المفوضية السامية لحقوق الإنسان ضد حرية الرأى والتعبير
حين كتبت مقالاً هنا قبل أسبوعين تحت عنوان «مفوضية سامية ضد حقوق الإنسان ولدعم الفوضى»، لم أتوقع خطوة جديدة تضاف إلى سجل المنظمة الأممية المسماة بالمفوضية السامية لحقوق الإنسان، المسئول الأول عن رعاية حقوق الناس على مختلف الأصعدة، لتتحول إلى أداة طيّعة فى أيدى بعض محترفى «اللعبة» المهاجرين من بلادهم بزعم الاضطهاد، وهم يمرحون ويتربحون من تجولهم بين بلاد العالم تحت مسمى الدفاع عن حقوق الإنسان.
الحاصل أن المنظمة الأممية لم تعد كذلك بعد ارتكاب القائمين عليها سلسلة من الحماقات التى تهدر كل قيمة أو مكانة للمنظمة المعنية أصلاً بتأسيس علاقات طيبة مع الدول الأعضاء فى المنظمة الدولية من أجل إصلاح أوضاع حقوق الإنسان فى مختلف بلدان العالم، لكن ها هى المنظمة الأممية تصطدم بأغلب بلاد العالم وتثير معها أزمات، بسبب خضوعها لأهواء سياسية، وبعد اختراق مستوياتها المختلفة بمرتزقة حقوق إنسان يحملون، -وبكل جدارة- لقب «malty national spay»، لترتكب المنظمة تصرفات سياسية تخرج بها عن حدودها وما تلزمه بها مواثيقها ودستورها.
قبل أسابيع قررت المفوضية تأجيل عقد مؤتمر فى مصر حول التعذيب فى المنطقة العربية، وكانت أسباب التأجيل -ببساطة وبوضوح وبعيداً عن التبريرات الفنية- مجرد استجابة لمرتزقة حقوق الإنسان وجماعات الإرهاب التى نجحت، بالأموال وبنفوذ استخبارات دولية، فى اختراق المفوضية، وتوجيهها فى مسار سياسى، هو بكل المعانى والمفاهيم متعارض تماماً مع مبادئ حقوق الإنسان وثقافتها وخطابها وسلوكها.
ولم تهدأ المفوضية، وإذ بها تدافع عن تجمعات الفوضى وعصيان القانون وانتهاكه، حين طالبت السلطات المصرية باحترام حق الناس فى التظاهر، دون أن تحدد التزاماً بمعنى التظاهر وفقاً للمواثيق الدولية والقواعد المستقرة، وإنما أظهرت فقط التزاماً بتوفير مظلة دولية لأعمال الفوضى والعنف وانتهاك القانون، وهو ما جعلها مفوضية داعمة للعنف والإرهاب وانتهاك القانون وليس احترامه وحمايته.
وقبل أيام واصلت المفوضية مسيرتها لتضرب عرض الحائط بكل المعايير والأعراف المستقرة، خصوصاً ما يتعلق بحرية الرأى والتعبير وحق الناس فى تلمُّس كل ضروب المعرفة والمعلومات ونقلها إلى الغير، حين رفضت السماح لوفد إعلامى مصرى بحضور جلسات المفوضية دون تقديم مبررات أو أسباب للرفض، الأمر الذى يُعد فريداً من نوعه، وربما هو الأول من نوعه، خصوصاً أنه يتعاطى مع الإعلام، «الطفل المُدلل» لكل الناطقين بلغات حقوق الإنسان المختلفة، والمدافعين عنه، المتطوعين حتى بأرواحهم، من أجل حق الناس فى التماس دروب المعرفة والحصول على المعلومات.
المسألة ليست شخصية، كون كاتب المقال ضمن هذا الوفد، إنما فى الحقيقة هى نموذج لحالة بلطجة أممية، وتبجُّح، بجسارة منقطعة النظير، على إتيان الأفعال القبيحة، دون خجل أو حياء، وارتكاب تصرفات هى فى الأساس التى تدّعى المنظمة الأممية أنها ضدها وتهاجم الدول التى ترتكب أفعالاً مشابهة.
أتخيل إعلامياً أو صحفياً أجنبى الجنسية رفضت السلطات المصرية، لأسباب فنية، الترخيص له بممارسة عمله داخل البلاد، أو بمتابعة حدث معين، وقتها ستنطلق أصوات جواسيس متعددى الجنسيات الحقوقية للإدانة والاتهام والنقد والتشهير، وستصدر المنظمة الأممية بيانات متنوعة تدين وتهدد وتحذر وتطالب، لكن أن ترتكب المنظمة الأَوْلى بحماية الحقوق انتهاكاً للحقوق، فيصمت هؤلاء معتبرين أن ما نرفضه من معسكركم نقبله من معسكرنا، فهذا عجيب، غير أنه فى الحقيقة واجبهم، لأنه أكل عيش ومرتب وسكن.
ما فعلته المفوضية أخيراً هو حدث، بكل المعانى، لا تقف أمامه أحاديث التبريرات والأسباب، فأن ترفض السماح لوسيلة إعلامية بمتابعة حدث رسمى مهم، مثل اجتماعات حقوق الإنسان، فأنت تمنع عن الناس وتحظر حقهم فى المعرفة وتلقِّى المعلومات من كافة الدروب، بل ومناقشتها، من أجل تلمُّس كل أشكال المعرفة والعلم.
ببساطة شديدة، نحن أمام تصرف شائن بكل معانى الكلمة، وخروج للمنظمة الأممية عن دورها، وانحيازها سياسياً دون مقتضى، بل والتعدى على حقوق دول أعضاء بالمنظمة الأممية، وانتهاك للمواثيق والأعراف الدولية القائمة عليها هذه المؤسسة الحقوقية الدولية، والتى تتمادى يوماً بعد يوم فى ارتكاب المزيد من الحماقات.
الواضح أن العالم مقبل على مرحلة ستشهد المزيد والمزيد من «الفاجومية» و«الفاجوميين»، ولمَ لا ونحن نرى رئيس أكبر وأقوى دولة فى العالم يعلن رسمياً، وعلى رؤوس الأشهاد، أن لبلاده نصيباً من بترول بلد آخر هو سوريا، وأنه سيرسل بقواته إلى هناك ليحصل على حصته من النفط، هكذا علناً ودون حياء أو خجل.
أخشى أن تتسبب حماقات القائمين على المنظمة الأممية فى استدعاء روح العداء لها بين صفوف الرأى العام فى بلدان عدة، وأن تتبنى -قولاً وفعلاً- حركات الفوضى المدمرة لكل إنجازات البشرية، وما وصلت له من نتائج مبهرة بعد حقب وعهود طويلة، وأن تقوم بتعميد مبدأ العصف بكل القواعد، وإتاحة المجال واسعاً أمام الفوضويين تحت ستار الحرية المُطلقة فى مختلف بلاد العالم، لننطلق فى عالم الفوضى وكراهية القانون.