"الوطن"في منزل الطفل المعجزة: بيت المواهب الفذة والوالدين المضحيين

03:58 م | الأربعاء 27 نوفمبر 2019

وسط مجموعة من العمارات السكنية بمنطقة القاهرة الجديدة بالتجمع الثالث، تقف العمارة رقم 4 تحتضن مواهب فذة، وقدرات عقلية تفوق القدرات المعتادة لأطفال المراحل الابتدائية والإعدادية، أو حتى الثانوية العامة، أصحابها طفلان أكبرهما عمرو عزت، في الصف السادس الابتدائي بمدرسة سمير فهمي التجريبية، والأصغر مصطفى عزت في الصف الرابع الابتدائي.

سلك الطفلان في طريق الجد والاجتهاد، فعلى مدار 6 أعوام حصل عمرو على المركز الأول على مدرسته، وهكذا الأمر بالنسبة لمصطفى الذي حصل على المركز الأولى على مدرسته على مدار أربعة أعوام، فلم يكن سبيل إلا وسكله والدهما لتوفير بيئة تعليمية تحتضن قدراتهما العقلية آخرها حضورهم محاضرات مع طلاب كلية العلوم بجامعة القاهرة.. "الوطن" انتقلت إلى منزل الطفلين وعايشت واقعهم في المذاكرة وما يواجهونه من متاعب في الذهاب إلى الجامعة.

يستيقظ الطفلان في الساعة السادسة صباحا ليكونا ضمن الطلاب الذين تبدأ محاضراتهم الساعة الثامنة والنصف صباحا، فلم يكن بعد المسافة والتي تستغرق ساعتين، عائقا أمام عمرو وشقيقه في الذهاب إلى جامعة القاهرة لحضور محاضرات "ليست لهم في المفهوم التقليدي"، بحسب ما رواه "عمرو" لـ"الوطن"، موضحا أنه يحضر محاضرات في الجامعة لأكثر من عامين ونصف. يقضى "عمرو" وشقيقه 6 ساعات في الجامعة، ما بين حضور محاضرات في مواد الجبر الخطي والجبر المجرد، والتفاضل والتكامل، بجانب التحليل الحقيقي، ويحرص على استغلال أوقات الفراغ بين المحاضرات في قراءة كتب الرياضيات والعلوم لتثقيف نفسه وصقل موهبته، مشيدا بتعامل أعضاء هيئة التدريس معه، قائلاً: "بيحبوني جدا وبيعلموني كويس".

ينافس عمرو الطلاب من الفرقة الثالثة والرابعة بكلية العلوم بجامعة القاهرة، فلم يخضع لامتحان إلا وحصل على درجات أعلى منهم، لافتا إلى أنه لم يستذكر سوى ساعة في اليوم: "بستغل باقي الوقت في قراءة كتب وبفكر ابتكر حاجات كتيرة في حل المسائل الرياضية"، متمنيا أن يصبح عالم رياضيات مثل العالم الأجنبي "جاوس"، الملقب بأمير الرياضيات، لتميزه في المجال.

علاقات صداقة تسودها الود المحبة كونها "عمرو" مع عدد كبير من طلاب الجامعة: "ليا أصحاب كتير هناك وكلهم كويسين جداً وبنتعامل مع بعض كأننا في سن بعض"، متمنياً عدم تكرار منعه من دخول الجامعة لاستكمال مشواره التعليمي.

يتمتع "مصطفى عزت" شقيق الطفل المعجزة "عمرو عزت"، بنفس المواهب والقدرات العقلية، فيحرص دائماً على الذهاب إلى كلية العلوم جامعة القاهرة مع شقيقه، معبراً عن سعادته البالغة بموافقة رئيس الجامعة الدكتور محمد عثمان الخشت على عودتهما إلى الجامعة بعد أن كانت قد قررت إدارة الأمن منعهم من الدخول.

على مكتب صغير، يجلس مصطفى أمام شقيقه، يتعلم منه، يستذكر دروسه، يجتهد في أن يفكر مثله، بخاصة بعد أن بات هو باقة النور التي يسير على نهجها في سبيل تحقيق أحلامه، متمنياً في حديثه لـ"الوطن"، أن يكون عالم رياضيات، موضحاً أنه يقضي 7 ساعات في استذكار دروس الجامعة والمدرسة، لافتا إلى أن يحصل على المركز الأول على مدرسته دائما.

كوالد لهم، يتابع دروسهم بشكل جيد، يرشدهم للصواب، يعمل دائما على تنمية موهبتهم وقدراتهم العقلية الفذة في الرياضيات، بخاصة وهي تخصصه الذي يعمله فيه، فهو عزت أحمد، مدرس الرياضيات للمرحلة الثانوية العامة، فيقول لـ"الوطن": "اكتشفت أنهم شاطرين جداً في الرياضة وبدأ يذاكروا مناهج إعدادي وثانوي وهما ولسه في كي جي"، مؤكداً: "كل تيرم يخلصوه في أقل من شهر ونصف".

محاولات شتى بذلها "عزت" لتوفير بيئة مشجعة لطفليه، والتي تمثلت من وجهة نظره في كلية متخصصة في الرياضيات تحتضن قدراته وتنميها، إلا أنه لم يفقد الأمل فبعد محاولات وافقت كلية العلوم على تبني الطفلين وتعليمهما بشكل جيد، لافتا إلى أن أعضاء هيئة التدريس في الكلية منحوا طفليه الكتب بـ"المجان".

بات حلم الوظيفة الميري حلم الكثير من أطياف الشعب، لكن الأمر اختلف بالنسبة لـراندا فرغلي، مدرسة اللغة الفرنيسة، أم الطفلين، فبعد أن خضعت لجزاءات صعبة من المدرسة لغيابها المتكرر عن الحصص المدرسية نظراً لانشغالها بطفليها واصطحابهما إلى المدرسة والجامعة، أخيرا كشفت "راندا" في حديثها لـ"الوطن" أنها ستقدم استقالتها من المدرسة للتفرغ لطفليها.

"عمرو ومصطفى رسالتي في الحياة، وأقل حاجة أعملها ليهم كأم أني أضحي بوظيفتي عشانهم، ومشوار الجامعة صعب جداً بس المهم أنهم بيتعلموا وبيستفادوا"، بحسب ما أكدته "راندا" لـ"الوطن"، فتحرص على انتظار طلفيها في الجامعة لأكثر من 6 ساعات: "بقعد في مكتب الدكاترة وهما بيرحبوا بكده وأوقات بقعد في أي مدرج فاضي"، موضحة: "بجهز الأكل بالليل عشان اليوم كله ببقي معاهم".

جدير بالذكر أن الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة استقبل الطفلين وأسرتهما، وتعهد بتوفير كامل الرعاية لهم، عقب نشر "الوطن" قصة منع أمن الجامعة من دخولهم الحرم الجامعي.