مفسرة أحلام تعالج كل الأمراض!

كانت تتم استضافتها فى الفضائيات لتفسير الأحلام والنصب على المواطنين باسم الدين وفجأة تحولت إلى طبيبة تعالج الأمراض، وحينما وجدتها تجارة رابحة أصبحت تصنع أدوية باسم الدين أيضاً وتقوم ببيعها على الهواء مباشرة من خلال أرقام تليفونات تظهر على الشاشة.

هذه مأساة نشاهدها يومياً بكثافة فى كل القنوات الفضائية على مرأى ومسمع من جميع المسئولين فى الدولة وأيضاً المجلس الأعلى للإعلام، الذى اتخذ قراراً لم يحترم حتى الآن بشأن ضوابط البرامج الطبية تضمن عدم قبول برامج مهداة أو بنظام تأجير الوقت أو الإنتاج المشترك إلا بعد العرض على المجلس، وعدم الإعلان عن مستشفيات أو مراكز علاجية إلا بعد التأكد من تسجيلها بوزارة الصحة والسماح لها بالعمل، وعدم الإعلان عن أدوية إلا بعد الحصول على موافقة إدارة الصيدلة بوزارة الصحة.

المهلة التى منحها المجلس للفضائيات لتوفيق أوضاعها انتهت منذ شهر، ولكنها ما زالت تمارس نصبها على المشاهدين وضحاياها كثيرون، بل وصل الأمر إلى انتشار إعلانات عن إخصائيين روحانيين لعلاج السحر والشعوذة وجلب الرزق والحبيب والصديق ورد المطلقة، وبيع الأدوية والأعشاب التى تعالج العجز الجنسى وكل الأمراض وتوصيلها للمنازل مجاناً حتى الطباخون أصبحوا أطباء ويعالجون المواطنين على الهواء مباشرة وكل من يملك أموالاً يشترى وقتاً فى التليفزيون ويفتى فى الطب والصحة حتى لو كان حاصلاً على محو الأمية إنها فوضى غير مسبوقة ونماذج النصب الطبى كثيرة جداً لا يتسع المقال لذكرها فحينما كان لدينا إعلام محترم كانت هناك قواعد وشروط قاسية لظهور الأطباء على الشاشة، منها مثلاً أن يكون أستاذاً أو استشارياً وكانت لجنة الصحة فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون يرأسها وزير الصحة أو من ينوبه وظيفتها مراقبة البرامج الطبية ووضع قواعد صارمة لضيوفها، أما اليوم فأصبحت صحة المواطن حقل تجارب لمن لا مهنة له من مُدعى الطب والإعلام.

البرامج الطبية مدفوعة الأجر تتاجر بآلام المواطنين وتستغل حاجتهم للشفاء من الأمراض الخطيرة، خاصة السرطانية، وكذلك لهفتهم على الإنجاب والتخسيس والتجميل.. وتسببت فى وفيات وكوارث كثيرة. والطبيب الذى يظهر على الشاشة وينصب على الناس ويكتب أرقام تليفوناته وعنوان عيادته مشهد موجود فى مصر فقط، كذلك إعلانات الأطباء فى الشوارع وعلى الطرق والكبارى وللأسف الضحية هو الشعب الذى يعانى من الفقر والجهل والمرض وما زال يصدق كلام هؤلاء النصابين فى الفضائيات باعتبارها مصدراً للثقة.

البرامج الطبية موجودة فى كل الدول، لكنها بدون أجر وتخضع للرقابة الصارمة ويقدّمها كبار المتخصصين، وهدفها الثقافة الطبية التى تسهم فى الوقاية من الأمراض، وبالتالى تخفيض فاتورة العلاج والحفاظ على صحة المواطنين.

ضيوف البرامج الطبية مدفوعة الأجر معظمهم عديمو الكفاءة والأخلاق، لأنهم يدفعون أموالاً مقابل الظهور الإعلامى، ثم يتقاضون أضعافها من المواطنين، مستغلين حاجتهم للعلاج وتكوين ثروات هائلة وهناك نماذج كثيرة لأطباء فاشلين وإعلاميين مغمورين أصبحوا أثرياء بعد دخولهم بزنس البرامج الطبية التى تتسابق عليها كل الفضائيات.

أما أطباء مصر المحترمون، وهم كُثر، فلا يظهرون فى مثل هذه البرامج ولا يرضون لأنفسهم المشاركة فى هذه المهازل، لأن سمعتهم الطبية أفضل دعاية لهم.

أذكّر المجلس الأعلى للإعلام بأن قراراته لم تُحترم حتى الآن وأتمنى ألا يتهاون مع أى قناة لا تلتزم بالضوابط التى وضعها وأن يمنع تماماً البرامج مدفوعة الأجر والإعلان عن الأدوية فى الفضائيات لأن الفوضى التى تشهدها مصر فى هذا المجال لا يسمح بها حتى فى الدول المتخلفة وصحة المواطنين ليست حقل تجارب، كما أن علاج آثار كوارث النصب الطبى الفضائى يكلف الدولة أموالاً كثيرة.

هذا ليس أول مقال أكتبه أنا وغيرى عن كارثة البرامج الطبية مدفوعة الأجر ولن يكون الأخير، لأنها لم تسئ فقط إلى الطب والإعلام المصرى بل أساءت إلى مصر وشعبها فهل يتحرك المسئولون لإنقاذ ما تبقى من سمعة الطب المصرى؟! أتمنى ذلك.