"حمدان" في رسائل "هيكل وبهاء الدين": عبقري مترفع يحب العزلة ولا يقابل أحدا

كتب: إلهام زيدان

"حمدان" في رسائل "هيكل وبهاء الدين": عبقري مترفع يحب العزلة ولا يقابل أحدا

"حمدان" في رسائل "هيكل وبهاء الدين": عبقري مترفع يحب العزلة ولا يقابل أحدا

تحدث الكاتب أيمن الحكيم، فى كتابه الصادر حديثاً عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بعنوان «رسائل لها تاريخ.. العوالم الخفية للمشاهير»، عن رسالتين مهمتين للدكتور جمال حمدان، الأولى من الكاتب الصحفى أحمد بهاء الدين، والثانية من الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل.

وكان نص رسالة أحمد بهاء الدين: «الأخ العزيز الدكتور جمال حمدان.. تحياتى إليك وأرجو أن تكون بخير.. الواقع أن المقال الذى تفضلت بإرساله، على قيمته الممتازة، إلا أنه من حيث طوله يتحدى أى إمكانية للنشر فى صحيفة، ولم يكن هذا رأيى ولكن بعد أن تداولنا بين الرغبة فى نشره وعدم إمكانية ذلك، خصوصاً وقد جاء قبيل المناسبة بأيام قليلة جداً.. ثم إن تراسلك معى بالبريد يخلق صعوبة أخرى!.. لو أنك سألتنى بالحضور -أو حتى تليفونياً- قبل كتابته لتداولنا فى الأمر ووصلنا إلى صيغة ملائمة، ولو كان عندى طريق سهل للاتصال الشخصى بك لتداولت معك بعد تسلمه مباشرة فى إمكانية استخراج أجزاء منه تصلح لمقالات منفصلة، فهو بهذه الصيغة المتكاملة كتيب ممتاز أو يناسب مجلة مثل شئون فلسطينية مثلاً، إننى أعتقد أن الكثير مما فيه ليس رهن مناسبة ٥ يونيو، فنحن على أى حال نعيش فى ظل الموقف والأسئلة المطروحة باستمرار، واقتراحى أنه يمكن استخراج أجزاء منه، كل جزء يكوّن نقطة مستقلة ومتكاملة تنشر فى مقال مستقل أو أن ينشر كاملاً فى إحدى المجلات المناسبة. ومرة أخرى، أكرر أنه حبذا لو أمكن فى المستقبل أن يكون حوارنا حول هذه الأمور مباشراً، لا تبخل بالزيارة حتى بدون سبب، ولا أحتاج أن أؤكد لك هذا أبداً، فما بالك إذا كان هناك سبب.. ولك أطيب تحياتى: أحمد بهاء الدين.. ملحوظة: إذا كان مكتبى بعيداً فبيتى قريب: ١١ شارع هارون الدور الخامس شقة ١٤ (ت ٩٨٢٤٦٣).. بهاء».

"عبدالعزيز": طرقت باب شقته فلم يفتح.. وأرسل لى "خطاب اعتذار" على عنوان "المصور" يدل على عظمته وتواضعه

الرسالة الثانية كتبها «هيكل» إلى الدكتور حمدان، وكانت بين الأوراق التى أهداها اللواء عبدالعظيم حمدان لمكتبة الإسكندرية وتخص شقيقه بعد رحيله. وقال هيكل فى رسالته المكتوبة على أوراقه الرسمية القاهرة فى ٢٨ مايو ١٩٧٩: «عزيزى الدكتور جمال حمدان.. لم أتجاسر هذه المرة أن أطرق بابك على غير موعد، وهكذا فإنى أكتب إليك لأقول إننا عدنا إلى القاهرة بعد غياب عدة أسابيع، وكما اتفقنا قبل أن أسافر فإنى أترك لك اختيار الوقت الذى تراه مناسباً لكى نلتقى مرة أخرى، ولست أعرف ما هى المواعيد المناسبة لك فى الأسبوع القادم الذى يبدأ من السبت الأول من يونيو؟ لكنه سوف يسعدنى إلى أبعد حد أن أسمع منك. ومع التحية أرجوك أن تقبل صادق الود والتقدير.. التوقيع محمد حسنين هيكل».

وعلق أيمن الحكيم على الرسالتين قائلاً: «كان معروفاً عن الدكتور جمال حمدان أنه لا يقابل أحداً، وكان مترفعاً جداً وكان كل من بهاء وهيكل يعرفان قيمته، وهو تقدير كان يُجمع عليه كل من عرف حمدان وقرأ له وأدرك نبوغه وعبقريته، لذلك يتعامل الاثنان مع «حمدان» من منطلق أستاذيته، بل نستطيع أن نفهم من الرسائل أنهما كانا يتوددان إليه، فى الوقت الذى كان الآخرون يسعون إلى الاثنين».

"الحكيم": من أراد مقابلته كان عليه التوجه إلى بابه وترك رسالة له بها هوية الزائر ومطلبه.. وعليه أن ينتظر الرد إذا أجاب أصلاً

وأشار «الحكيم» إلى أنه حصل على رسالة «بهاء» من الدكتور عبدالعظيم حمدان، ويعود زمن الرسالة إلى الأعوام التى تلت نكسة يونيو، وقد تكون فى الذكرى الأولى أو الثانية لهزيمة ١٩٦٧، وكان أحمد بهاء الدين وقتها يرأس مجلس إدارة دار الهلال ورئاسة تحرير «المصور»، وكانت الدراسة من الطول بحيث لا يمكن نشرها كمقال، وهو ما دعا «بهاء» إلى أن يرسل هذه الرسالة إلى جمال حمدان يرجوه التواصل معه للاتفاق على الشكل الصحفى الأمثل ويدعوه لزيارته، سواء فى مكتبه بالدار أو فى منزله القريب بحى الدقى. وتابع: «حتى هيكل بكل سطوته ونفوذه وبريقه، لم يكن له استثناء من القاعدة الصارمة التى فرضها جمال حمدان على الجميع: من يريده فعليه التوجه إلى بابه ويترك له رسالة بها هوية الزائر ومطلبه، وعليه أن ينتظر الرد من صاحب «شخصية مصر» فى الوقت الذى يحدده هو، هذا إذا تفضل بالرد أصلاً».

من جانبه تحدث الكاتب الصحفى والمؤرخ إبراهيم عبدالعزيز، عن كواليس رسالة مهمة تكشف جانباً مهماً من شخصية الدكتور جمال حمدان، وموقفه من نظام حسنى مبارك، قائلاً: «فى عام 1983 كنت صحفياً تحت التمرين قادماً منذ عدة أشهر من دمنهور، واجتهدت وقتها فأجريت حواراً مع الكاتب الكبير توفيق الحكيم فشجعنى ذلك على الانطلاق إلى عمل حوارات مع كبار الشخصيات، فعزمت على إجراء حوار مع الدكتور جمال حمدان، وهو لم يكن له حوارات فى الصحافة وكنت على علم بأنه اعتزل الناس والحياة العامة ولا يقابل أحداً، وذهبت للناشر، ليدلنى على طريقة لمقابلة حمدان، فقال هناك طريقة وهى الطرق 3 طرقات على الباب، ومن الممكن أن يفتح لك، وإذا لم يفتح الباب، يمكنك ترك رسالة له من تحت الباب».

وأضاف: «ذهبت إلى شقة الدكتور حمدان بالدقى، وطرقت الباب 3 طرقات، لكنه لم يفتح، وكنت مستعداً بالجواب معى، وكنت صريحاً معه وقلت له إنى صحفى شاب تحت التمرين، وحكيت له عن حوارى مع توفيق الحكيم كى يتحمس لى، بعد عدة أيام فوجئت وأنا فى مجلة المصور بخطاب يصلنى من الدكتور حمدان، كنت شديد الذهول بالخطاب خاصة أن الكثيرين يسعون لمقابلته بمن فيهم كبار الصحفيين وحتى هيكل وهو يرفض لقاء الجميع، يرد علىّ وأنا صحفى فى بداية حياتى، أى نكرة، وكانت الرسالة تدل على تواضع جم، وشخصية رجل عظيم، لديه القدرة على استشراف المستقبل».

وتابع: «الخطاب كان يعتذر عن عدم اللقاء، ونصه مكتوب بخط جميل (القاهرة 26 سبتمبر 1983.. السيد الأستاذ الفاضل إبراهيم عبدالعزيز.. المصور دار الهلال، تحية طيبة. شكراً على خطابك الرقيق، ويسعدنى دائماً أن تتقدم وتنجح. إيجازاً.. يؤسفنى ومن الواضح أنك لا تعلم أننى مقاطع للصحافة المصرية كجزء من النظام الحالى، إلى أن يتغير. وهذا يشمل الأحاديث. أكرر أسفى واعتذارى. راجياً لك كل توفيق ونجاح. مع خالص شكرى وسلام. المخلص جمال حمدان)».

وقال «عبدالعزيز»: «الخطاب بالنسبة لى كان كنز الكنوز، لكن جملة مقاطع للصحافة كجزء من النظام الحالى، جعلتنى أخفى الخطاب، حتى لا أتعرض للأذى»، مشيراً إلى أن الإذاعى الراحل أحمد سعيد، روى له فى أحد حواراته عما لم يرد فى مذكراته، وهى أن مقالات كتاب «شخصية مصر» تمت إذاعتها عبر برنامج فى إذاعة صوت العرب، قبل أن تصدر فى كتاب.


مواضيع متعلقة