مفيد فوزى يهاجم.. عجبت لك يا زمن!
زمان، فى سنوات عملى الأولى، كان أبناء جيلى يتطلعون إلى أساتذتهم فى مهنة الصحافة بتقدير وانبهار، ويتمثلونهم أحياناً. اشتبكت مرة مع زميل فى سجال مهنى لمجرد أنه نطقها: ولماذا لا أكون «هيكل» وأفضل منه فى المستقبل؟. وبنفس الحمية والحماس كنا ننظر إلى صحفيين كبار نسمع حكايات عن سوء استغلال مواقعهم المهنية، فنغضب على المهنة، وننحت من حروف أسمائهم «كنيات» جديدة تدل عليهم، وتختصر أبشع صفاتهم وسلوكياتهم المهنية. ومن أبرز هؤلاء الكبار، الأستاذ مفيد فوزى، وكنيته «مستفيد فورى». هذه «السمعة» تقتل نزاهة الصحفى ومصداقيته فى العموم، وتتناقض مع آخر سطر فى مقال الأستاذ مفيد الذى نشره أمس فى «المصرى اليوم»: «أكتب بصدق من منصة وطنية، ولا أخاف لأنى متجرد صاحب رأى ليس إلا».
كعادة الأستاذ مفيد.. استهلك نصف مقاله تقريباً فى الهجوم على فترة حكم الزعيم جمال عبدالناصر، أو ما يسميه من باب الغل «النظام الشمولى».
وأنا أعذره، فالرجل يبحث لنفسه عن «تاريخ» أو جذر سياسى يتباهى بالانتماء إليه. وإذا كان عبدالناصر قد فصله تسعة أشهر كما يقول.. فإن كثيرين من جهابذة المهنة -أكثر منه أهمية وأعظم أثراً- تعرضوا للفصل، بل والسجن، ولم يطبلوا لأنفسهم أو يتحولوا إلى «شيوخ ممحونين» فى المهنة مثل الأستاذ مفيد. لكن الرجل ينطلق من الهجوم على نظام عبدالناصر إلى الهجوم على جهاز مخابرات صلاح نصر، ويتهمه -فى إشارة خبيثة ومغرضة يكشفها النصف الآخر من المقال- بأنه سبب انهيار وفشل دولة عبدالناصر.
هذه شجاعة متأخرة وفى غير موضعها، جعلت الكثيرين من أبناء المهنة -خاصة من جيلى- يفقدون الثقة فى مهنية الأستاذ مفيد وفى بطولاته وفتوحاته التى صدعنا بها، فضلاً عن إحساسهم بأن «ريادته» المهنية أصلاً ليس لها وزن يذكر. لكن السؤال: أين كانت شجاعة الأستاذ مفيد عندما كانوا «ينطقون اسم سامى شرف همساً فى جلساتهم» كما قال فى مقاله؟. لماذا لم يستلهم قبساً من شجاعته الحالية ويقف كما وقف أبطال المهنة الحقيقيون آنئذ فى وجه صلاح نصر ومخابراته.. حتى لو كان الثمن سجنه وليس فصله تسعة أشهر؟. والسؤال الأهم: لماذا يصر هذا «الشيخ الممحون» على تشويه سمعة هذا الجهاز السيادى.. ودوره الوطنى داخلياً وخارجياً منذ إنشائه؟.
من الواضح أن الأستاذ مفيد يمهد -بهذا الهجوم على جهاز سيادى لم يكن يجرؤ أو غيره على التفوه باسمه- لهجوم أوسع، يتعلق بتولى هذا الجهاز مسئولية ملف الإعلام فى الفترة الحالية. والحق أننى لم أجد غرابة فى هجوم الأستاذ مفيد على جهاز المخابرات من ناحية، وإفراطه فى مدح الرئيس السيسى من ناحية أخرى. فنظام السيسى هو الذى منحه فرصة ذهبية ليتحول من صحفى منافق، يأكل على مائدة كل نظام، إلى صحفى معارض. لكنه حتى فى معارضته لم ينسَ أنه «مستفيد» وليس «مفيداً». لأن هجومه على جهاز المخابرات لا بد أن يتبعه سؤال مهم: هل لو كان الأستاذ مفيد يعمل الآن فى إحدى المحطات التليفزيونية.. سيطلق نيرانه بهذا الشكل الكثيف؟. هل كان يجرؤ على وضع اسمه فى جملة مفيدة؟.
ما كتبه الأستاذ مفيد فى سياق تشويهه (وهو كثير وسمج مثل كاتبه) يعكس خفته وتهافته، وجشعه المفرط للوجود فى المشهد الإعلامى بأى طريقة، حتى إنه وجّه بعض نيران حقده نحو من وصفهم فى مقاله بأنهم «شباب غير مؤهل يخاطب الناس»!. وأنا أسأله: وما مؤهلاتك أنت يا شيخنا الممحون؟. وماذا قدمت أو يمكن أن تقدم للناس فى تلك المرحلة العصيبة، حيث تتعرض مصر لحرب طاحنة على كل الجبهات، وفى كل المجالات: سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية وثقافية؟.
كنت تدعى أنك نصير الشباب، وأنك تشجعهم وتبارك اقتحامهم للمشهد الإعلامى، لكنك بمقالك هذا كشفت عن حقد وانتهازية يليقان بما قيل عنك: «مستفيد.. فورى»، وقلبت الطرابيزة فى وجه النظام الذى تتغنى برئيسه وتهاجم مؤسساته، وعلى رأسها جهازه السيادى. الحقيقة أنك «قرش مخروم»، لا مكان له فى بلد يحارب ويبنى فى وقت واحد. أنت ابن «إعلام الفوضى» يا أستاذ مستفيد، حين كنت تخبئ ريادتك الهشة وأدواتك المهنية الساذجة فى سيولة المشهد الإعلامى وفساده. وأنصحك: بلاش انت.. فمصر تغير جلدها و«لسانها».