دينا عبدالفتاح تكتب لـ"الوطن": لا اتصال آمناً!

دينا عبدالفتاح تكتب لـ"الوطن": لا اتصال آمناً!
- دينا عبدالفتاح
- شبكة الإنترنت
- الإنترنت
- الإعلانات الخاصة
- إعلانات
- دينا عبدالفتاح
- شبكة الإنترنت
- الإنترنت
- الإعلانات الخاصة
- إعلانات
«هذا الاتصال غير آمن».. أو «not secure» جملة تزعج الكثير منا، عند قيامه بتصفّح مواقع الإنترنت المختلفة، وتعبر عن أن الاتصال الحالى بالإنترنت قد ينجم عنه اختراق لخصوصيتك وبياناتك واستغلالها بأى شكل من الأشكال.
ولو تأملنا وجودنا على شبكة الإنترنت خلال الوقت الحالى، سنتأكد جميعاً بأنه «لا اتصال آمناً» عندما نكون على شبكة الإنترنت، وذلك لأن بياناتنا وسلوكياتنا وتفضيلاتنا أصبحت سلعة تدر مليارات الدولارات للمتاجرين بها، وصعب أن يحترم هؤلاء التجار خصوصيتنا فى سبيل مجموعة من المبادئ أو القيم أو الأخلاقيات، التى لن يتم التعبير عنها بالدولارات فى القوائم المالية للشركات!
فعالم البيزنس يحكمه المال، ويحركه هدف الربح، فلو تصفّحت موقعاً للرحلات الآن ولو حتى بالصدفة، لن تسلم على مدار أسابيع من الإعلانات الخاصة بوجهات السفر حول العالم، ورحلات الطيران المخفّضة، وعروض السفر المغرية، التى تشعر بأنها صمّمت خصيصاً لك، ولو أردت يوماً ما أن تتعرّف على أسعار أحدث الموبايلات، ستجد إعلانات هذه الهواتف تلاحقك فى كل مكان تدخل إليه خلال وجودك على الإنترنت، لدرجة أنك من الممكن أن تحلم بها أثناء نومك.
ولو قمت بزيارة موقع لطلب سلعة معينة، ستجد إعلانات المواقع المنافسة تحيط باتصالك فى كل مكان، وبعد كل هذا من الممكن أن تجد جملة «اتصال آمن»، فكيف لنا أن نصدقها!
هذه الفلسفة الخاصة بملاحقة المشترين والمتصفحين واستهدافهم بإعلانات تتوافق مع تفضيلاتهم، ومع ما يبحثون عنه أو ما يريدون شراءه، بل وتتوافق مع مستوياتهم وقدراتهم المالية، تقوم على أسلوب تحليل البيانات الضخمة «big data analytics»، الذى أصبح أسلوباً يحكم العالم فى كل شىء وفى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك من خلال الحصول على كم هائل من البيانات وتجميعها بشكل إلكترونى، وإجراء عمليات تحليل سريعة للغاية عليها، حتى تتحول هذه البيانات إلى معلومات نهائية لها مدلول واضح تصلح لمساعدة صناع القرار فى هذه المجالات.
فعلى سبيل المثال بائع سلعة معينة لم يعد اليوم بحاجة إلى أسلوب التحليل التقليدى للوصول إلى الشريحة المستهدفة من المستهلكين، وأصبح كل ما عليه أن يكتب مواصفات المشترى المحتمل لسلعته، ويقوم بدفع مبلغ مالى معين للشركات الإلكترونية حتى تصله بالمشترى المستهدف فى غضون دقائق أو ثوانٍ أو لحظات!
هكذا العالم يفكر اليوم، ويتحرك بسرعة الصاروخ ويفكر فى كل سُبل تسريع آلية اتخاذ القرار وضمان صوابه، وأفضل وأدق آليات التحليل والبحث لضمان جدوى نتائجه، وهكذا ينبغى أن نفكر.
علينا فى هذه المرحلة الحساسة التى نمر بها فى مصر، وفى ضوء خطة التنمية الشاملة التى تطبّقها الدولة على قدم وساق وتحقّق بها نتائج رائعة للغاية، أن نطور من آليات التخطيط، ونعزّز استخدامنا للتكنولوجيا، فلا يصح أن تكون هناك شركة تعمل فى مجال التسويق الإلكترونى، ولديها بيانات مئات الملايين من المشترين، وتعلم كل كبيرة وصغيرة عنهم، حتى تستهدفهم بالمنتجات التى تناسبهم وتناسب أذواقهم وقدراتهم المالية، ونحن كدولة ما زالت لدينا مشكلة فى تخطيط الموارد البشرية، وما زلنا لا نمتلك بيانات واضحة حول المتعطلين عن العمل وفئاتهم وأسباب تعطلهم، وما زلنا نعانى من مشاكل عدم ربط احتياجات سوق العمل بالنظام التعليمى القائم.
وما زلنا نفكر بشكل تقليدى فى التخطيط للصادرات أو استهداف الاستثمار أو تشجيع المشروعات الصغيرة.
علينا أن ننتفض ونعيد صياغة أفكارنا وأساليبنا فى العمل، ونواكب قطار التقدم الذى إذا فاتنا هذه المرة لن تكون لدينا طاقة أو قدرة على اللهث وراءه!
ليس عيباً أن نستعين بالخبرات الأجنبية لمساعدتنا فى التخطيط وفق أساليب حديثة لا نُتقنها، ووفق منهجيات جديدة لم نعمل بها من قبل، لكن العيب أن يظل منهج الخمسينات التخطيطى هو القائم، وأن تصاغ خُططنا الاقتصادية بمنطق الاقتصاد القديم الذى انتهى بانطلاق ثورة التكنولوجيا والمعلومات الحالية، وبالتحديد مع مطلع الألفية الثالثة التى تغير فيها كل شىء.
أمامنا الفرص، ويبقى علينا تطوير أسلوب الاستهداف، لدينا الموارد ونحتاج تعزيز طريقة الاستخدام، نمتلك الحظوظ للتقدم، ويبقى علينا فقط الاجتهاد.. فهيا نعمل.