"الفضاء الإلكتروني".. من هنا يبدأ الوعي ويغيب

كتب: أحمد البهنساوى وحسام حربى

"الفضاء الإلكتروني".. من هنا يبدأ الوعي ويغيب

"الفضاء الإلكتروني".. من هنا يبدأ الوعي ويغيب

وصف عدد من خبراء الإعلام والأمن المعلوماتى، مواقع «السوشيال ميديا» بـ«وسائل متسلقة»، تعيش على ما تنتجه وسائل الإعلام، وتضر المجتمع بالعمل على تزييف الواقع وتسطيح الوعى، وهو ما يتطلب مواجهته بشتى الطرق، منها وضع آليات لاستعادة الإعلام مكانته، كمصدر أول وأساسى وأكثر مصداقية للمعلومات والحقائق، لحماية المواطن والمجتمع من مخاطر الفضاء الإلكترونى، باعتباره السلاح الأخطر فى حروب «الجيل الرابع»، محذرين من خطورة ألعاب الأطفال، التى تدمرهم سلوكياً وفكرياً.

خبراء: وسائل الإعلام يجب أن تكون المصدر الأول للمعلومة والخبر لتحمى الجمهور بمهنيتها من موجات التزييف على الـ"سوشيال ميديا"

وطالب الخبراء، الذين تحدثوا لـ«الوطن»، بضرورة توافر عنصر الاحترافية فى الإعلام المصرى، عند تناول مختلف القضايا الاجتماعية والثقافية والرياضية والفنية، ليس فقط السياسية، فضلاً عن إتاحة التنوع لتحصين المواطن ضد ما قد يتعرض له عبر «السوشيال ميديا» من أخبار زائفة، وتناول يهدد الهوية، عبر منشورات تمثل إهانة للغة العربية وللثقافة والتاريخ المصرى، وتفنيد الشائعات أولاً بأول والرد عليها بالحقائق.

وقالت الدكتورة سوزان القلينى، عميد كلية آداب عين شمس، عضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، إن مخاطر السوشيال ميديا وتأثيرها على الوعى ليس لها حد، وترتبط بأكثر من مستوى ومجال، ومن ذلك خطرها الكبير على الحياة الاجتماعية، لأنها تتسبب فى عزلة للأفراد، من شأنها تدمير العلاقات الإنسانية بين الناس، وقد أدت إلى تفكك أسرى، وصل فى بعض الحالات إلى الطلاق، لأن الزوج والزوجة انشغلا بالعالم الافتراضى عن واقعهما.

"القلينى": "السوشيال" تسبب عزلة اجتماعية وتهدد الهوية

وحول أثر السوشيال على الوعى والثقافة، أكدت «القلينى» أن الثقافة وجزءاً كبيراً من الهوية دائماً ينحسر مع كل اختراق للغة، وهو ما فعلته السوشيال ميديا، فبملاحظة تدوينات الشباب سنجد أن بها إهانة كبيرة للغة العربية، ما يثير المخاوف من اندثارها بين الأجيال المقبلة، ويؤدى فى النهاية إلى فقدان الهوية، وعلى المستوى السياسى فإن مخاطر مواقع التواصل الاجتماعى ليس لها حد، بعد أن أصبحت منصات لضخ الشائعات المغرضة والتشكيك فى كل ما هو وطنى، والطعن فى الناس والثوابت، فضلاً عن استخدامها بمنهجية من المعادين للدولة، ممن يسعون لضرب الوطن من الداخل، كل هذا يؤثر على المجتمع والوعى الجمعى.

وشددت عضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، على ضرورة تحرى وسائل الإعلام الدقة، فيما تتناقله من أخبار عن وسائل التواصل، وكذلك فيما تنشره على وسائطها وحساباتها، وعليها أن تهتم بتفنيد الأخبار والمزاعم والشائعات المغرضة، وتنشر تصحيحها، خاصة أن من يتعاملون مع السوشيال ميديا، أناس عاديون وليسوا محترفين أو مهنيين، فضلاً عن المتربصين من المغرضين، ممن يمثل تضليل الرأى العام شغلهم الشاغل.

وأشارت «القلينى» إلى ضرورة وضع ضوابط لتنظيم كل ما ينشر على وسائل الإعلام الإلكترونية، خاصة منصاتها على السوشيال ميديا، وأن تكون تحت سيطرة كاملة من الدولة، متابعة: «هذا لا يعيب أحداً، لأن أى شىء يمس الأمن القومى يجب أن يكون تحت سيطرة الدولة، ولا يتعارض هذا مع حرية الرأى أو الإبداع، لأنهما لا يعنيان أبداً الإساءة إلى البلد والمجتمع، وهناك بعض البلدان تضع تطبيقات لتنظيم استخدام هذه الوسائل، لتكون تحت السيطرة، ويجب أن تكون هناك عقوبات صارمة على كل من يستخدم الوسائل للإساءة إلى الدولة أو أمن المواطن، مع تفعيل القوانين المنظمة لتلك الوسائط».

"عطية": احترافية الإعلام وتقديم محتوى مهنى ضرورة لمواجهة سلبيات "التواصل الاجتماعى"

الدكتور هشام عطية، عميد كلية الإعلام جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، أوضح أن هناك أموراً بديهية قد تغيب عن كثيرين، منها أن السوشيال ميديا ليست منتج وسيلة إعلامية، لتحرير الأخبار وإجراء التحقيقات أو صناعة الأفلام، وهى لا تتكلف شيئاً من ميزانيات الإعلام، وإنما هى كائن متسلق على محتوى وسائل الإعلام، مضيفاً: «لو أعجبنى خبر ما يمكننى إعادة نشره أو مشاركته على السوشيال ميديا، لينتقل هذا الخبر أو المحتوى من صفحة وحساب إلى آخر، وهكذا، فنحن أمام ساحة لعرض كل ما هو متاح لوسائل الإعلام، وفق اختيارات الأشخاص، وبالتالى أرى أن السوشيال مرآة لقوة تأثير وسائل الإعلام»، وأكد «عطية» أن الوجود على السوشيال ميديا يحتاج أن تكون المنصات الإعلامية قوية، والأمر هنا يتعلق بكل المحتوى من سياسى إلى ثقافى إلى اجتماعى إلى الفن والرياضة والأدب، عندها سيكون من الصعب على المغرضين تزييف الوعى والحقائق، مشدداً على أن الاحترافية فى العمل، وتقديم مواد ومحتوى مهنى ومخدوم، هما نقطة البداية فى مواجهة الآثار السلبية للسوشيال، كما يمكن حماية المواطن بمزيد من الإتاحات والتنوع بشكل وطنى وموضوعى وفى سياق محترم، تحصنه من الآراء والأفكار والخطط التى تستهدف وعيه، كما أن ذلك من شأنه زيادة ثقة الناس فى إعلام وطنها وقضاياه.

الدكتور عصام فرج، أستاذ الصحافة والأمين العام للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أكد بدوره أن السوشيال ميديا باتت مصدراً للمعلومات أمام شريحة كبيرة من الشباب، ومن غير الممكن إلغاء وجودها، وإنما علينا التعامل مع كل ما ينشر والرد عليه وتفنيده والمبادرة بنشر المعلومات دائماً عن كل القضايا المثارة، منعاً لنشر معلومات زائفة أو أخبار مفبركة، وطالب فرج بضرورة ألا نكون مجرد رد فعل، وإنما يتطلب من الجميع خطوة استباقية للوقاية، وهذا لا يمنع أنه عند حدوث معلومات زائفة لا بد من الرد عليها، مضيفاً: «هناك من ينسج شبكة من الأكاذيب، ويستخدم فيها معلومة واحدة صحيحة لجذب ضحاياه، فى عمليات ممنهجة لتزييف الحقيقة وتضليل الوعى، بوقائع أو أحداث لا أصل لها ولا حقيقة، الأمر الذى يؤثر على المتلقى عكسياً.

من جانبها، أكدت الدكتورة عزة هيكل، عميدة كلية اللغة والإعلام بالأكاديمية العربية التابعة لجامعة الدول العربية، أن إتاحة المعلومات ووضوح مصادرها هو أهم مصل لمواجهة آفة التضليل، وبالتوازى مع هذا هناك ضرورة لوجود دائرة مراسلين واسعة تغطى كافة المحافظات وبلدان العالم، تكون لديهم القدرة على المواكبة السريعة للأحداث والتعاطى معها، مضيفة: «من مهام وأدوار الهيئة العامة للاستعلامات، استقاء المعلومات الخارجية وترجمتها بسرعة، وتقديمها للمواطن من خلال المصادر المتعددة، إضافة إلى توضيح الحقائق باستمرار للمراسلين الأجانب ووكالات الأنباء، عبر التواصل معهم، وهو دور هام يجب استعادته، كما أن تحصين الوعى وتنميته له روافد أخرى عديدة، منها التعليم والثقافة والفن وغيره».

"حجاج": هناك جيل بالكامل يستقى معلوماته من الإنترنت وليس لديه ثقافة الأمن المعلوماتى

وقال المهندس وليد حجاج، خبير أمن المعلومات، الملقب بـ«صائد الهاكرز»، إنه فى الوقت الحالى يجرى التحكم فى الوعى والضغط على نفسية الشعوب من خلال الثقافة وتوصيل أفكار سلبية عن الدولة، وفى هذه الحالة إذا لم يكن هناك وعى بأن العدو يستطيع تدمير الشعوب من خلال وسائل التكنولوجيا والسوشيال ميديا فهى كارثة بكل المقاييس، موضحاً أن الوعى معركة ومحاولة تغييب العقول عن الحقيقة يجب إدراكها مبكراً، وأضاف وليد حجاج أن هناك جيلاً بالكامل يستقى معلوماته من الإنترنت، موضحاً أن هناك علامات يجب أن يحذر الآباء عندما يلاحظونها على أولادهم منها الانطوائية، فلا بد أن تكون هناك متابعة مستمرة منهم على الأبناء من خلال هواتفهم، مشيراً إلى أن تطور التكنولوجيا متجه إلى مراحل تفوق تخيل البشر، ولفت خبير أمن المعلومات: جزء كبير من الشائعات التى تطلق على مواقع التواصل الاجتماعى سببها الرئيسى قلة خبرة المواطن والمستخدم للتكنولوجيا، فالمواطن يغفل الأدوات المتاحة التى يستطيع بها أن يكشف الحقيقة من الفبركة، بالإضافة إلى تطور الأدوات التى تستطيع استحداث أشياء من العدم، مؤكداً أن ما يقرب من 30 أو 40% من حسابات مواقع التواصل الاجتماعى التى تستخدمها الجماعات الإرهابية فى نشر الشائعات حقيقية ولكن سرقت من أصحابها، على عكس ما كانوا يعتمدون قديماً على الحسابات الوهمية، وأكد حجاج أهمية وجود ثقافة الأمن المعلوماتى، عن طريق نشر الوعى والتوعية لدى المواطنين وبين طلبة المدارس والعاملين فى الجهات المهمة بالشكل الذى لا يضر أحداً، ومع وجود كيانات تعمل مع الدولة، دورها نشر الإيجابيات ومواجهة الشائعات بالحقائق فى أسرع وقت، ودعم الدولة المصرية.

"زاهر": ألعاب الأطفال الإلكترونية غزو يحطمهم سلوكياً وفكرياً

فيما حذر الدكتور حاتم زاهر، استشارى طب نفس الأطفال والإرشاد الأسرى، من ترك الأطفال يجلسون على الإنترنت لساعات عديدة، قائلاً: إدمان السوشيال ميديا فى الصغر «إدمان خفى» يتحول بعد ذلك إلى إدمان واضح وصريح، ومن المؤسف أن بعض الأهالى لم يلتفتوا إلى ذلك الشىء الخطير، وأضاف حاتم زاهر: السوشيال ميديا تُسرع من وتيرة المرض النفسى والاضطراب السلوكى والتبول اللاإرادى، بجانب تفكيك الأسر بشكل كبير، بسبب بعد الأسرة عن بعضها البعض، والكارثة الأكبر أنها تجعل قدوة الأطفال من السوشال ميديا وليس من الأسرة، كما تجعل من الطفل إنساناً أنانياً، لأنه يعيش فى عالم ملكه هو بمفرده، لافتاً إلى أنه إذا قامت أسرة بغلق الإنترنت يوماً واحداً، سترى كم المشاكل والخلافات التى ستحدث، وهذا «الإدمان الخفى»، وأشار استشارى طب نفس الأطفال إلى أن الألعاب هى غزو بمعنى الكلمة لعقول الأطفال الذين أدمنوها، يحطمهم داخلياً وسلوكياً وفكرياً، لأن هناك بعض الألعاب تسيطر على عقل الطفل وتجعله ينصاع وراء أوامرها فقط، حتى إذا طُلب منه الانتحار سيفعل ذلك، موضحاً: مئات الأشخاص خلال الفترة السابقة ماتوا بسبب لعبة البوكيمون معظمهم أطفال وشباب، لأنها تضع الطفل فى اختبار أكبر من قدراته وتحوله إلى شخص متلقٍ ومسير ومنزوع الإرادة.


مواضيع متعلقة