصرفى، وبالفعل تم استدعاء أعضاء الفريق من الخارج واستجابوا للنداء مع إعطائهم الصلاحيات المطلقة لحل الأزمة وترسيخ أسس قوية للقطاع المصرفى.
فاروق العقدة يؤسس لقطاع مصرفى جديد بمعايير عالمية
وقام العقدة وفريقه بدراسة شاملة لأهم المشكلات التى كان يعانى منها القطاع المصرفى آنذاك، والتى تمثل أبرزها فى هشاشة الهيكل المالى لمعظم البنوك العاملة فى القطاع المصرفى المصرى، التى قُدر عددها بنحو 57 مصرفاً فى ذلك التوقيت، وندرة الكوادر الفنية المتخصصة التى يقوم العمل المصرفى وتُقاس جودته عليها بشكل رئيسى، وتخلف القطاع عن استخدام التكنولوجيا الحديثة، وضعف الأنظمة الرقابية، وتدخل سياسات الدولة بشكل كبير فى السياسات النقدية، فضلاً عن الأحداث والتحديات المحيطة بالاقتصاد خلال هذه الفترة مثل حرب العراق والكويت، مروراً بأحداث طابا التى أجهزت على إيرادات السياحة آنذاك، ثم الدخول فى أزمة اقتصادية عالمية فى 2008، نهاية بأحداث ثورة يناير 2011 واستنزاف مدخرات الدولة.
ومن هذا المنطلق، قام الدكتور فاروق العقدة وفريقه الذى تضمن كلاً من وطارق عامر وطارق قنديل وهشام رامز وجمال نجم ولبنى هلال، كنواب له على مدار التسع سنوات التى تولى خلالها قيادة البنك المركزى، بوضع الأسس التى ارتكزت عليها خطتا الإصلاح المصرفى الأولى خلال الفترة 2004-2008، والثانية خلال الفترة 2009-2011.
وبدأت هذه الإصلاحات بإعادة الهيكلة الإدارية والمالية للبنوك العاملة بالقطاع المصرفى المصرى، وعمل عمليات دمج جبرى للبنوك التى شهدت تعثراً كبيراً وتآكلاً برؤوس أموالها، ما أدى لتقليص عدد البنوك إلى 39 بنكاً آنذاك، وتجديد الدماء وإدخال كوادر شابة لإنعاش القطاع المصرفى، وإدخال تخصصات جديدة مثل إدارة المخاطر وصناديق الاستثمار.
واستمرت الخطوات الإصلاحية حتى تمكنت من تطوير السياسة الائتمانية للحد من عمليات منح الائتمان العشوائى التى انتشرت فى هذه الفترة، وعمل لوائح داخلية لكل بنك فى هذا الصدد، وامتدت الإصلاحات لتجد حلاً جذرياً لمشكلة الديون المتعثرة التى أدت إلى تآكل المراكز المالية للبنوك.
ونجح العقدة فى إرساء المعايير الدولية لتحقيق السلامة المصرفية مثل بازل 2، وتدعيم القواعد الرأسمالية للبنوك من خلال زيادة معدل كفاية رأس المال إلى 10%، وتحديد 500 مليون جنيه كحد أدنى لرأس مال أى بنك يعمل فى مصر، كما ركزت إدارة العقدة بشكل كبير على إدارة المخاطر، ووضع إطار تنظيمى لإدارة مخاطر العملية الائتمانية، وعمل أيضاً على إنشاء وحدة مستقلة لمكافحة غسل الأموال.
ومع نهاية فترة الدكتور فاروق العقدة أصبح القطاع المصرفى أحد القطاعات القوية والراسخة فى الاقتصاد المصرى، حيث اتسم البنك المركزى باستقلاله عن السياسات الحكومية التى أثرت بالسلب على السياسة النقدية قبل الإصلاح المصرفى الأول، فضلاً عن إحكامه لعمليات الرقابة والإشراف على البنوك، والقضاء على ظاهرة الدكاكين المصرفية التى انتهت بوصول عدد البنوك إلى 39 بنكاً مقارنة بـ57 بنكاً، كما نجح فى زيادة حجم الاحتياطات الدولية من 14 مليار دولار أمريكى فى ديسمبر 2003، لتصل إلى 36 مليار دولار فى ديسمبر 2010، وبدأ أيضاً شرارة التطوير التكنولوجى التى سنشاهد آخر ما توصلت إليه من طفرات مع تولى طارق عامر فيما بعد.
هشام رامز يقود السياسة النقدية خلال مرحلة انتقالية استثنائية
والتقط هشام رامز طرف الخيط ليستكمل ما بدأه كواحد من أهم النواب الذين اعتمد عليهم العقدة خلال فترات الإصلاح المصرفى الأولى والثانية، ومع توليه لزمام الأمور فى قيادة البنك المركزى المصرى مع فريقه الذى تضمن جمال نجم ونضال القاسم كنائبين له خلال الفترة القصيرة التى قاد خلالها السياسات النقدية منذ فبراير 2013 وحتى نوفمبر 2015.
وعكف رامز على حماية استقرار النظام المالى فى وقت عصيب للاقتصاد المصرى، الذى شهد حالة من عدم الاستقرار لفترة دامت نحو 4 سنوات متتالية، استُنزفت خلالها الاحتياطات الأجنبية التى وصلت مرة أخرى إلى 14 مليار دولار، وتراجعت إيرادات الدولة مع تراجع السياحة الوافدة وهروب المستثمرين جراء الاضطرابات السياسية، وارتفعت فاتورة المصروفات، وتزامن ذلك مع سداد نحو 6 مليارات دولار التزامات مستحقة على مصر.
وهو ما دفع هشام رامز لتطبيق سياسات «حوكمة» حركة الصرف للسيطرة على فاتورة الواردات، وتوفير الموارد الدولارية للسلع الأساسية، والقضاء على عملية استيراد السلع الاستفزازية التى أهدرت الكثير من موارد الدولة.
ومع الجهود الكبيرة لإدارة رامز للحفاظ على الاستقرار المالى للبلاد، توجه أيضاً لدعم الفئات محدودة الدخل ومتوسطى الدخل، للحصول على سكن كريم، من خلال إطلاقه لمبادرة التمويل العقارى بأسعار فائدة منخفضة.
ومن ثم قدم هشام رامز استقالته ليتولى من بعده طارق عامر زمام الأمور، ليبدأ الاقتصاد المصرى فى العبور من مرحلة انتقالية قادها رامز بكل شجاعة، لمرحلة جديدة من الإصلاح بطلها الأول هو طارق عامر.
ظهرت بصمات عامر الأولى فى الكتاب التاريخى للاقتصاد المصرى، تحديداً فى نوفمبر 2016، أى بعد عام من توليه قيادة البنك المركزى المصرى، وذلك من خلال إطلاقه إشارة البداية لبرنامج الإصلاح الاقتصادى الجرىء والصعب الذى قامت به الدولة، ليثبت القطاع المصرفى من جديد أنه المحرك الرئيسى لعمليات الإصلاح الاقتصادى التى شهدها الاقتصاد المصرى عبر التاريخ، حيث قام البنك المركزى بتحرير سعر الصرف، ووضع حد للتلاعبات التى شهدها الجنيه المصرى جراء المضاربات والسوق الموازية لتداول الدولار، لينتهى بذلك عصر السوق الموازية الذى سبب هاجساً لمديرى السياسة النقدية، بجانب زيادة الميزة التنافسية السعرية للصادرات المصرية بنحو 18%، وزيادة تحويلات العاملين بالخارج بـ12%، ونمو إيرادات القطاع السياحى بـ9% خلال الربع الأخير من 2016.
طارق عامر يضع حداً لتحديات "العملة والاحتياطى والاستيرا".. ويصدّر للعالم نموذجاً مثالياً لإدارة السياسة النقدية فى أوقات الإصلاح
ونجح «عامر» وفريقه المكون من جمال نجم ولبنى هلال كنواب، بالإضافة إلى عدد كبير من الوكلاء الذين يتمتعون بخبرات مصرفية واقتصادية متميزة، فى القضاء على الاختلالات الهيكلية التى لحقت بالاقتصاد المصرى بعد فترة من الإضرابات السياسية التى أثرت بالسلب على الاقتصاد الوطنى، كما أجادت إدارة عامر استخدام أداة أسعار الفائدة ببراعة للسيطرة على جماح التضخم الذى وصل إلى 34.7% فى يوليو 2017، ليصل إلى 2.4% خلال ديسمبر 2019، كما نجح فى تحسين مؤشرات السلامة المالية للقطاع المصرفى، ليرتفع معدل كفاية رأس المال إلى 16.7% فى يونيو 2019، وتراجعت نسب القروض غير المنتظمة إلى 4.2% خلال الفترة نفسها.
وشهدت العديد من المؤشرات ارتفاعاً جراء السياسة النقدية الناجحة التى انتهجها البنك المركزى تحت قيادة عامر، والتى من أبرزها وصول الاحتياطات النقدية إلى 45.4 مليار دولار بنهاية ديسمبر المنقضى، وتحسن مؤشرات التصنيف الائتمانى للاقتصاد المصرى دولياً، ودخول الاستثمارات فى أدوات الدين ضمن الأكثر جذباً عالمياً متأثرة بقوة العملة المحلية.
وبجانب سياسات عامر النقدية الناجحة، امتدت الإصلاحات التى قام بها إلى جانبين من أهم الجوانب التى أدخلت الاقتصاد المصرى فى عصر جديد من الازدهار، الأول يتمثل فى مبادرات الشمول المالى ليستكمل من خلالها ما بدأه فاروق العقدة لنشر أحدث النظم التكنولوجية فى القطاع المصرفى، ولكن هذه المرة كانت طموحات عامر أكبر، حيث نجح فى إدخال أحدث نظم الدفع ليس فقط فى البنوك والمصارف، وإنما فى معظم المعاملات المالية فى الاقتصاد المصرى بشكل عام، وذلك من خلال تدشين «Fin Tech Egypt» وحدة التكنولوجيا المالية والابتكار بقطاع نظم الدفع وتكنولوجيا المعلومات بالبنك المركزى، فضلاً عن إطلاق بطاقة ميزة الوطنية لتسهيل المعاملات المالية المقترنة بالمصالح الحكومية.
أما عن الجانب الثانى والأهم، الذى ساهم بنسبة كبيرة فى دفع معدلات النمو الاقتصادى لتصل إلى 5.6% خلال العام المالى الماضى، فقد أطلق عامر العديد من المبادرات التى دعمت كلاً من المواطن والمستثمرين على حد سواء، حيث قام بإطلاق مبادرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة لدعم انتشار هذا القطاع، وتنفيذاً لتوجه القيادة السياسية باعتماد الاقتصاد المصرى عليه خلال الفترة القادمة، فضلاً عن تجديد مبادرة التمويل العقارى التى أطلقها هشام رامز، وإطلاق مبادرة للمصانع المتعثرة، ومبادرة لدعم قطاع السياحة، ومبادرة لدعم رأس المال العامل وتشغيل المصانع المتوقفة، وغيرها من المبادرات التى سطرت صفحة جديدة فى ازدهار الاقتصاد المصرى.
ويأتى ذلك بالإضافة لتطبيق معايير «بازل 3» بنجاح وتأهيل القطاع المصرفى لتطبيق معايير «بازل 4» والمعايير الدولية الحديثة التى تستهدف تعزيز مؤشرات الأمان فى النظم البنكية مثل IFRS9.
ونال عامر نتيجة جهوده الكبيرة إشادات ضخمة فى المحافل الاقتصادية الدولية، وحصل على العديد من الجوائز، ودخل ضمن القوائم العالمية للشخصيات الأكثر تأثيراً، ليضع بذلك اسم مصر وتفعيل دورها الريادى بين القطاعات المصرفية فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.