"حرب الغاز".. الوجه الآخر للصراعات السياسية في الشرق الأوسط

"حرب الغاز".. الوجه الآخر للصراعات السياسية في الشرق الأوسط
- امريكا
- العراق
- تركيا
- ليبيا
- الازمة اليبية
- فايز السراج
- امريكا
- العراق
- تركيا
- ليبيا
- الازمة اليبية
- فايز السراج
دائماً ما كانت الموارد الطبيعية من الطاقة هى المحفز الرئيسى خلف أى صراع سياسى فى المنطقة، وهو ما عهدناه منذ حرب أمريكا والعراق، التى اتخذت غلافاً سياسياً وأمنياً للحصول على بترول الشرق الأوسط، والآن خلقت حقول الغاز الطبيعى والنفط المكتشفة فى شرق البحر المتوسط مساراً جديداً لمراكز القوى بالشرق الأوسط، فاحتياطات الغاز المُقدرة بالمنطقة هى المُحرك الرئيسى للتوترات الحالية، فى الوقت الذى يُشكل فيه الغاز عنصراً حيوياً فى «قوة الدول الاستراتيجية والاقتصادية»، ما دفع بعض الدول الطامعة للنظر إلى حقول الغاز على أنها تركة تريد أن تقتسم منها.
أحلام تركيا تصطدم بالتأييد الإقليمى لتداول مصر للغاز بين 3 قارات
فالصراع التركى على غاز منطقة شرق البحر المتوسط، لم يقتصر على قبرص فقط، فقد قامت الحكومة التركية بترسيم حدود بحرية مع حكومة الوفاق الوطنى الليبية، لوضع قدم فى منطقة شرق البحر المتوسط، والحصول على حصة من المكاسب الاقتصادية الناتجة عن كميات الغاز الطبيعى المكتشفة فى تلك المنطقة، لتضرب بذلك كل القوانين والأعراف الدولية عرض الحائط.
فرنسا وأمريكا تثقلان الكفة بطلبات انضمامهما لـ"شرق المتوسط"
وتنبع هذه الصراعات، التى أثيرت مؤخراً واستحوذت على وسائل الإعلام العالمية، متخذة غطاء سياسياً بدعم الجانب التركى لحكومة السراج، من رغبة تركيا لتصبح مركزاً للطاقة فى المنطقة بسيطرتها على حركة خطوط الغاز إلى السوق الأوروبية، فى ظل سطوع نجم مصر كمركز إقليمى للطاقة وتزايد دورها فى منطقة شرق المتوسط، وذلك بالإضافة إلى استيراد تركيا لما يزيد على 74% من احتياجاتها من الطاقة من الخارج، حيث تمثل المصادر الأجنبية 92% من حاجتها النفطية، و98% من الغاز الطبيعى، و50% من الفحم، لتستفيد بسيطرتها على ليبيا فى توفير هذه الاحتياجات.
مصر تغير خريطة الغاز الطبيعى
بدأت القصة بدخول مصر فى مجال الطاقة بقوة خلال العامين الماضيين؛ وتغييرها لخريطة تجارة الغاز الطبيعى، بفضل إنتاجها المبكر من حقل ظهر، وهو الأكبر من نوعه فى المنطقة وفقاً لشركة الطاقة الإيطالية إينى.
ويعتبر تجاوز إنتاج مصر من حقل ظهر حاجز الـ3 مليارات قدم مكعب يومياً، بنهاية 2019، أحد العوامل الرئيسية فى تحول مصر من دولة مستوردة للغاز إلى دولة مصدرة له خلال الأشهر الماضية، ومن ثم تغيير موازين القوى بالمنطقة.
تخطى مصر حاجز الـ7.2 مليار قدم مكعب غاز يومياً، ساهم بشكل مباشر فى تنامى نفوذ مصر فى المنطقة، ودعم اقصادها القومى كإحدى أبرز الدول القادرة على التحول إلى مركز إقليمى لتجارة وتداول النفط والغاز بالشرق الأوسط.
القاهرة ومنتدى غاز شرق المتوسط
لم يتوقف نشاط مصر وتحركها لتكون مركز القوة الرئيسى فى المنطقة عند الاكتشافات التى حققتها الدولة فى البحر المتوسط، ففى يناير من العام الماضى، اجتمعت فى القاهرة دول شرق المتوسط، واتفقت على إنشاء «منتدى غاز شرق المتوسط»، على أن يكون مقره مصر، ويضم المنتدى كلاً من «مصر وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا والأردن وفلسطين»، ويجرى حالياً دراسة طلب فرنسا فى الانضمام كشريك والولايات المتحدة كمراقب، ويهدف المنتدى للتعاون بين هذه البلدان لإيجاد أسواق لتصدير الغاز، ووضع سياساته فى المنطقة، والتشارك فى البنى التحتية الموجودة أو التى قد تنشأ فى سبيل تسهيل عمليات الاستخراج والإنتاج، ويهدف أيضاً إلى تقديم أسعار تنافسية، ويدشن لأولى الخطوات العملية تجاه التعاون بين دول غاز شرق المتوسط. وقبل أشهر من اجتماع تأسيس منتدى الغاز فى مصر، كانت هناك اجتماعات مماثلة بين إسرائيل وقبرص واليونان لتحفيز أوروبا بشأن مد أطول وأعمق خط أنابيب للغاز تحت البحر فى العالم، بطول 2000 كم، والمعروف باسم «إيست ميد» لنقل الغاز من حقول هذه الدول للاتحاد الأوروبى، ويعد إيست ميد أطول وأعمق خط أنابيب تحت الماء فى العالم، وسيكون لديه القدرة على نقل ما يصل إلى 20 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، ومن المتوقع أن تستغرق أعمال إنشائه من حوالى 6 إلى 7 أعوام.
محطات الإسالة والخطوط المصرية
ووفقاً للعديد من التقارير الدولية فإن مصر، التى تضم مياهها الإقليمية أكبر احتياطات للغاز الطبيعى فى المنطقة، ستعزز مكانتها فى سوق الطاقة العالمية من خلال الاتفاق المتوقع مع قبرص لاستيراد الغاز وتسويقه أوروبياً بعد تحويله إلى غاز مسال بفضل منشآتها الفريدة من نوعها فى هذا المجال، ووقعت مصر أواخر 2018 اتفاقاً مع قبرص لإقامة خط أنابيب بحرى مباشر، ينقل الغاز الطبيعى من حقل أفروديت القبرصى إلى محطات الإسالة فى إدكو بمصر وإعادة تصديره إلى الأسواق المختلفة، وقالت وزارة البترول آنذاك، إن الاتفاق المصرى القبرصى لا يشمل تنفيذ خط أنابيب بحرى فقط، بل سيسهم فى تأمين إمدادات الغاز للاتحاد الأوروبى، يأتى ذلك فى التوقيت الذى تمتلك فيه مصر بنية تحتية تسعى من خلالها للتحول إلى مركز إقليمى للطاقة، للاستفادة بشكل مباشر من غاز شرق المتوسط، وتمتلك مصر مصنعين لإسالة الغاز الطبيعى، أحدهما فى «إدكو»، وهو المملوك للشركة المصرية للغاز الطبيعى المسال، ويضم وحدتين للإسالة، والآخر فى دمياط ويتبع شركة يونيون فينوسا الإسبانية الإيطالية ويضم وحدة واحدة فقط، ويمكن من خلال كلا المصنعين تسييل الغاز الطبيعى الوارد من دول الجوار وتصديره إلى أوروبا.
محطات الإسالة المصرية تستقبل الغاز الطبيعى وتعده للتصدير إلى أوروبا
وبشأن خطوط الغاز، فتمتلك مصر خط أنابيب شرق المتوسط، وهو خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعى المصرى من العريش بمصر إلى إسرائيل داخل المياه الإقليمية المصرية ثم الإسرائيلية فى البحر المتوسط، بجانب خط الغاز العربى وهو خط غاز لتصدير الغاز يربط بين مصر والأردن.
احتياطيات الحقول الوطنية ستحقق مليارات الدولارات وترسخ مكانة مصر كمركز إقليمى لتداول الغاز فى المنطقة
بدأت مصر، الأربعاء الماضى، استيراد الغاز الطبيعى من إسرائيل، بشكل رسمى، مع إعلان وزيرى البترول والطاقة فى البلدين بدء عمليات الضخ، وذكر بيان للوزيرين أن هذا التطور سيمكن إسرائيل من نقل كميات من الغاز الطبيعى لديها إلى أوروبا عبر مصانع الغاز الطبيعى المسال المصرية، وذلك فى إطار دور مصر المتنامى كمركز إقليمى للغاز.
أطماع تركيا
العلاقات بين دول غاز شرق المتوسط تعتبر معقدة بدرجة كبيرة، خلال الوقت الراهن؛ فى ظل الخلافات بين قبرص وتركيا، ومصر وتركيا من ناحية أخرى، بسبب أطماع الجانب التركى، فى الوقت الذى تزايد فيه تعاون عدد من دول المنطقة وتشكيلها منتدى «غاز شرق المتوسط». أطماع تركيا الاقتصادية والصراع السياسى بالمنطقة يلعب دوراً مزدوجاً فى علاقات تركيا بدول البحر المتوسط، حيث تحاول أنقرة جذب حليف لها -الحكومة الليبية- لوضع قدم فى منطقة شرق البحر المتوسط، وهو ما ترفضه دول منتدى غاز شرق المتوسط، التى ترتبط بعلاقات غير جيدة مع تركيا؛ لذا نرى قبرص تقترب أكثر من القاهرة، وتريد أن تنشئ أنبوباً ينقل الغاز من أراضيها إلى مصر، ومن مصر إلى أوروبا، وهو يُقابل برفض من الجانب التركى. وتؤجج عمليات ونوايا تركيا فى التنقيب عن الغاز فى شرقى المتوسط، نيران الأزمة الإقليمية المحتدمة التى يشترك فيها كل غالبية دول المنطقة، لذا تحاول تركيا أن تجد لنفسها مظلة قانونية -من وجهة نظرها- تستطيع من خلالها الاستفادة من احتياطات الغاز بالمنطقة.
احتياطات الغاز بالبحر المتوسط
منطقة شرق البحر المتوسط بها احتياطات تصل إلى نحو 223 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعى، ونحو 1.7 مليار برميل من الزيت الخام و6 مليارات برميل متكثفات، ومع التأكيدات المستمرة حول وجود حقول نفطية وغازية عديدة لم تُكتشف بعد بالبحر المتوسط، وتنامى الاحتياطات المؤكدة بالمياه العميقة نجد أن تركيا تسعى للحصول على حصة من تلك الاحتياطات لسد احتياجاتها من الطاقة.
"مصر وقبرص واليونان" v.s تركيا
أشعلت اتفاقية ترسيم خط الحدود البحرية الموقعة بين مصر وقبرص (اليونانية) عام 2013، توتراً شديداً داخل تركيا؛ ما دفع وزير خارجية تركيا آنذاك لعدم اعتراف بلاده باتفاقية ترسيم الحدود بين مصر وقبرص، وأعلن عزم بلاده بدء التنقيب عن النفط والغاز شرقى البحر المتوسط بالمستقبل القريب، وهو ما أثار حفيظة مصر بشكل كبير، وقد حذرت مصر لأكثر من مرة سابقة من محاولة المساس بالسيادة المصرية فيما يتعلق بالمنطقة الاقتصادية داخل المياه الخاصة بها فى شرقى البحر المتوسط، وأكدت وزارة الخارجية أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص لا يمكن لأى طرف أن ينازع فى قانونيتها وأن الاتفاقية تتسق وقواعد القانون الدولى، وتم إيداعها كاتفاقية دولية فى الأمم المتحدة. وتمتلك مصر تسهيلات ومنشآت للتعامل مع الغاز غير موجودة فى دول كثيرة بمنطقة البحر المتوسط، وبالتالى كانت هناك 3 طرق للاستفادة من الغاز المكتشف فى شرق المتوسط بقبرص وإسرائيل ولبنان وغيرها، وهى إما مرور الغاز من خلال تركيا أو عن طريق الدول المنتجة أو من خلال مصر، لذا تسعى تلك الدول إلى إبرام تحالفات لإنشاء خطوط نقل للغاز تضمن لها السيطرة على الغاز والاستفادة منه بشكل كبير فى المنطقة، وقد أبرمت مصر فى هذا الإطار العديد من الاتفاقيات الداعمة لموقفها فى التحول إلى مركز إقليمى لتجارة وتداول الغاز الطبيعى.
مدحت يوسف: تشابك مصالح الدول الأوروبية فى استثمارات غاز شرق المتوسط تجهض محاولات الجانب التركى فى تغيير خريطة الغاز الطبيعى بالمنطقة
ومن جانبه أكد مدحت يوسف، نائب رئيس هيئة البترول سابقاً، أن التوترات الأخيرة التى شهدتها منطقة شرق المتوسط، لن تؤثر على الشكل الحالى لخريطة الغاز الطبيعى فى المنطقة، وأن مصر ستظل المحور الإقليمى لتداول الغاز فى منطقة شرق المتوسط، خاصة بعد تحالفها مع اليونان وقبرص لتصدير الغاز إلى أوروبا، واقتصار مشاركة إسرائيل فى توفير 2% فقط من احتياجات أوروبا، التى تصل إلى 470 مليار متر مكعب فى السنة، الأمر الذى أثار حفيظة الجانب التركى، الذى يمثل حالياً محور تصدير الغاز الروسى إلى أوروبا، نتيجة تأثيره على وضعها فى السيطرة على خطوط الغاز فى المنطقة، وهو ما أدى لتأجيجها للوضع بشكل غير منطقى وغير معترف به دولياً، وأشار إلى أن تشابك مصالح الشركات الأوروبية واستثمارات ألمانيا وفرنسا وإيطاليا الضخمة فى استكشافات غاز المتوسط، ستحول دون تدخل الجانب التركى وتأثيره على الوضع الحالى، كما أن رغبة الجانب الأوروبى فى الحصول على الغاز عبر إيطاليا كبديل أفضل اقتصادياً من البديل التركى، يؤيد بقاء الوضع الحالى ويمنع تركيا من التدخل والتأثير على الأوضاع الحالية.
رمضان أبوالعلا: الموقف التركى يفتقد الشرعية القانونية
ويرى أيضاً رمضان أبوالعلا، أستاذ هندسة البترول ونائب رئيس جامعة فاروس، أن الأوضاع فى منطقة شرق المتوسط شهدت استقراراً كبيراً خلال الفترات الماضية، إلى أن بدأت تركيا تتدخل وتسبب نوعاً من عدم الاستقرار، مشيراً إلى أن الموقف التركى لا يمتلك دعماً من القوانين والأعراف الدولية، الأمر الذى يجعل من اتفاقه مع حكومة السراج وهمياً، خاصة مع عدم موافقة البرلمان الليبى عليه، مؤكداً أن التوترات الحالية على وشك الانتهاء.
جمال القليوبى: القوانين الدولية ونظرية "الجرف القارى" تمنع تركيا من ترسيم الحدود مع ليبيا
واتفق معه فى الرأى جمال القليوبى، عضو مجلس إدارة جمعية البترول المصرية، موضحاً أن القانون الدولى يمنع أن تقوم تركيا بتنفيذ أى خطة لترسيم الحدود مع ليبيا وفقاً للمادة 137، وذلك بناء على نظرية الجرف القارى نتيجة وجود جزر كريت ورودس وقبرص، التى تحول بين حدود البلدين، مشيراً إلى أن الدولة المصرية تسعى جاهدة لاحترام الدبلوماسية فى إدارة التوترات، وأضاف أنه على الرغم من قيام منتدى شرق المتوسط، الذى أنشأته مصر مع دول المنطقة، بتنظيم الأوضاع وعمل نوع من التعاون والتكامل بين الدول وعدم حدوث صراعات، إلا أن توجه أوروبا للبحث عن بديل آمن للخط الجنوبى مع روسيا الذى يمدها بـ38% من احتياجاتها ويتعرض لتهديدات نتيجة حروب أوكرانيا مع روسيا وتحويل الخط إلى تركيا، ونجاح مصر فى الربط مع أوروبا من خلال شركة اينى بشبكة يصل طولها إلى 32 ألف كيلومتر تمد نحو 11 دولة أوروبية بالغاز، فى ظل تعافى الاستهلاك الأوروبى ونمو بنسب 10:7% سنوياً، أثار حفيظة الجانب الإسرائيلى والتركى لوقف الطفرة الاقتصادية التى تحققها مصر، وأكد أن مصر لديها بنية تحتية وفنية قوية تمكنها من أن تقود ملف الغاز لأوروبا، وتصبح مركزاً للطاقة فى المنطقة، مشيراً إلى أن مصر بدأت إنشاء خط غاز مع الجانب القبرصى بطول 222 كيلو، تصل تكلفته لحوالى 1.3 مليار دولار، ليعتبر بذلك أسرع خط بأقل تكلفة لوصول الغاز إلى أوروبا، وذلك فى ظل صعود احتياطى البحر المتوسط للمرتبة الثانية عالمياً بـ395 مليار قدم مكعب وفقاً لدراسات أعدتها شركات شل العالمية وإينى وبريتش جاز، منوهاً بأن المرتبة الأول تحتلها احتياطات منطقة سيبيريا والبحر الأسود بـ412 مليار قدم مكعب، وتأتى فى المرتبة الثالثة احتياطات بحر العرب بـ387 مليار قدم مكعب.