الرئيس عبدالفتاح السيسى
أكتب هذه الإضافة فى الطبعة الثانية للكتاب، الذى صدر فى أوائل مارس 2013، بعد ثورة 30 يونيو، حتى أستكمل رحلة حياتى التى بلغت تسعين عاماً. وحتى أستكمل شهادتى التى أعبر فيها عن رأيى بصفتى على وشك أن أودّع الحياة بلا مطمع أو مغنم لى أو لأسرتى.
لقد ذكرت فى صفحات الكتاب حديثى مع الدكتور عصام العريان الذى كان يشغل أمين صندوق النقابة صباح الخميس 26 يناير 2011، عندما سألته أين الإخوان فى مظاهرة 25 يناير؟، فأخبرنى أن الإخوان رفضوا المشاركة حتى لا يسيئوا إلى جهاز الأمن فى يوم الاحتفال بعيدهم فى 25 يناير، وفى اليوم نفسه وما تلاه من أيام، انطلق الإخوان فى خطة منظمة ومدروسة فى الاستيلاء على ثورة الشباب والهجوم على 49 قسماً للشرطة، وقتل الضباط والجنود، ومهاجمة السجون، والإفراج عن الإرهابيين القتلة، والمحكوم عليهم فى قضايا الإرهاب، وبعضهم محكوم عليه بالإعدام، ثم مهاجمة وحرق ونهب المنشآت، ومن بينها المتحف المصرى، وسرقة عدد من آثار مصر، وكذلك المتحف الإسلامى، ومقر مديرية أمن القاهرة. وبعد انسحاب الرئيس حسنى مبارك، وفى وجود اللواء عمر سليمان، أرسل لى نقيب المحامين الأستاذ حمدى خليفة، وطلب التوسط لدى «الإخوان»، للاشتراك مع مجموعة من الوطنيين وأقطاب الأحزاب لتهدئة الوضع وإنشاء حكومة وطنية تُنهى المشاكل وتحقق فى كل التجاوزات، وتسعى لتحقيق مطالب الثورة، وذهبنا إلى مقر الإخوان فى الروضة، وانتظرنا لمقابلة مسئول للحديث معه، ولم نجد سوى الإهمال وعدم الاستعداد للحديث، وشعرت بغضب شديد بصفتى تعرّضت للكذب والتغييب، وكنت سليم النية وحسن الظن بهم، أن هذه جماعة سياسية حريصة على صالح الوطن، وتريد المشاركة فى الحكم بصفة سلمية، وتحقيق الأمن والاستقرار. وبلغ النصب والاستغفال أقصاه عندما طلب منى الدكتور عصام العريان التوسط لإصلاح ما بين الإخوان والنظام، واستعدادهم للتعاون إلى أقصى حد، لكن جهودى فشلت بسبب أن ما اعتقدته من حسن ظن غير حقيقى، وأنه عند الظرف المناسب ستنضم صفوف الإخوان مع الجماعات الإسلامية للاعتداء على النظام وتدميره.
لقد ظهرت نوايا الإخوان فى الفترة الوحيدة التى تولوا فيها الحكم، وكان رئيس الجمهورية يتخذ قراراً ثم يلغيه مكتب الإرشاد، وعليه السمع والطاعة.
لقد أبلغنى أحد قيادات الإخوان أنه ليست لديهم نية حكم البلد فى هذه المرحلة، حيث إنه ليست لديهم كوادر، وحيث لم يسمح لقيادات الإخوان الحكومية بالحصول على أكثر من الدرجة الثانية، وبذلك انعدم الحصول على كوادر. وكانت رؤيتهم أن يشاركوا فى المرحلة الأولى بالرأى، ويكونوا كتلة برلمانية لمحاسبة الحكومة، ثم يصلوا للحكم فى مرحلة ثانية، وكما يدّعى أن ضغط شباب الإخوان كان من أسباب استعجالهم فى طلب الحكم، وبدأ تنفيذ خطة أخونة أجهزة الدولة، وعلى رأسها جهاز الأمن، والقوات المسلحة، والقضاء، ثم مغازلة أعداء الوطن، بأنهم على استعداد للتصالح والتنازل عن سيناء لتكون مقراً للفلسطينيين، وتسليم كامل الأرض الفلسطينية لليهود.
كل هذا وأكثر تنفيذاً لتأكيد أن الإخوان باقون فى حكم مصر وإذلالها خمسمائة عام، لولا أن تدخّلت الإرادة الإلهية، وحمل المسئولية الوطنية وزير الدفاع عبدالفتاح السيسى، وأصدر الإنذار للحكومة ولنظام الإخوان باستفتاء الشعب على موافقته على استمرارهم فى الحكم، ومن فضل الله أنهم رفضوا ذلك، وخرج الشعب العظيم فى 30 يونيو لدعم ثورة الإصلاح. إننى على المستوى الشخصى بصفتى أحد الذين تم خداعهم من هذه الجماعة، أشكر الله صباحاً ومساءً ويشاركنى فى ذلك الكثيرون من أحباء هذا الوطن، وأطالب بأن نقف وراءه، معترفين له بالجميل.
لقد ألهمه الله أن يثق فى هذا الشعب، وأنه سيقف خلفه، ولا يمكن أن ينسى تضحياته، وليس كما يعتقد البعض أن الشعب ضعيف الذاكرة وأنه ينسى بسرعة.
وأنا شخصياً أعتقد أنه من أفضل الرؤساء بعد الرئيس عبدالناصر، وكنت أتمنى أن تكون مدة الرئاسة فى الدستور ست سنوات، وألا توجد قيود على أكثر من دورتين، ولى فى ذلك أسباب أوجزها فى ما يلى:
أولاً: الرئيس السيسى يتمتع بميزات كثيرة، منها أنه قادر على اتخاذ القرار، ولا يهرب من المسئولية، فالإنذار الذى أعطاه لنظام الإخوان لقبول الاستفتاء على استمراره، لو فشل كان سيؤدى إلى عواقب وخيمة يخشاها ويتهرّب منها الشخص العادى.
ثانياً: الإصلاح الاقتصادى، الذى هرب منه الرؤساء السابقون، خوفاً من مضاعفات زيادة الأسعار والخوف من انخفاض الشعبية كان يحتاج إلى شخصية لها مواصفات الرئيس السيسى كى ينقذ مصر من مستقبل اقتصادى وخيم، والدولة كانت على شفا الإفلاس، وبشهادة جميع الهيئات الدولية والاقتصاديين المصريين وغيرهم، أن هذا قرار شجاع وحكيم وسيكون له نتائج باهرة تتعلق بالنشاط الاقتصادى والاستثمار فى مصر.
ثالثاً: تصدى الرئيس السيسى لمشاكل مصر الاجتماعية والاقتصادية بحماس ونشاط كبير، يعمل كل العام، وفى لقاءات مع كل القيادات، حتى ادّعى بعض الكارهين أنه يقوم بعمل الوزراء، لكنه يقوم بالتنسيق بين الوزارات، لأن الجميع يعلم أن معوقات الإصلاح تكون فى بعض الأحيان بسبب عدم التنسيق بين الوزارات واختلاف وجهات النظر والخوف من اتخاذ القرار، وأنا أشفق عليه من الإجهاد وأدعو الله أن يحميه ويساعده.
رابعاً: قام بترميم العلاقات بين مصر والدول الكبرى، وأخص بالذكر الاتحاد السوفيتى والصين وفرنسا وألمانيا وإنجلترا، فضلاً عن عودة الاتصالات مع الولايات المتحدة، وأعطى أفريقيا الاهتمام بعد أن أهملت منذ غياب «عبدالناصر»، وأعاد لها الزخم والاهتمام.
خامساً: بعض المواطنين مع الأسف ينتقدون المشروعات الكبيرة، مثل الطرق والكبارى والأنفاق والمدن الجديدة والعاصمة الجديدة ويقولون هذه مشروعات مكلفة وبلا عائد سريع ملموس والناس تعانى من ارتفاع الأسعار وصعوبة المعيشة.
ونسى هؤلاء أن هذه المشروعات كثيفة العمالة كانت ضرورية لاستيعاب البطالة، وإنعاش الاقتصاد والسيولة المالية فى المجتمع، وأحب أن أذكر تجربة الولايات المتحدة فى عام 1930، حيث كانت الأوضاع فى الولايات المتحدة متردية، فالبطالة وصلت إلى 20٪، وانتشرت عصابات الإجرام والمهربين، وكانت الحياة المعيشية فى غاية الصعوبة، وانتخب الرئيس روزفلت رئيساً، وقام بعمل عظيم بأن أنفق أموالاً طائلة على رصف الطرق وربط الولايات، وتم إنشاء الكبارى ومحطات القوى، وحل مشكلة البطالة وأنعش الاقتصاد، وخرجت أمريكا من الضائقة الاقتصادية، وعند حدوث الحرب العالمية الثانية شاركت أولاً فى دعم الحلفاء بالسلاح والاحتياجات الضرورية، ودخلت الحرب بعد معركة بيرل هاربر، وأنهت الحرب لصالح الحلفاء، وأسهمت فى تحرير شمال أفريقيا وتحرير أوروبا وهزيمة الألمان، وأنهت الحرب بهزيمة ساحقة لليابان.
سادساً: أنجز مشروعات هائلة فى جميع المجالات، خصوصاً محطات القوى، واعتماد محطة الضبعة للقوى النووية، وتوليد طاقة أكبر من ثلاثة آلاف ميجاوات، بالاتفاق مع الاتحاد السوفيتى، وتطبيق أقصى مراحل الوقاية والأمان، وإنشاء أكبر محطة لتوليد الطاقة من الشمس والرياح، ونشط البحث فى مجال البترول والغاز، وتم افتتاح أكبر محطة للغاز فى الشرق المتوسط، وستظهر نتائج هذه الاكتشافات فى السنوات القليلة القادمة.
سابعاً: استخدام القوات المسلحة بكل إمكانياتها المادية والتعبوية والالتزام فى العديد من هذه المشروعات، وكان دورها العمل المباشر كما فى بعض الطرق والكبارى، أو تقوم بدور المشرف والتعاقد مع القطاع المدنى، لضمان السرعة فى الإنشاء والدقة فى الأداء والتنفيذ، وبدأنا نشاهد طرقاً، مثل الحرير، وكبارى فيها الجانب الجمالى، وتتم فى أوقات قياسية.
وأنا أعتقد أن مصر فى حاجة إلى جهود القوات المسلحة فى القطاع المدنى لسنوات قادمة، لأنها أنجزت إلى الآن ما يشرف فى جميع المجالات.
وأقول لمن يتباكى على القطاع المدنى إنه فى معظم الأحيان يتم التعاقد مع قطاع المقاولات ومصانع الأسمنت والبورسلين والأخشاب والنجارة وغير ذلك، ويتم الالتزام بالكفاءة والوقت.
وكانت لدينا فى الماضى منشآت يتم إنشاؤها فى عشرين عاماً، وهناك أمثلة كثيرة لمستشفيات فى القطاع الصحى انتهت فى عشرين عاماً بدأت بها أعمال الصيانة قبل أن تبدأ العمل، والسبب يعود إلى الالتزام والضبط العسكرى، وعدم قدرة أحد على رشوة مهندس القوات المسلحة فى تسلم الطرق أو الكبارى أو المبانى أو الأنفاق وبها عيوب إنشاء، ولنا خبرات طويلة يمكن الحديث عنها ساعات طويلة، وكل الدول التى بدأت بعد الحرب العالمية الثانية فى النهوض من حالة التخلف إلى مستوى النمور المتقدّمة، مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا والبرازيل، احتاجت فى بداية النهضة إلى القوات المسلحة، والنظام العسكرى لنهضة الوطن.
ولا ننسى أن الجنود سيتركون الجيش بعد فترة طالت أم قصرت، وكثير منهم حصل على تدريب وخبرة فائقة فى مجالات الإنشاء والتخصص، وهؤلاء سينضمون إلى القطاع المدنى، وسيكونون ذخيرة للوطن.
ثامناً: أعلن الرئيس السيسى عدة مرات أن الاهتمام بالشباب هو استثمار فى المستقبل، واجتمع عدة مرات مع الشباب، وأدار حواراً معهم، وتم إنشاء أكاديمية لتدريب الشباب على الإدارة الحديثة، حتى يتم التمكين فى المواقع القيادية، وشجع البنوك على الاستثمار والإقراض فى المشروعات الصغيرة ومعظم البنوك تقوم بالإعلان عن هذا المشروع، وكذلك الاهتمام بالمرأة المصرية التى هى أهم فرد فى منظومة التنمية البشرية والاقتصادية، ولعل وجود خمس وزيرات ومحافظة يستحق الإشادة، وكذلك وجود عدد غير قليل من السيدات كنواب للوزراء والمحافظين، مما يدل على أن هذا الرجل لديه نظرة شاملة للوطن، ويريد أن يترك بصمات لا تنسى.
تاسعاً: الحرب ضد الإرهاب، وكلنا نشاهد ما يبذله أبطالنا من القوات المسلحة وجهاز الأمن فى هذه الحرب القذرة ضد أعداد من الإرهابيين فاقدى النظر والبصيرة، والذين يتآمرون ضد وطنهم ودينهم تحت دعاوى كاذبة. ونحن ندعم حرب سيناء 2018، ونعتبرها امتداداً لنصر أكتوبر 1973، ونشد على أيدى قواتنا المسلحة وقوات الشرطة المدنية، وندعو لهم صباحاً ومساءً بالنجاح فى تحرير سيناء من الإرهاب، ويقومون بمسح وتنظيف سيناء شبراً شبراً، ونحن على يقين من انتهاء هذا الكابوس قريباً بفضل الله وبفضل شجاعة وإصرار أبطالنا والمثابرة الحكيمة للسيد الرئيس، حفظه الله وسدد خطاه ومتعة بالصحة والعافية.
كلمة أخيرة.. أهنئ الوطن بالفترة الثانية لحكم الرئيس عبدالفتاح السيسى، وأهنئ الرئيس بكلمته الشاملة والجامعة أمام مجلس الشعب، وأطالب رجال الأعمال بتوجيه مبالغ للإعلان عن تهنئتهم للرئيس إلى صندوق تحيا مصر، وصندوق الزكاة والصدقات، تحت إشراف شيخ الأزهر، وإلى الجمعيات الخيرية الرائدة فى مجال دعم الخدمات الصحية والأمن والرخاء والاستثمار تحت قيادة الزعيم الملهم عبدالفتاح السيسى.