العراق ولبنان.. «لا رحمة بعد الآن»!
إذا أردنا معرفة مستقبل الحراك فى العراق ولبنان، على أثر الانتفاضات، علينا أن نفهم كيف تعاملت إيران مع المظاهرات التى خرجت على أراضيها بعد رفع أسعار البنزين هناك.
قبل أيام، نشرت وكالة «رويترز» تقريراً مطولاً عن المظاهرات الإيرانية، واللحظات الأولية الانفعالية للقيادة، وعلى رأسها المرشد الإيرانى الأعلى على خامنئى، حيث تقول الوكالة إنه وبحلول 17 نوفمبر، وصلت الاضطرابات إلى طهران، حيث طالب فيها الناس بإنهاء حكم رجال الدين، وأحرق المتظاهرون صور خامنئى، ودعوا إلى عودة رضا بهلوى، ابن شاه إيران الراحل من منفاه. مساء ذلك اليوم، التقى المرشد بمقر إقامته بمجمع محصن وسط طهران، بكبار المسئولين، بمن فيهم مساعدوه المختصون بالأمن، والرئيس روحانى وأعضاء حكومته. وتقول «رويترز»، نقلاً عن ثلاثة مصادر ذات صلة وثيقة بالدائرة المقرّبة من «خامنئى»، إنه رفع صوته فى الاجتماع، منتقداً أسلوب التعامل مع الاضطرابات. ومما أثار غضب «خامنئى»، أن المحتجين أحرقوا صورة آية الله الخومينى مؤسس الجمهورية الإسلامية، ودمّروا تمثالاً له. ونقل أحد المصادر عن المرشد قوله إن إيران «فى خطر.. افعلوا ما يلزم لوضع نهاية لذلك».
والأمر لا يقف عند هذا الحد، بل إن «رويترز» أوردت، نقلاً عن ثلاثة مسئولين بوزارة الداخلية الإيرانية أن نحو 1500 شخص سقطوا قتلى خلال الاحتجاجات التى بدأت فى 15 نوفمبر، واستمرت أقل من أسبوعين، وكان من بين القتلى 17 فى سن المراهقة، ونحو 400 امرأة وبعض رجال الأمن والشرطة. ونقلت الوكالة أن قائداً بالحرس الثورى فى إقليم كرمنشاه الغربى قال إن حاكم الإقليم أصدر تعليمات فى اجتماع طارئ عُقد فى ساعة متأخرة من الليل يوم 18 نوفمبر، قيل فيه: «تلقينا أوامر من كبار المسئولين فى طهران بإنهاء الاضطرابات.. لا رحمة بعد الآن». ومضيفاً: «سنقضى عليهم». حسناً، إذا كان هذا حال المواطنين الإيرانيين مع الملالى، والمرشد الأعلى، فكيف سيكون حال العراق ولبنان؟ خصوصاً أن المسئولين الإيرانيين هم من يعترفون بأن أعداد القتلى الإيرانيين بلغ ألفاً وخمسمائة قتيل، أى أعلى من كل تقديرات المنظمات الدولية، علماً بأن مظاهرات ٢٠٠٩ بطهران شهدت سقوط ٧٢ قتيلاً، ومظاهرات ٢٠١٧ - ٢٠١٨ شهدت سقوط ٢٠ قتيلاً؟
من هنا يتضح أن «خامنئى» استوعب أن إيران ومناطق نفوذها فى العراق ولبنان، وقبلها سوريا، باتت ثائرة على سلطته ومشروعيته. كما استشعر المرشد أن هذا الخطر ليس فصلاً من فصول التمرد، وإنما هى ثورة الشيعة على من يدّعى أنه مرجعية الشيعة، وثورة أبناء إيران على نظامه وشرعيته.
وعليه، فإذا كانت درجة انفعال طهران، ومرشدها، بهذا العنف تجاه الإيرانيين، فكيف سيكون انفعال المرشد الإيرانى تجاه ما يحدث فى العراق الذى يردّد المتظاهرون فيه: «بغداد تبقى حرة، وإيران تطلع برة» مطالبين بالاستقلالية؟ وكيف سيفعل تجاه اللبنانيين الذين يريدون دولة، لا مَرَاجع، وطوائف، وأحزاب؟ ستكون أياماً قاسية وصعبة على العراقيين واللبنانيين، بدون شك، لذا فإن أفضل حل لدعمهم هو استمرار العقوبات على إيران، العقوبة تلو الأخرى.