فايز السراج.. «خاين بك» الليبى
المشهد لا يبتعد كثيراً.. ومحطات التاريخ تبقى دوماً حبلى بالدروس التى حين نطالع بعضها نجد أوقاتاً كثيرة أنها نسخ كربونية تقريباً، ما كان اليوم كانت صورته الأمس.. قبل 500 سنة كان السفاح سليم الأول، سلطان بنى عثمان، جدّ رجب طيب أردوغان، عاقد العزم على غزو مصر، عروس الشرق وقتها، وبينما خرج سلطان مصر والشام والحجاز قنصوه الغورى من المحروسة إلى سوريا لملاقاة رجال «الغازى» فى «مرج دابق» عام 1516 كانت الخيانة من القريب المقرب خاير بك، الذى باع وطنه ونفسه وكرامته للأتراك وخان عهده وبيعته لـ«الغورى».
فتحت خيانة «خاير بك» الطريق أمام «بادى شاه العثمانيين» إلى مصر، ليكمل جان بردى الغزالى رفيق خاير بك الخيانة التى بدأها الأخير، ويكلف جيش السلطان طومان باى هزيمة قاسية انتهت فى النهاية بإعدام السلطان الأشرف، رغم المقاومة الشعبية العظيمة وبعد رفضه الولاية تحت أقدام العثمانيين. تولى بالفعل «خاير بك» ولاية مصر كمكافأة لخيانته، وما أحقرها مكافأة، وكان الوالى الذى حكم مصر على رؤوس عشرات آلاف الجثث، إلا أنه رغم عظم منصب الولاية، كان فى نظر أبناء المحروسة «خاين بك» وليس أبداً «خاير» الخير، وفر له العثمانيون السند للبقاء فى الولاية، لكن ما قيمة ولاية أتت بالدماء وبالخيانة وقمع ليس له مثيل وشعب يكره؟!. قيل حتى إن إهانة المصريين لـ«خاير» بوصف «خاين بك» لم تكن على لسان المصريين فقط، بل إن المتغطرس «سليم الأول» كان نفسه لا يناديه إلا به وأى إهانة تلك؟، ليبقى دوماً رمزاً للخيانة فى تاريخ المصريين.
يبدو أن لكل عصر «بادى شاهه» و«سلطانه الأشرف»، وبينهما يلعب «خاين بك»، المشهد فى ليبيا، كما قلت، لا يبتعد كثيراً، دولة تعانى بطش جماعات الإرهاب والتطرف تحكم فى العاصمة «طرابلس» على رؤوس الليبيين، وجيش يقوده خليفة حفتر يحاول إعادة الدولة، حتى إن اختلفت مع قادته لكنه يريد إحياء دولة قبل أن تهلك، وخارج الحدود يقف «أردوغان» الطامح لاستعادة إرث «بنى عثمان» ونسلهم متربصاً طامعاً فى خيرات الليبيين، ووسط كل ذلك يتحرك فايز السراج، رئيس حكومة «طرابلس»، إلى «أردوغان»، «بادى شاه» العصر الحديث، ليعقد معه اتفاقاً أمنياً وبحرياً، لا تزال بنوده غامضة إلا ما يرشح عنه على لسان الأتراك، وأبرزها إرسال قوات عسكرية تركية للدعم ومساندة حكم السراج واجهة الميليشيات.
يقولون إن لكل شخص نصيباً من اسمه، لكن هذا لا ينطبق أبداً على خاير بك والسراج، خاير بك الذى يرمز اسمه إلى الخير ما كان منه إلا الشرور والقتل والتدمير والتشريد، وبقى حتى يومنا هذا فى نظرنا «خائن بك» تلاحقه اللعنات. «السراج» الذى يرمز اسمه إلى النور والحياة، ما أتى منه إلى ظلام التطرف والموت بسلاح الميليشيات، وربما ستبقى اللعنات تنصبّ عليه «خاين بك الليبى».. حقاً يبقى التاريخ أكبر معلم.