ماذا يتعلم السياسيون من يورجن كلوب؟

إمام أحمد

إمام أحمد

كاتب صحفي

رأيت وأنا أسير فى إحدى المقابر ضريحاً يحمل عبارة: هنا يرقد السياسى الناجح والرجل الصادق، فتعجّبت: كيف يُدفن رجلان فى قبر واحد؟. مزحة ونستون تشرشل، أشهر رئيس وزراء بريطانى، لم تكن إلا شهادة على سوء سلوك السياسيين واعتماد أغلبهم على الكذب والخداع لتحقيق أغراضهم، لكن إذا كان القائد الإنجليزى فى الحرب العالمية الثانية أشار إلى الداء، فإن قائداً آخر جاء بعده بسبعين عاماً ليُقدم الدواء، ويشرح كيف يمكن أن تكون ناجحاً وصادقاً على حدٍّ سواء. هذا الرجل ليس زعيماً ولا رئيس حكومة، لكنه مدرب من طراز فريد جداً، يقدم دروساً كروية داخل المستطيل الأخضر، كما يقدم دروساً من نوع آخر خارج المستطيل الأخضر، قد يستفيد منها السياسيون.

(١) الثامن من أكتوبر ٢٠١٥ كان يوماً سعيداً فى مدينة ليفربول الإنجليزية، فى ذلك اليوم جاء الرجل الألمانى القوى، المعروف بجديته وشغفه وفلسفته فى الضغط العالى، ليقود كتيبة الريدز. كانت آمال الإدارة الجديدة عالية، وأحلام الجماهير التى تنتظر عودة أمجاد الماضى كبيرة، الكل انتظر وعود «كلوب».. لكن «كلوب» خيّب رجاء الجميع فى ظهوره الأول داخل الأنفيلد حين همس فى أذن الإدارة، ثم جاهر أمام الجماهير: «لن نحصل على بطولات هذا العام، ولا العام المقبل، ربما مع العام الثالث نبدأ حصد أول بطولة لنا». واقعية كلام «كلوب» كانت صادمة للجميع، لكن الصدمة التى تيقّظ أهلها فى أول الطريق، خير من صدمة تنتظرهم فى النهاية بعد سباتٍ عميق.

هذا هو الدرس الأول الذى يجب أن يتعلمه السياسيون من يورجن كلوب، كن واقعياً، ولا تفرش الأرض المزروعة شوكاً بالورود، ولا تعِد بما لا تملك.

(٢) عندما أخبر الرجل الألمانى إدارته وجماهيره بأن الفريق سيبدأ حصد الألقاب مع ٢٠١٨، لم يكن ذلك مجرد كلام، لم تكن شعارات، لم تكن أمانى وأحلاماً، بل كانت خطة مدروسة تقدم بها الألمانى تتضمّن مراحل بناء الفريق فى العام الأول، ثم تدعيمه فى العام الثانى، وصولاً إلى هذه النسخة المطورة التى ظهرت مع العام الثالث واستطاعت المنافسة وحصد البطولات. الألمانى يحصد اليوم ما زرعه أمس.

هذا هو الدرس الثانى الذى يجب أن يتعلمه السياسيون من يورجن كلوب.. المستقبل لا يُبنى بالكلمات، لكن بالتخطيط الجيد والعمل الجاد.

(٣) جاء الألمانى فى سياق صعب للغاية، تولى مهام فريق له ماضٍ كبير، لكنه بلا حاضر. الألقاب تفارقه منذ سنوات بعيدة، فقد شخصية البطل منذ زمن، خزينته بلا فائض، جماهيره غاضبة، كفاءة لاعبيه لا تؤهله، كل الظروف لا تقود إلى مستقبل، لكن الألمانى صنع هذا المستقبل الأفضل بحلول مبتكرة وخيال صائب، عمل على حل المشكلات بدلاً من تصديرها.

هذا هو الدرس الرابع الذى يجب أن يتعلمه السياسيون من يورجن كلوب.. إذا لم تجد طريق النجاح؛ فعليك أن تصنعه.. أو تعتزل!

(٤) رغم ما يقدّمه الألمانى مع كتيبة الريدز من معجزات كروية دفعت إلى تصنيف فريقه كمرشح أول لمنصات التتويج بعد سنوات من الاختباء فى منطقة الظل، فإنك من الصعب أن تضبط كلمة «أنا» فى قاموس الرجل، أو تعثر عليه متلبساً، ولو لمرة واحدة، فى واقعة سرقة انتصار ينسبه إلى نفسه أو إلى أحد المقرّبين إلى قلبه، فكل انتصاراته ينسبها إلى المجموع، إلى عائلة الأنفيلد.

هذا هو الدرس الرابع الذى يجب أن يتعلمه السياسيون من يورجن كلوب.. انتهى زمن الفرد والزعامات، أصبح جزءاً من الماضى، مثل الآلة الكاتبة، وماكينة الخياطة، وعربات الجاز، وبدأ العالم زمناً جديداً، الانتصارات فيه جماعية.. والهزائم أيضاً جماعية.