المصري العائد من الصين يحكي لـ"الوطن" كواليس أيامه بين الفيروس والعودة

المصري العائد من الصين يحكي لـ"الوطن" كواليس أيامه بين الفيروس والعودة
شوارع أصبحت خاوية على عروشها، بعد أن كانت تفيض بآلاف من المارة وآلاف من السيارات، ورحلة عمل أو شراء المنزل التي كان مترو الأنفاق المزدحم هو السبيل إليها، أصبح يقضيها وحيدا أو لا يجد سوى شخص واحد يرافقه الطريق، وساءت الأوضاع حتى أصبح تدبير "الكمامات" الواقية من انتقال عدوى فيروس كورونا المستجد أمرًا صعبا، فكان إبراهيم نجم، أحد أفراد الجالية المصرية بالصين، وبقية المصريين، يحيكون الحِيِّل لتوفيرها عن طريق الاستيراد الشخصي من مصر.
وصل إلى مصر صباح أمس، إبراهيم، قادما من مدينة جوانجو القريبة من مقاطعة "ووهان" الموبوءة بفيروس كورونا، حيث كان قد سافر إلى الصين في عام 2009، ضمن بعثة من جامعة قناة السويس لدراسة اللغة والثقافة الصينية، ليجد هناك شغف الحياة العملية والاجتماعية، متزوجا من فتاة صينية، لينجب طفلتين، أصغرهما بعمر 9 شهور والثانية 3 شهور ونصف، ويزور مصر وعائلته كل فترة، لتنقلب الموازين، مع سوء الوضع فيقرر أن يتقدم موعد عودتهم إلى مصر، بمجرد أن استطاع الحصول على تذاكر طيران، بدلا من العودة في أبريل كما كان مقررًا.
يحكي المصري العائد من الصين، لـ"الوطن"، لحظات من الرعب والخوف والحذر، قضاها وأسرته بين جنبات المنزل منذ 23 من ديسمبر الماضي حين بدأ المرض في الظهور، "قررنا وقتها إن حتى لو المرض مش في المدينة محدش هيخرج غير للضرورة طول ما إحنا مش محتاجين حاجة من برة، وفعلا ماخرجناش غير نادرا لأن احتياجات البيت كلها موجودة وبرة أصلا لا فيه مترو ولا مواصلات".
الخروج من المنزل كان أمرا صعبا، يلزمه مطهرات وكمامة وطوال مدة بقائه بالخارج يحرص على عدم لمس أي شيء، وحين العودة كان خلع الملابس خارج المنزل أو تركها في الشُرفة واستخدام المطهرات مرة أخرى، وكان الخروج مقتصرا عليه، فأسرته طوال تلك الفترة لم تخرج سوى مرة واحدة لزيارة أهل زوجته وتحت إجراءات احترازية أشد "الأمان كان في حبسة البيت والعزلة ومرة خرجت أشتري طلبات ماعرفتش من زحمة الناس في السوبر ماكت.. الشوارع فاضية جدا والمحلات زحمة جدا وأحيانا مش بنلاقي طلباتنا وخايف اشتري أكل ينقلنا العدوى".
الأزمة جعلت من توفير المطهر والقناعات الطبية أمرا صعبًا على الصينيين أنفسهم، لذلك عملت الجالية المصرية على توفيق أوضاعها بالتواصل مع الأهل والأقارب في مصر والتواصل مع بعضهم لمعرفة أقرب مسافر إلى الصين كي يتزود بما يحتاجون، وإن لم يجدوا كان الاتفاق مع إحدى المضيفات "كنا بنجيب الأدوية والحاجات اللي فيها عجز من مصر ومكفيين نفسنا بالخطة بتاعتنا وخصوصا لما بقى مفيش ناس بتسافر".
منذ 5 أيام كان المرض قد اقترب من "نجم" كثيرًا، فأصاب اثنين من سكان منطقته، ما أثار الرعب في نفسه ونفس العائلة، لكن الإجراءات الاحترازية كانت تطمئنه نوعًا ما، إلى حين تواجدت التذاكر بعد إلغاء الصينيين لرحلاتهم السياحية، ونتيجة لضغط أهله في مصر قرر العودة "الدنيا هناك بقت صعبة جار اتصاب وواحد في مستشفى قريبة.. وعرفنا إن فيه دكاترة اتصابوا والمرض اتنقلهم عن طريق العين، يعني مثلا حد عطس وحد لمس الرزاز اللي بيطير وينزل على أي مكان وإيدي جت على عينة يبقى خلاص كدة ووقتها قررت أرجع رغم إن الخروج من البيت وركوب عربية وطيارة ومخالطة الناس كان مخوفني جدا وخصوصا إن بناتي صغيرين والمناعة مش بتقاوم".
في طريق السفر، لم يكن الأمر صعبا كما كان "نجم" يتخيل، فإجراءات الحجر الصحي في الصين تقتصر على أن يملأ المسافر بطاقة يجيب على بعض الأسئلة التي توضح مدة إصابتي بالمرض من عدمه وزيارة مدينة "ووهان"، ثم الدخول إلى غرفة لقياس درجة الحرارة، من ثم الصعود إلى الطيارة، لكن الحذر كان باديًا على كل من يعمل بالمطار الصيني "المرض بيظهر خلال 7 لـ14 يوما ودرجة الحرارة دي ممكن أي حد ياخد خافض ويبقى كويس وقت الفحص والكحمة برضو.. اعتقد المفروض يكون فيه فحص أكتر لكن هتبقى الدنيا معقدة".
قبل أن تصل طائرته إلى مطار القاهرة، تم توزيع بطاقة الحجر الصحي المصرية عليه وعلى مرافقيه في طائرة معظم مقاعدها بلا ركاب، إلى أن هبطت وبدأ النزول، فلا أحد يرتدي قناعًا طبيًا بدءً من الصاعدين إلى الطائرة لتنظيفها وحتى للموظفين بالخدمات الأرضية بالمطار، وفقا لرواية "نجم"، ما دعاه للشعور بالقلق: "المرض كدة سهل يتنشر جدا"، مضيفًا "نزلت صالة 3 ودخلت قياس الحرارة زي الصين، لكن الناس اللي نزلوا ترانزيت في صالة 2 عرفت منهم إن مفيش حجر صحي ولا قياس حرارة.. مطار مصر الحقيقي كان كله إهمال ومفيش رقابة يمكن بيستلموا الماسكات ومش بيلبسوها".
لم تمر سوى ساعات معدودة منذ أن عاد إبراهيم نجم إلى مصر، يحرص على التعامل بحرص إلى حد ما، يرتدي كمامته أحيانا، لكنه حريص على استخدام المطهرات، يميل إلى عدم الاحتكاك مع أسرته، لكن الحذر أصبح أقل، "فيه ناس بتقلق لما تعرف إني جاي من الصين وحقهم والمفروض كل الناس تعلم كدة علشان محدش عارف مين شايل المرض وفيه ناس بتلبس الكمامة بالغلط وبيكون مالهاش لازمة.. يا ريت كله يعرف الوقاية صح ويبقى فيه مسافات بين الناس وهي بتتواصل مع بعض لأن إحنا شوفنا حاجات كتير صعبة.. الدكاترة بيتنقلهم المرض وهما عاملين كل الوقاية اللازمة".
واختتم نجم حديثه لـ"الوطن" سأعود وعائلتي إلى الصين حين تستقر الأوضاع وأتوقع أن يتم ذلك في غضون شهر.