اتفاق الرياض.. تعزيز وحدة اليمن بشروط

حسن أبوطالب

حسن أبوطالب

كاتب صحفي

توقيع اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالى الجنوبى، يمثل نقلة نوعية فى السياسة اليمنية من زوايا عديدة، بعضها مُرحب به من الجميع، وبعضها الآخر محل تساؤلات تنتظر عملية التطبيق على الأرض. لكن السمة العامة هى أن الاتفاق يؤسس لمرحلة من الأمان والاستقرار فى الجنوب بعد حالة التمرد والاشتباكات العسكرية التى وقعت بين قوات الجيش اليمنى والقوات التابعة للمجلس الانتقالى الجنوبى ووصلت إلى ذروتها فى أغسطس الماضى، حين تمكنت قوات المجلس الانتقالى من السيطرة على المرافق الحكومية ومقار الوزارات العاملة فى عدن، وحينها وجد التحالف الداعم للحكومة الشرعية نفسه أمام إشكالية كبرى تُحد من الجهود المبذولة لمواجهة انقلاب حركة «أنصار الله» الحوثية، ومن ثم قررت الرياض أن تلقى بثقلها وراء عملية حوار مكثف فى جدة ثم الرياض، انتهت إلى الاتفاق على بدء مرحلة جديدة فى المحافظات الجنوبية وفقاً للإطار العام الذى يحكم حل الأزمة اليمنية متمثلاً فى المرجعيات الثلاث (المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطنى، والقرار الدولى 2216 ومقررات مؤتمر الرياض)، وفى أولوية تمكين الحكومة الشرعية على كل ربوع اليمن، وأولوية مواجهة الانقلاب.

يتضمن الاتفاق عدة بنود أساسية منها؛ تفعيل الحكومة والمؤسسات الرسمية، وإعادة تنظيم القوات العسكرية تحت قيادة وزارة الدفاع، وإعادة تنظيم القوات الأمنية تحت قيادة وزارة الداخلية، والالتزام بحقوق المواطنة الكاملة لكل أبناء الشعب اليمنى، وإيقاف الحملات الإعلامية، وتوحيد الجهود تحت قيادة تحالف دعم الشرعية لاستعادة الأمن والاستقرار فى اليمن، ومواجهة التنظيمات الإرهابية، وتشكيل لجنة تحت إشراف تحالف دعم الشرعية فى اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية لمتابعة وتنفيذ وتحقيق أحكام الاتفاق وملحقاته، ومشاركة المجلس الانتقالى الجنوبى فى وفد الحكومة لمشاورات الحل السياسى النهائى.

كما يتضمن الاتفاق ثلاثة ملاحق، أحدها سياسى واقتصادى ينص على تشكيل حكومة كفاءات سياسية لا تتعدى (24) وزيراً، على أن تكون الحقائب الوزارية مناصفة بين المحافظات الجنوبية والشمالية، خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوماً. والثانى ملحق عسكرى يتعلق بإعادة تنظيم مواقع القوات العسكرية التابعة للحكومة وللقوات التابعة للمجلس الانتقالى وضوابط لدمج قوات المجلس فى وزارة الدفاع، والثالث أمنى يتعلق بضوابط عمل القوات الأمنية وسبل دمجها وترقيمها فى إطار وزارة الداخلية اليمنية. وفى كل الخطوات التى اتفق عليها هناك دور مهم يقوم به التحالف بقيادة السعودية لضمان حسن التطبيق وحل الإشكاليات أولاً بأول والمتصور أنها قد تبرز فى أى لحظة.

ومن الواضح أن الاتفاق وملاحقه الثلاثة يستهدف ضمان ألا تعود المواجهات مرة أخرى لأسباب تتعلق بطموحات المجلس الانتقالى الداعية إلى فك الارتباط بين الجنوب والشمال، وبالتالى عدم تشتيت الجهود العسكرية والأمنية فى أمور فرعية تخصم من مواجهة حركة «أنصار الله» الحوثية. وثانياً تعزيز مسار الوحدة اليمنية وفق مخرجات الحوار الوطنى على الأقل فى هذه المرحلة، وترحيل البت فى أى مطالبات غير وحدوية إلى ما بعد تسوية الأزمة اليمنية سلماً أو حرباً بحيث يتم ذلك بين اليمنيين أنفسهم. وثالثاً تمكين الحكومة بعد إعادة تشكيلها مناصفة بين محافظات الجنوب والشمال من العمل وفق بيئة آمنة فى عدن باعتبارها العاصمة المؤقتة، ورابعاً ربط كل القوات التى أنشئت فى الفترة السابقة فى المحافظات الجنوبية بوزارتى الدفاع اليمنية والداخلية ما يضفى عليها سمة الشرعية وينهى سمة التمرد، وخامساً مشاركة ممثلى الجنوب فى المشاورات والمباحثات التى تتم بإشراف المبعوث الدولى لتطبيق القرارات الدولية لتسوية الأزمة اليمنية، وبالتالى تتجسد مشاركة اليمن ككل فى تحديد مسار البلاد سلماً أو حرباً، وسادساً تعزيز الشراكة بين تحالف دعم الشرعية والحكومة اليمنية بتشكيلها الجديد، ومن ثم تركيز الجهود المشتركة على معالجة قصور الخدمات الضرورية لليمنيين.

هذه الأهداف تجمع بين نوعين، مرحلية عاجلة تستهدف تجسيد حالة آمنة ومستقرة فى المحافظات الجنوبية تؤمن عمل الحكومة، وأهداف مؤجلة يُترك حلها لليمنيين أنفسهم بعد إنهاء حالة الحرب الراهنة مع حركة «أنصار الله» الحوثية، وتحديداً مطلب المجلس الانتقالى الداعى إلى فك الارتباط. وفى هذا الجانب تحديداً يبدو إدماج المجلس الانتقالى فى بنية الحكومة وإنهاء استقلالية عمل القوات التابعة له نوعاً من التمهيد لإعادة النظر فى المطالب الانفصالية ذاتها، وبالتالى تأكيد خيار البقاء فى ظل دولة الوحدة ولكن بصيغتها الجديدة الواردة فى مخرجات الحوار الوطنى والمستندة إلى الأقاليم الفيدرالية المتمتعة بالتسيير الذاتى وأن تختص السلطة المركزية بالحفاظ على الأمن القومى وإدارة العلاقات الخارجية وحماية الحدود والسياسة النقدية.

بيد أن هناك تحفظات أبداها البعض على تلك الفكرة تحديداً، ويرون أن الاتفاق بُنىَ على مساواة بين طرفين؛ أحدهما شرعى وهو الحكومة، والآخر متمرد مُنح مزايا كبرى، وأن مشاركته فى الحكومة مناصفة تتيح له نشر أفكاره الانفصالية فى المرافق العامة للدولة ما يمهد إلى فرض انفصال فى المستقبل، وتشير بعض تصريحات قيادات المجلس الانتقالى إلى شىء من هذا المعنى، إذ يرون أن بنية الاتفاق ورغم تأكيده على وحدة الأراضى اليمنية، إلا أنها لا تلغى تماماً الحق فى تقرير المصير الذى قام على أساسه المجلس الانتقالى كممثل وحيد للجنوبيين.

وواقعياً فإن ادعاء المجلس الانتقالى بأنه الممثل الوحيد لأبناء الجنوب اليمنى مردود عليه من الجنوبيين أنفسهم، فإلى جانب المجلس الانتقالى هناك مكونات ومجموعات فعالة فى محافظات الجنوب؛ منهم الحراك المشارك والائتلاف الجنوبى وقيادة المقاومة الجنوبية، والحراك السلمى وحركة النهضة ومرجعيات حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع، والحراك الثورى والهيئة الشرعية الجنوبية، وغالبيتها تتناقض فى تصوراتها مع طرح المجلس الانتقالى، وتطالب بتصحيح الأداء الحكومى وإنصاف الجنوبيين والمطالبة بمزيد من الجهود التنموية التى حُرموا منها طويلاً، ولم يصلوا فى مطالبهم إلى تأييد فك الارتباط أو الخروج من دولة اليمن الواحد. ومثل هذا الواقع يؤيد كثيراً الافتراض بأن مشاركة قيادات المجلس الانتقالى فى بنية الحكومة الشرعية لا تعنى بالضرورة تعزيز المطالب الانفصالية، وإنما العكس هو الأكثر صحة، خاصة أن السمات التعددية فى الجنوب ظاهرة أصيلة، كما أن المحافظات الجنوبية لم تعد قاصرة على الجنوبيين أنفسهم، بل يشارك الحياة فيها أبناء الشمال، ومع تعزيز وتمتين السياسات التنموية والتمسك بمعايير المواطنة يصبح الحديث عن الانفصال مجرد مطلب شخصى ومصلحة ذاتية هامشية لا يُعتد بها.