نقابة الأطباء ووزارة الصحة
لثانى مرة أكتب فى هذا الموضوع، لأننى أشعر بالأسف الشديد أن يكون هناك خلاف وصراع بين النقابة والوزارة، وهما جناحا المهنة، والعلاقة بينهما يجب أن تُسخّر لخدمة مهنة الطب ورفع مستوى أداء الخدمات الطبية والارتفاع بالمستوى المهنى والعلمى والأخلاقى للأطباء ومستوى رعاية صحة المرضى ورضائهم عن حقهم فى الصحة والعلاج.
لقد حدثت كارثة أصابت الأطباء ومهنة الطب بوفاة ثلاث طبيبات فى مقتبل الشباب وأنهت الكارثة مشواراً طويلاً من العناء والمجاهدة من أجل أن يحصل هؤلاء الشابات على تخصصهن فى الطب، وانتظر أهاليهن الوقت الكثير كى يفرحوا بأداء بناتهن. وأقدّر مدى المصيبة التى أصابتهم، وأشعر أنا شخصياً بالحزن الشديد والغضب الشديد من سوء الإدارة وحشد هؤلاء الطبيبات بعد قرار سريع بسفرهن للقاهرة وبدون وسيلة سفر مناسبة سوى عن طريق «ميكروباص»، ونعلم مستوى الحشد والسفر بدون ترخيص للمركبة أو للسائق وعدم احترام قوانين المرور. ولعلى كتبت أيضاً مرتين عن حوادث الطرق، وما زلت أطمع أن تجد التوصيات طريقها للتنفيذ على يد وزير الداخلية ووزير النقل ووزير التنمية المحلية.
لقد أدت النقابة دورها وأظهرت اهتمامها بالسرعة فى التصرف وكذلك صرف الإعانات وعقد التأبين والمطالبة بالتحقيق السريع وتوفير إمكانيات للتدريب والتعليم فى أماكن العمل وعن طريق فيديو كونفرانس، ولكنهم أيضاً اعترضوا على بطء تصرف وزارة الصحة والتنمية المحلية، وازداد التوتر بين الجانبين، مما لا يحقق المصلحة العامة وأهداف الرئيس فى إعطاء الرعاية الصحية أهمية كبرى، والتعاون والتفاهم والتقارب بين الوزارة والنقابة من أهم الوسائل لتحقيق هذا الغرض. وأنا أذكر عام 69 عند إنجاز قوانين نقابات المهن، وكان هناك صوت عال من التيار اليسارى بأنه لا يجوز أن تكون هناك أكثر من نقابة للعاملين فى الخدمات الصحية من أطباء وفنيين وتمريض وعمالة، مطالبين بأن يكون هناك تنظيم نقابى واحد، واشتركت فى المناقشة الدائرة حول هذا الموضوع، وأبديت الرأى بأننا فى حاجة بجانب النقابات العمالية إلى تجمُّع مهنى للعاملين بالفكر والعقل من أطباء بشريين وأسنان وهيئة تمريض لأنهم عليهم واجبات أخرى بجانب التفكير النقابى والمهنى والدفاع عن حقوق أفرادها، والأهم هو الارتفاع بمستوى المهنة من الناحية الفنية والتمريضية والصحية، وتقديم خدمة طبية ذات جودة والمشاركة فى التخطيط الصحى وإصدار القوانين التى تنظم أداء المهنة وتوفر لها الاستقرار وحسن الأداء.
ولذلك جاء فى أهداف إنشاء النقابة، وهذا مذكور فى قانون مزاولة المهنة، 14 بنداً، منها 10 بنود على الأقل تركز على مستوى الأداء ورعاية المريض وتقديم الخدمة الصحية بكفاءة وجودة، وعلاقات عربية وأفريقية ودول عالم ثالث لصالح المهنة، وكذلك الارتفاع بمستوى التعليم الطبى ما قبل التخرج والتدريب، وما بعد التخرج والتدريب المستمرين، كما اهتم القانون بلائحة آداب المهنة وأخلاقيات الممارسة ورعاية أصحاب الدخل القليل وتنظيم العلاج الخاص، ويكون لوزارة الصحة دخل فى ذلك (القانون متاح لمن يريد الاطلاع عليه).
نقابة الأطباء لديها مثل هذا الحق فى المطالبة بأن يكون لها دور فى السياسة الصحية وأن تعطى مسئولية مناقشة القوانين وإبداء الرأى، وهذا لا يقلل من مسئولية وزارة الصحة لأن النقابة لها دور تنفيذى ولكن الدور هو دور وطنى وأخلاقى ومسئولية كبرى لدى الوطن والمواطنين. واتصال وزارة الصحة الدائم بنقابة الأطباء والتنسيق معها فى القضايا الصحية هو واجب وطنى أرجو ألا تهمله أو تتخلص منه.
فى بداية اختيار الدكتورة هالة زايد لوزارة الصحة دعتنى لزيارتها فى مكتبها، وحضر أيضاً السيد نقيب الأطباء حسين خيرى، وكانت تركز على بيئة العمل للأطباء من الناحية الإنسانية والمادية وظروف السكن والمعيشة والدراسة، وكان واضحاً أنها سيدة من طراز متفهم لمشكلات الممارسة الطبية ولديها الرغبة فى الارتفاع بالمستوى المهنى والعلمى والإنسانى للأطباء والعاملين فى وزارة الصحة.
وسعدت بالعلاقة القوية بينها وبين الدكتور حسين خيرى النقيب، والذى كان عميداً لكلية طب قصر العينى فى وجود السيدة الوزيرة أستاذاً بالكلية، ثم حدثت مفاجأة جميلة بالنسبة لى، وهى دعوة المجلس الأعلى للخدمات الصحية الذى صدر به قرار من رئيس الوزراء فى عهد المرحوم الدكتور إبراهيم بدران أثناء وجوده وزيراً للصحة فى نهاية السبعينات، وهو مشكّل من جميع الجهات التى تقدم خدمة صحية، وعلى رأسها المستشفيات الجامعية وكليات الطب، وكان السيد وزير التعليم العالى حاضراً هذا الاجتماع، ثم نقيب الأطباء ورئيس اللجنة الصحية لمجلس الشعب، ورئيس الخدمات الطبية للقوات المسلحة والشرطة، وعدد من الجهات التى تقدم خدمات طبية، مثل وزارة الإنتاج الحربى ووزارة الكهرباء وقناة السويس، وعدد من رؤساء المستشفيات الخاصة، ورئيس التأمين الصحى والمستشفيات التعليمية، وبعض الشخصيات العامة، ومن بينهم نقيب الأطباء الأسبق حمدى السيد. كان لدىّ يقين أن العمل بالمجلس الأعلى للخدمات الطبية هو الطريق الأمثل لتحسين كل قوى الخدمات الطبية فى مصر لصالح التأمين الصحى الشامل والاستفادة بكل ما هو متاح على أرض الوطن من أجل تقديم خدمات طبية جيدة المستوى لصالح التأمين الصحى.
الأستاذة الفاضلة وزيرة الصحة، كنت أتمنى أن تستمرى فى نفس الاتجاه وتستفيدى بكل ما هو متاح للخدمة الصحية، وكان لدىّ الأمل فى أن تكون العلاقة مع نقابة الأطباء علاقة متكافئة وحميمة لصالح الخدمة الطبية، خصوصاً والوزارة مقبلة على صرح كبير أسميه السد العالى للصحة، وهو التأمين الصحى الشامل.
أرجو أن يكون هناك اجتماع مشترك مع نقيب الأطباء، وأنا على استعداد للاشتراك وأبلغ سيادتكم أننى أثناء عملى النقابى، 32 عاماً، منها 26 عاماً نقيباً، عملت وتعاونت واشتركت فى مناقشات ومداولات فى جميع مشروعات القوانين، وساعدت وساهمت فى العديد منها مع 18 وزيراً للصحة، جميعهم كانوا دائمى الحضور للنقابة لمناقشة موضوعات الصحة، وكنا نجتمع فى شهر رمضان على الإفطار، وكان وزير الصحة يحضر جميع اللقاءات العلمية للنقابة، وكنا ندافع عن موازنة الصحة أمام وزير المالية وأمام مجلس الشعب.
الأستاذة وزيرة الصحة، لا أنكر عليكِ جهودك الدائمة وانتقالك إلى المحافظات لمتابعة تحديث المستشفيات العلاجية ولإعداد التأمين الصحى، ونجاحك فى المشروعات الكبرى «100 مليون صحة، الاكتشاف المبكر للأورام، نهاية الملاريا، التخلص من قوائم الانتظار، الاهتمام بتدريب الأطباء وتخريج الأخصائيين» وأرجو لك دوام التوفيق.