فى الحجاب.. و"التربون"!

وليد طوغان

وليد طوغان

كاتب صحفي

قلَب جدل الحجاب الدنيا مرة أخرى، مع أن الأصل فى الدين المعاملة، لا هو طقوس أولاً، ولا هو طريقة ملابس فى المقام الرئيسى.

الإسلام معاملات تصح بها الدنيا، وعبادات تصح بها الآخرة. حرص الدين على تنظيم المعاملات أولاً لضبط مصالح المجتمعات، لذلك ففى الفقه أن حقوق الناس محل القصاص، بينما حقوق الله مناط عفوه.

إهمال تنظيم العلاقات بين الناس يعنى فوضى وافتراءات على الدولة، وعلى مؤسساتها، بينما حقوق الله تظل علاقة خاصة بين المسلم وبين الله، حُكمها عند الله.

لم تكن الأزمة الأخيرة فى «حجاب» أو «تربون»، إنما كانت فى ردود فعل عكست خللاً فى اهتمامات كثيرين فى مجتمع يسعى للبناء والتنمية، ويحارب الإرهاب، ويحارب أفكاراً هدامة باسم الدين.

وكان صمت الأزهر غريباً، وكأن المسألة لا تعنيه، كأن القضية مجرد خلاف على مواقع تواصل، أو ليست إلا آراء شعبوية ليس لها دلالة على طريقة تفكير.. ولا آلية تعاطى الناس مع أصول الدين.

هناك مَن يعتبر طبيعة وأشكال الجدل فى مسائل الدين على وجه الخصوص عبارة عن عينة من طريقة تفكير المجتمعات. هناك مَن يعتبرها إشارة إلى كيفية رؤية المجتمع للدين ومقاصده.. والغرض منه.

للآن تبدو أكبر أزمتنا الفهم الدينى المغلوط، والأولويات المضطربة. تظل مشكلاتنا الكبرى فى قلب العقيدة إلى طقوس، وقصر الفروض على مشاعر مقدسة، وحركات تعبدية، أكثر من الاهتمام بمضامين الأفكار، وجوهر العقائد.

لذلك ففى مثل تلك الظروف.. لا بد للأزهر من دور واجب، فى مثل تلك الأزمات، ليس إلا الأزهر مرجعية واحدة وحيدة.. أو هو المفترض أن يكون.

جددت «أزمة التربون» الإشارات لالتباسات عند كثيرين فى معنى ومفهوم ومقاصد الدين. وبيان مقاصد التشريع واحدة من أهم مسئوليات الأزهر الشريف، أو هى واحدة من مسئولياته الأساسية.. والمنسية.

يأتى فقه الأولويات على رأس مقاصد التشريع، من أولويات الدين المصلحة، وحيثما توجد مصالح المجتمعات، ثمة وجه الله. المسلم الصح هو مَن تشغله علاقته بالله، بينما المتطرف هو الذى تشغله علاقة جاره بالله!

والالتباس فى مفهوم مقاصد الإسلام هو أحد أكبر منابع الإرهاب. الاضطراب فى النظرة للآخر هو أساس المغالاة، وأساس التطرف، وهو أساس الانحراف الفكرى فى الطريق لإسلام القنابل الصناعة محلية.

بيان مقاصد الإسلام الصحيح هو أساس التجديد، لكن التجديد معلَّق، والحبل عند الأزهر، بينما للآن لا يبدو فى الأمور تجديد.. ولا دياولو.

حتى الستينات لم يكن قد ظهر الحجاب فى الشارع المصرى، لم تُثر قضية الحجاب كل هذا اللغط وقتها.

كثير من نساء وبنات المشايخ الكبار ورموز الأوقاف وقراء القرآن المشاهير لم يعرفن الحجاب حتى بداية السبعينات.

هل خالف شيوخ الأزهر زمان الشرع والدين فى البنات والزوجات؟

الحقيقة لأ!