إنقطاع الكهرباء .. "المحطات النووية هى الحل"

مع تفاقم مشكلة إنقطاع الكهرباء علينا أن نتذكر قول الإمام الشافعى "نعِيبُ زَمَانَنَا وَالعَيْبُ فِينَا .. وَمَا لِزَمَانِنَا عَيْبٌ سِوَانَا .. وَنَهجُو ذَا الزَّمَانَ بِغيرِ ذَنْبٍ .. وَلَوْ نَطَقَ الزَّمَانُ لَنَا هَجَانَا"، ويجب ان نتذكر أن أول خطوات النجاح هى تحمل المسؤولية، لكن ثقافة الخوف ينتج عنها صدور تصريحات عشوائية مثل إلقاء اللوم على الآخرين، وعندما نفشل فى حل المشكلة تجدنا نبحث عن طرق للهروب من المسئولية. السبب الرئيسى لإنقطاع الكهرباء فى مصر يرجع الى تدهور الأقتصاد المصرى، حيث اتسعت الفجوة بين إيرادات ومصروفات الدولة، مما أدى إلى زيادة عجز الموازنة (الفرق بين إيرادات الموازنة ومصروفات الموازنة)، فقد وصل العجز الى 166.7 مليار جنيه فى موازنة العام المالى 2011-2012، ووصل الى 239.9 مليار جنيه فى موازنة العام المالى 2012-2013. دعم الوقود بلغ خلال العام المالى 2012-2013 نحو 129.5 مليار جنيه مقابل 114مليار جنيه فى العام المالى2011-2012 ، وسوف يرتفع الى 140 مليار جنيه فى العام المالى 2013-2014. يوم 15مارس 2014، صرح اللواء "عادل لبيب" وزير التنمية المحلية، أن الصيف المقبل لن يشهد أزمة في الكهرباء، مشيرا إلى أنه تقرر بالفعل اعتماد مصر خلال السنوات المقبلة على الطاقة الشمسية، موضحا أنه تم تحديد 135 موقعا للطاقة الشمسية في 17 محافظة لتوفير 40% من استهلاك الطاقة وخفض نسبة الدعم الموجه للطاقة بنسبة لا تقل عن 15%، وأضاف أن تمويلات المواد البترولية للصيف المقبل توافرت بالفعل، وأنه من غير المتوقع أن يشهد الصيف المقبل أى انقطاعات أو أزمات في الكهرباء. لا توجد دولة فى العالم تعتمد على الطاقة الشمسية بنسبة40% ، فمشاركة الطاقة الشمسية فى أمريكا (الدولة العظمى) بالنسبة لتوليد الكهرباء هى 0.23%، ولا توجد دولة فى العالم انخفض عندها نسبة الدعم الموجه للطاقة نتيجة استخدامها للطاقة الشمسية، فأنتاج الكهرباء من المحطات النووية فى ألمانيا لا يحتاج مليم واحد دعم، لكن استخدامها للطاقة الجديدة والمتجددة يكلفها دعم وصل الى 16 مليار يورو فى عام 2013. الموارد المالية هى اساس المشكلة، وعلى رأى المثل "يا جارية اطبخى، يا سيدى كلف"، فوزارة البترول لو توفرت لها الموارد المالية لوفرت لمصر احتياجاتها من الوقود، ولو توفر لوزارة الكهرباء الموارد المالية لقامت بصيانة المحطات العاطلة ولقامت بإنشاء محطات جديدة ولتوفرت الكهرباء على الشبكة لسد أحتياجات الأحمال الكهربائية ساعة الذروة. احتياطيات مصر المؤكدة من الغاز الطبيعى لا تتعدى 32 تريليون قدم مكعب، وإجمالى الأنتاج يقدر بنحو 5.7 مليار قدم مكعب من الغاز فى اليوم. كمية الغاز التى يتم ضخها إلي محطات توليد الكهرباء تبلغ ثلاثة مليارات و600 مليون قدم مكعب فى اليوم، ومحطات الكهرباء تستهلك وقود (غاز ومازوت وسولار) قيمته "مليار" جنيه شهرياً، ومديونية وزارة الكهرباء لوزارة البترول وصلت إلى 60 مليار جنيه. محطات توليد الكهرباء تستحوذ على 60% من أنتاج الغاز في مصر, ومحطات الكهرباء (32 محطة) التى تعمل بالغاز الطبيعى تنتج 90% من الكهرباء نتيجة استهلاك 125 مليون قدم مكعب فى الساعة، ولكن نتيجة للأزمة فأن المتوفر من الغاز لمحطات الكهرباء هو80 مليون قدم مكعب فى الساعة، وهذا العام فمن المتوقع أن يكون الطلب على الغاز فى الصيف 170 مليون قدم مكعب فى الساعة. وخلال الايام القليلة الماضية صرح مصدر مسئول فى وزارة الكهرباء أن الشركة القابضة تدرس فرص استخدام الفحم كبديل للغاز في تشغيل محطات توليد الكهرباء، كما أن الوزارة اتجهت لدراسة إمكانات استخدام الطاقة النووية. ونحمد الله، أن الوزارة اتجهت لدراسة إمكانات استخدام الطاقة النووية، لكن دراسة استخدام الفحم كبديل للغاز تحتاج لتوضيح لأن المشكلة ترجع في الاساس الي نقص الموارد المالية، فاذا توافر المال مع توافر مصدر لتصدير الغاز لمصر، يصبح من الافضل بالتأكيد شراء الغاز، لأن محطات الكهرباء مجهزة لتعمل بالغاز فخطوط الغاز متصلة بالمحطات، بمعنى أن البنية التحتية لتشغيل المحطات بالغاز متواجدة، ولأن الكهرباء المولده باستخدام الغاز أرخص من الفحم وأقل ضررا بالبيئة من الفحم. استخدام الفحم في المحطات الحالية يحتاج بنية تحتية جديدة، حيث يحتاج مخازن لتخزين الفحم، ويحتاج خطوط سكك حديد جديدة لربط الميناء بمحطات الكهرباء، ويحتاج تعديلات فنية فى المراجل "Boilers" لحرق الفحم بدلا من الغاز ويحتاج تعديل وأضافة فلاتر لحجز ثانى أكسيد الكربون CO2، فأنتاج 1 جيجاوات ساعة من محطة تعمل بالفحم ينتج عنها أنبعاث 1041 طن من .CO2 فى عام2013 نشر مركز معلومات الطاقة الأمريكى أرقام لمتوسط تكاليف وحدة الكهرباء (ويشمل تكاليف رأس المال، ومعدل الفائدة10% ، وكذلك تكاليف التشغيل المستمر والوقود والصيانة) الناتجة من محطات الكهرباء المختلفة والمدرجة فى خطة عام 2018، وكانت كالتالى: بالنسبة للمحطة النووية كان 11 سنت/كيلووات ساعة، أما بالنسبة لمحطة الفحم (بفلاتر لعزل الكربون) فقد كان 13.6سنت/كيلووات ساعة. هناك سؤال يطرح نفسه، لماذا الدول التى تمتلك مناجم فحم تتجه الى بناء محطات نووية لتوليد الكهرباء، ومصر التى لا تملك مناجم فحم تفكر فى أن تكون محطات الكهرباء تعمل بالفحم، فالهند ثالث دولة فى الترتيب العالمى لانتاج الفحم، ودولة الهند بدأت نهضتها النووية مع مصر، والأن هى تمتلك 21محطة نووية شغالة بأجمالى قدرة 5780 ميجاوات، وتقوم الآن ببناء 6 محطات نووية بأجمالى قدرة 4300 ميجاوات، ومخطط بناء 33 محطة نووية بأجمالى قدرة 36364 ميجاوات. مع أننا نفضل أستخدام الغاز عن الفحم فى تشغيل محطات الكهرباء، إلا أنه من الصعب استيراد الغاز خلال الصيف المقبل، وذلك لأن الأمر يستلزم إجراءات عديدة لحجز كمية الغاز اللازمة مبكرًا، وذلك لإرتباط معظم الدول المصدرة للغاز بتعاقدات طويلة الأجل، ويتراوح سعر المليون وحدة حرارية (MMBTU) من 12 دولار الى 14 دولار، ووفقًا للأسعار العالمية فان سعر المليون وحدة حرارية من السولار 32 دولار، والمازوت 18 دولار. كما يستلزم استيراد الغاز، أن تتوافر البنية التحتية الخاصة بإﻋﺎدة ﺗﺤﻮﻳﻞ اﻟﻐﺎز اﻟﻤﺴﺎل إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺘﻪ اﻟﻐﺎزﻳﺔ Regasification (ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻐﻮﻳﺰ) مع إنشاء ميناء وﻣﺤﻄﺎت ﺘﺨﺰﻳﻦ، والتى لا تقل تكلفتها عن 600 مليون دولار، ومدة تنفيذها لا تقل عن سنة ونصف. عدم توافر السيولة المالية اللازمة لتوفير الغاز، وإجراء الصيانات الضرورية للمحطات العاطلة، سيؤدى الى تزايد فترات انقطاع التيار الكهربائى، كما أن إنتاجية محطات الكهرباء خلال الصيف المقبل ستنخفض بنسبة 25% فى حالة استخدام المازوت بدلا من الغاز، وبمعدل 10% في حالة استخدام السولار، وهذه مؤشرات تدل على استفحال الأزمة خلال الصيف المقبل، مما ينذر بصيف ساخن جدا وعلى الأخص فى شهر رمضان. والحل الأمثل لمشكلة عدم توفر الغاز، ومنعا لإستراده من الخارج، يتركز فى: أولا- إعادة دراسة الأسعار الخاصة بأنتاج الغاز بالإتفاقيات مع الشريك الأجنبى (المقاول)، ومدى تحقيقها لعائد عادل للدولة، ثانيا- إلزام الشريك الأجنبى بنصوص الإتفاقية الخاصة بالإنفاق على تنمية كافة المناطق والتى لم يتم تنميتها بعد، لزيادة الأنتاج ومن ثم توفر السيولة النقدية. الخطة العاجلة لمنع إنقطاع الكهرباء تتمثل فى: أولا- توفير الأعتمادات المالية لشراء احتياجات قطاع الكهرباء من الوقود اللآزم لتشغيل محطات الكهرباء، ثانيا - توفير الأعتمادات المالية لإجراء عمليات أصلاح الأعطال فى محطات الكهرباء، ثالثا- وضع خطة قومية عاجلة لترشيد إستهلاك الكهرباء فى المصانع والمصالح الحكومية ودور العبادة والمنازل والنوادى وخلافه (خاصة التكييفات)، رابعا- القضاء على عمليات سرقة الكهرباء، خامسا– تقليل كمية الطاقة المفقودة. أما بالنسبة لخطة وزارة الكهرباء لبناء محطات جديدة من مختلف التكنولوجيات (تنويع مصادر الطاقة) لتوفير الكهرباء لمتطلبات التنمية فلا غبار عليها، لكن نود أن نأكد على: أولا- أنه يجب الأسراع فى تنفيذ المشروع النووى المصرى فى الضبعة، وأن أنسب وسيلة لتنفيذ المحطة النووية هو الشراء بالأمر المباشر، وأن نبتعد عن طرح مناقصة عالمية حتى لا تتكرر مآسى أعوام 1964 و1974 و1983، ثانيا– أن نبتعد عن إدراج بناء محطات تعمل بالفحم ضمن خطة الوزارة، ثالثا– الأسراع فى تنفيذ ربط شبكة كهرباء مصر مع شبكة كهرباء السعودية. الطاقة النووية هى البديل الوحيد المتاح على المستوى العالمى (البديل عن الوقود الأحفورى "بترول وغاز") لتغذية الحمل الأساسى فهى تستطيع توليد كميات كبيرة من الكهرباء ذات تكلفة رخيصة وموثوقية عالية وبالاضافة الى كونها طاقة نظيفة وآمنة، ومع زيادة الطلب على الكهرباء، فتعتبر الطاقة النووية جزء أساسى من أمن الطاقة فى مصر. مشروع المحطة النووية هو أمن قومى تكنولوجى وهو من المشاريع الهامة للتنمية وكذا فهو مشروع استثمارى، فالعائد من بيع الكهرباء يستطيع ان يغطى تكاليف المحطة النووية خلال سنوات قليلة، كما أن تكاليف المحطة النووية يمكن تغطيتها من فارق سعر الوقود النووى عن سعر الوقود الأحفورى (غاز أو بترول). ثق أن ثقافة الخوف هى أحد الأسلحة التى يستخدمها اللوبى الصهيونى فى الحرب الباردة ضدنا، فهدفهم أن نبتعد عن إمتلاك التكنولوجيا النووية وتوطينها فى مصر بأى شكل من الأشكال، وهم يعلمون علم اليقين أن التكنولوجيا النووية هى مفتاح الرقى والارتقاء بالبلاد وهم لا يريدون ذلك، وعقيدتهم أن لا تتواجد قوى فى المنطقة تستطيع تهديد أمن دولة إسرائيل.