بطرف صناعي.. "طارق" يبتسم للحياة ويلهم ذوي الهمم

كتب: دينا عبدالخالق

بطرف صناعي.. "طارق" يبتسم للحياة ويلهم ذوي الهمم

بطرف صناعي.. "طارق" يبتسم للحياة ويلهم ذوي الهمم

جزء من الثانية، بدّل حياته تماما، بسقوط جهاز طبي ضخم وزنه أكبر من السيارة، على قدمه اليمنى، ما تسبب في بترها سريعا، ليخوض رحلة صعبة من أجل التعافي، وجد فيها النور بداخله، ليحول الحادث المرير إلى نقطة انطلاق لحياة جديدة له، وطريقا لمساعدة غيره بين مختلف الدول العربية.

لم يخجل الإماراتي وفلسطيني الأصل طارق السقا، من إظهار الطرف الصناعي الذي عوض به ساقه اليمنى، فبات يتحرك في شوارع مدينته وبين عمله ومنزله ونزهاته معتمدا عليه، معتبرا أنه سبيله لنشر الوعي بين أفراد المجتمع ولبسط يده إلى فاقدي الأطراف "أصحاب الهمم"، كما يلقبهم.

تقيم أسرة طارق الفلسطينية بالإمارات منذ السبعينيات، حيث ولد بها وتعلم في مدارسها، ثم انتقل إلى الأردن لدراسة هندسة الأجهزة الطبية والحيوية ويكتسب خبرة كبيرة بمجال الطب والأطراف الصناعية قبل أعوام، وهو ما اعتبرها ترتيب إلهي لتهيئأته لفقدان قدمه، بينما كان في السادسة والعشرين من عمره.

جهاز طبي بوزن سيارة أفقده ساقه.. لا مفر من البتر

في يوم عمل، كان يتولى الشاب الفلسطيني، 33 عاما، مهمة نقل جهاز طبي يصل وزنه إلى 1300 كيلو بالمستشفى التي يعمل فيها، وخلال أقل من ثانية بدأ الجهاز يميل عليه ليسقط عليه فجأة دون قدرة منه على الحركة، ليمكث أسبوعين كاملين بالمشفى لرعايته، بينما انقلبت حياته رأسا على عقب، بعد أن كان شخصا محبا للحياة ومبهجا وكثير الحركة، ودج نفسه يختار أمرا صعبا.

"قولت للدكتور أنا رجال متعلم وفاهم بالطب، فقلي بليز إذا رجلي بدها 20 سنة حتى تشفى أنا بصبر، ولكن إذا ما في أمل خلاص أعمل البتر، وأنا كل ليلة بدعي لله يكتبي الخير".. هكذا اختار "طارق" قرار البتر، ليودع ساقه اليمنى تماما، ويعيش لأكثر من عام على قدم واحدة، لصعوبة تركيب الطرف بعد العملية لدواعي طبية، عاش خلالها مواقف صعبة وأزمات عديدة ومضاعفات مرضية بعضلات قدميه وتعرضه لشبح الطرف المبتور، استمرت لحين سفره إلى ألمانيا لتركيب الطرف الصناعي، على نفقة جهة العمل.

خلال تواجده بألمانيا، وجد المهندس الطبي النور داخله وضع قدمه على بداية طريق التغيير، بعد أن وصل لمرحلة اليقين والقناعة بقضاء الله وقدره، وهو ما جعله قادرا على المشي بالطرف الصناعي خلال أسبوعين بسهولة بدلا من شهرين، ليعود إلى أسرته حاملا داخله روحا مختلفة "حسيت أن ربنا أهلني قبلها بسنين لأتقبل حالي هيك وأنه هيدا خير من عند الله، بس الموضوع يحتاج لتقبل وصبر كبير، وأنا بالأول كنت مستعجل على النتيجة اللي أجت بأوانها".

 

طارق: تقبلت شكلي الجديد ليستوعبني الجميع.. وأحببت الطرف الصناعي

ساعده الحادث على اكتشاف قدراته الحقيقية بنفسه، حيث قرر تقبل شكله الجديد أولا حتى تتقبله أسرته وأصدقاؤه والمجتمع من جديد "كنت بقوم من النوم أبص بالمرايا برجلي الواحدة وأقول لنفسي أني كويس هيك"، ليقرر بعدها التجول في مدينته دون إخفاء الطرف الصناعي تحت ملابسه، ليؤهل المجتمع بتقبل أصحاب الهمم ودمجهم بسهولة معه، وهو ما شجعه عليه المحيطون به وخاصة عائلته التي غمرته بالحب والعطاء.

وعبر صفحاته بمواقع التواصل الاجتماعي، نشر "طارق" تفاصيل رحلته في مشوار اليقين، وتشجيع أصحاب الأطراف الصناعية على المضي قدما في حياتهم دون حزن، حيث شعر أن الله اختاره ليكون عونا لغيره، وهو ما اعتبره "أجمل قوة يحس بها الإنسان بأنه يكون معطاء، ويمنح القوة للغير بكلمة أو موقف، وعلشان كده دايما أقول إنهم هما سبب قوتي واستمراريتي، فالنجاح هو بما تحققه للآخرين".

 

محاضر يلهم طلاب جامعات الأردن والإمارات

جذب الشاب الفلسطيني الأنظار للعديد، من خلال منشوراته والرياضات المتعددة التي بدأ يمارسها وسعادته بشكله الجديد، فأوقفه البعض في الشارع للحديث معه عن الطرف الصناعي، بينما تواصل معه الكثيرون أصحاب الهمم "منهم حد قالي أنه بيخجل يطلع بره البيت هيك، روحتله وقابلته وقلتله تعالى بفوت معك لبره واللي بيبص بشفقة بنبصله بفخر، وفعلا قدر يتخطى الأمر تدريجيا".

وبعد انتشار تجربته تواصل معه أحد أصدقائه بالجامعة ليعود إلى الأردن، عام 2016، لتقديم محاضرة عن تجربته لتشجيع الآخرين وإضفاء الأمل في قلوبهم، ويصبح محاضرا وملهما بجامعات الأردن والإمارات لتخطي الحزن والاكتئاب وفهم الحياة ومشاركة تجربته مع الآخرين، والمطالبة بأن يتحمل التأمين الصحي تكاليف الأطراف الصناعية الباهظة لصالح المواطنين حتى يتغلبون على تلك العقبات.


مواضيع متعلقة