مؤرخون: ما يردده البعض عن تحرير تركيا لليبيا من الإسبان مجرد "تخاريف" وتلاعب بالتاريخ لأغراض سياسية
![المشير «حفتر» مع مساعديه يراجعون إحدى خطط الحرب](https://watanimg.elwatannews.com/image_archive/840x473/235278231578852656.jpg)
المشير «حفتر» مع مساعديه يراجعون إحدى خطط الحرب
أكد مؤرخون وسياسيون أن ما ذهب إليه الأتراك وأنصارهم، وآخرهم المؤرخ الليبى على الصلابى، من أن تركيا حررت ليبيا من الإسبان وفرسان مالطا الصليبيين، ما هو إلا تخاريف وتلاعب بالحقائق التاريخية من أجل أغراض سياسية، وهو ما لا يمكن السماح به.
"الدسوقى": ليبيا لم تصبح دولة إلا عام 1951
وقال الدكتور عاصم الدسوقى، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة حلوان، إن تصريحات «الصلابى» غير صحيحة، ومجرد تخريف لا علاقة له بحقائق التاريخ، لسبب بسيط هو أن ليبيا لم يكن اسمها ليبيا فى هذا الزمان، وإنما كانت بارقة وطرابلس وفزان فى الجنوب، وكانت ثلاث مناطق، ولم تصبح المملكة الليبية المتحدة إلا فى 1951، كما أنه لم يُعرف أن الإسبان احتلوا هذه المقاطعات الليبية، حتى يقال إن العثمانيين حرّروها منهم، فهؤلاء يتلاعبون بحقائق التاريخ، حتى يبرّروا الموقف الحالى لجرائم النظام التركى بقيادة رجب أردوغان، وفايز السراج، رئيس حكومة الوفاق فى ليبيا المدعومة من الميليشيات الإرهابية، بحق الليبيين، لافتاً إلى أن «السراج» من أصول تركية قديمة.
"السراج" تركى الأصل.. ولم يثبت أن إسبانيا استعمرت طرابلس حتى يحررها الأتراك
وأضاف «الدسوقى» لـ«الوطن»، أن ما ذكره «الصلابى» عن فرسان القديس يوحنا، وما قاله عن الإسبان، كان فى زمن قديم، ولم يكن احتلالاً، وإنما عمليات قرصنة على السواحل، فشعوب البحر المتوسط كلها كانت تمارس القرصنة، كلٌّ منها على الآخر، حتى شعوب الجزيرة الإيطالية، وفرنسا فى الجنوب، قبل أن يكون هناك إنتاج واستقرار.
وأوضح «الدسوقى» أن من كانوا يسكنون السواحل لم يعرفوا الإنتاج، وعملهم كان السطو على المراكب، وذلك فى كل منطقة بلاد المغرب والجزائر، وطرابلس وبرقة، ومالطة وقبرص وكريت، وبعض هؤلاء الناس كانوا من الجزائريين، ورفعوا رايات الدولة العثمانية، لكى يحتموا بها من القرصنة، ولم يثبت أن إسبانيا استعمرت طرابلس، حتى يحررها الأتراك، كما قال هذا المؤرخ.
"شقرة": "فرسان يوحنا" كانوا قراصنة.. وإسبانيا لم تطمع فى استعمار المقاطعات الليبية
وقال الدكتور جمال شقرة، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، بجامعة عين شمس، إن استخدام التاريخ فى المعارك السياسية أمر خاطئ، فنظام «أردوغان» التركى يحاول الآن أن يعيد للأذهان أحلام الهيمنة باستعادة ما سماه «العثمانية الجديدة» لخدمة أغراض سياسية فى المقام الأول، بمعنى أنه يستهدف السيطرة على الولايات التى كانت عثمانية، وإعادتها إلى قبضة تركيا الحالية، وهو هنا يتحدث عن الإرث العثمانى، ولا يراعى الظروف الموضوعية التى كانت موجودة فى القرن السادس عشر، والتغيرات الهائلة التى طرأت على الخريطة السياسية الآن فى القرن الـ21، فيحاول استخدام التاريخ، ويحاول أن يضعه فى قوالب مسيسة، ويزيفه أيضاً لخدمة أغراض سياسية، وهذا خطأ كبير، فمسألة القول إنهم كانوا فى ليبيا وإنهم من طردوا الإسبان عرضها بهذا الشكل عرض مغلوط.
وأشار «شقرة» إلى أن ذلك حدث فى شمال أفريقيا، ولم يحتل الإسبان حينها المقاطعات الليبية، وإنما فقط قاموا بالقرصنة على السواحل، ولم يواجههم الأتراك من أجل عيون الليبيين ولا بالشكل المعلن من جانب البعض، فالقصة كانت صراعاً كبيراً على المنطقة، والقوى السياسية الموجودة فى الإقليم فى هذا الوقت، والمتمثلة فى الفرس، كانوا يريدون السيطرة على الشرق الأوسط، وإخضاع الدول العربية للمذهب الشيعى، وهذا نشاط بدأه الشاه إسماعيل الصفوى، أما القوى الثانية فكانت الأتراك العثمانيين، والفكرة هنا أن النشاط الإسبانى، ونشاط القديس يوحنا كان عبارة عن أعمال قراصنة، فهم هدّدوا بالفعل الشمال الأفريقى بالكامل، ولم تكن ليبيا دولة وقتها، حيث إن فرسان القديس يوحنا هم بقايا الفرسان الصليبيين المتعصبين، ولم يكن الإسبان طامعين فى الاستعمار.
وأوضح «شقرة» أن الصراع وقتها كان صراعاً على الطرق التجارية، وعلى الموانئ والمحطات، وهو نتيجة للرأسمالية التجارية، التى كانت مسيطرة على العالم فى هذا الوقت، وليست الرأسمالية الصناعية والتجارية، هذه لم يكن يعنيها الاحتلال فى الداخل، بقدر اهتمامها بالسيطرة على طرق التجارة والنقل، لافتاً إلى أن الدولة العثمانية اكتشفت وقتها أنها مهدّدة إذا ما استمرت فى التقدم ناحية الغرب، وتركت الشرق الأوسط للقوى المناوئة لها، وهم الفرس والبرتغال والإسبان، وفرسان القديس يوحنا، لذلك قررت التوجّه إلى الشرق، وترك الغرب، بعد أن وصلت إلى أسوار فيينا، حتى تؤمّن نفسها، فهى لم تأتِ للشرق، من أجل سواد عيون هذه الشعوب والدول، وإنما لتؤمن نفسها ضد الفرس، ومن البرتغال والإسبان الذين كانوا يجوبون البحار، وبعض الدول كتونس، والمقاطعات التى أصبحت فى ما بعد ليبيا، استنجدت بالدولة العثمانية، وهنا لا بد من الإشارة إلى أمر مهم، وهو أن السكان الأصليين للمقاطعات الليبية، وتونس والجزائر، هم من قاوموا القراصنة، وكانت هناك معارك مستمرة وبطولات عظيمة، وليس العثمانيون.
وأشار «شقرة» إلى أن الخطأ الذى وقع فيه السكان، هو تصورهم أن تركيا كدولة مسلمة لن تلجأ إلى احتلالهم، وأنها ستحميهم من العصابات الإسبانية فى الفترة من عام 1510 حتى 1530، لكنها لم تفعل ذلك من أجل الإسلام أو لـ«سواد أعين» أهالى شمال أفريقيا، وإنما لتأمين غزوات العثمانيين التى انطلقت سريعاً إلى الغرب الأوروبى، ولمواجهة التمدّد الشيعى الفارسى، والدليل على ذلك أنها حوّلت العراق والشام ومصر وتونس والجزائر إلى ولايات عثمانية، ونظرت إليها باعتبارها «البقرة الحلوب» تنتفع بها دون أن تقدّم لها أى شىء، وهذه مسألة فى غاية الخطورة، لدرجة يمكن القول معها إن تخلف هذه الدول طوال القرنين التاسع عشر والعشرين، سببه الأساسى إهمال الدولة العثمانية التى لم يكن لديها هدف سوى جمع أكبر قدر ممكن من الأموال وخيرات البلاد، كما أنها قتلت عدداً كبيراً جداً من المصريين ومن أهل الشام، ومن الدول التى قاومت العثمانيين، ونهبت ثرواتهم، ونقلوا الصناع المهرة والفنيين إلى الأستانة.
وأكد أستاذ التاريخ الحديث أن الدولة العثمانية غير متحضّرة فى الأساس، وهى عبارة عن قبائل بدوية متخلفة، جاءت من أواسط آسيا، ولم يكن لديها حضارة، وتأثرت ببعض المظاهر الحضارية من الدول التى احتلتها، ولم تترك آثاراً فى ثقافة هذه الدول.
وأوضح أن القول إنها حمت الدول العربية من الاستعمار الأوروبى، وإنها أجلت الاستعمار الإنجليزى والفرنسى إلى القرن التاسع عشر، فهو خاطئ تماماً، لأن الاستعمار مرتبط بالتحول الاقتصادى الذى حدث فى أوروبا من الرأسمالية التجارية إلى الصناعية، وهو ما جعل فرنسا وبريطانيا فى حاجة إلى الأسواق والمواد الخام، فذهبوا لتأمين المواد الخام، والثروات، وكانت الدولة العثمانية فى تلك الفترة تموت، ولم تكن قادرة على حماية الدول العربية، لذا سقطت بداية من عام 1830 فى قبضة الاستعمار الأوروبى.
من جانبه، قال النائب على السعيدى، عضو مجلس النواب الليبى، لـ«الوطن»: إن أطماع «أردوغان» فى ليبيا هى التى تحرّكه، فهو يريد السيطرة على ثرواتها، والحصول على النفط والغاز بالبحر الأبيض المتوسط، علاوة على إعادة أحلام دولته العثمانية البائدة، مشيراً إلى أن كل أحاديث وأقاويل «أردوغان» وغيره عن العلاقات القديمة بين ليبيا وتركيا، ما هى إلا محاولة لإيجاد مبرر للتدخل التركى.
وأضاف «السعيدى» أن المجلس الليبى الذى يقوده السراج، يقع الآن تحت سلطة الميليشيات والإرهابيين، وهو أحد الأسباب التى دفعت مجلس النواب الليبى لإعطاء الإذن بتطهير العاصمة طرابلس من جميع التشكيلات المسلحة والإرهاب.