"جرائم في حق الإنسانية".. الرئيس التركي يواصل تنفيذ أجندته على حساب دماء السوريين

كتب: محمد الليثى

"جرائم في حق الإنسانية".. الرئيس التركي يواصل تنفيذ أجندته على حساب دماء السوريين

"جرائم في حق الإنسانية".. الرئيس التركي يواصل تنفيذ أجندته على حساب دماء السوريين

يوماً تلو الآخر يثبت الرئيس التركى رجب طيب أردوغان انتهاكه للإنسانية، بدءاً من داخل حدوده، حيث الاعتقالات المستمرة لمعارضيه، التى شملت نساء وأطفالاً وشيوخاً على حد سواء، مروراً بملاحقات لمعارضيه خارج الحدود أيضاً، انتهاء بالعدوان الخارجى، الذى كان آخر أشكاله العدوان على الشمال السورى، والذى قُتل خلاله مواطنون عزل بينهم أطفال، فى خطوة من شأنها إثارة العالم والحكومات ضد الرئيس التركى الذى، على ما يبدو، حصل على موافقة مسبقة على ما يمارسه الآن، نظراً لعدم وجود رد فعل قوى يردعه عن قتل المدنيين من أجل تغيير ديموغرافى يريده فى الداخل السورى.

وفى سياق تلك الانتهاكات الأردوغانية للأوضاع الإنسانية، أعلنت الأمم المتحدة، أمس، أن أكثر من 130 ألف شخص فروا من «تل أبيض» و«رأس العين»، وذلك بعد انطلاق العمليات التركية فى الشمال السورى.

"أردوغان" يُفاقم من الوضع الإنسانى للاجئين السوريين ويستخدمهم "كارت سياسى"

فى نفس السياق، أعلن مكتب تنسيق الشئون الإنسانية بالأمم المتحدة بجنيف، فى بيان للمتحدث باسمه «يانس ليركا» أمس، أن النزوح مستمر فى المناطق الريفية حول تل أبيض ورأس العين، وقال: «إن معظم النازحين وصلوا إلى أقارب أو مجتمعات مضيفة، كما وصل الكثيرون إلى ملاجئ جماعية فى مدينة الحسكة وتل عمرو ومدينة الرقة».

وأشار إلى أن عدداً متزايداً من الشركاء يقومون بتعبئة جهود الاستجابة فى حوالى 33 مأوى جماعياً حتى الآن فى مدينة الرقة، حيث تُستخدم المدارس كمراكز جماعية، وأضاف أن الأمم المتحدة وشركاءها فى المجال الإنسانى يقومون بتخطيط جديد بشأن الاستجابة لحوالى 400 ألف مدنى قد يحتاجون إلى المساعدة والحماية فى الفترة المقبلة.

واستطرد المتحدث قائلاً: «إن الوضع المائى قد تدهور فى مدينة الحسكة وحولها، حيث لا يزال يتعين على الفرق الفنية الوصول إلى محطة علوك المائية لإصلاح خط الكهرباء لاستعادة إمدادات المياه إلى المنطقة، وإن أكثر من 400 ألف شخص متأثرون بالتعليق فى توفير المياه بما فى ذلك حوالى 82 ألفاً من سكان المخيم فى الهول وعريشة»، وأضاف «ليركا» أن «المستشفيات العامة والخاصة أغلقت أبوابها فى رأس العين وتل أبيض فى 11 أكتوبر».

كما أوضح البيان أن الجهات الإنسانية الفاعلة تلتزم بالبقاء وتقديم الخدمات للمحتاجين، ولكنها تشعر بقلق متزايد بشأن سلامة وأمن مئات الموظفين العاملين لدى الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية، حيث يوجد لدى الأمم المتحدة 134 موظفاً فى القامشلى و124 موظفاً وطنياً و10 موظفين دوليين، ونوه إلى أن هناك ما يقرب من 113 شريكاً فى المجال الإنسانى يعملون فى المنطقة من داخل سوريا، مشيراً إلى أن العدد الإجمالى للموظفين الدوليين قد انخفض إلى 113 موظفاً من إجمالى 384 موظفاً فى المنطقة.

وعلق الدكتور محمد جمعة، الباحث بمركز الأهرام للدراسات، عن متاجرة أردوغان بالوضع الإنسانى للاجئين قائلاً إن ما يحدث ما هو إلا «عهر سياسى» بكل ما تحمله الكلمة من معنى، واصفاً أفعال الرئيس التركى بـ«متاجرة رخيصة من ساقط للأسف الشديد يصفق له بعض فلول الإخوان المسلمين فى العالم العربى بشكل مقزز ومريع، لأنه طيلة شهور الصيف الماضية ضغط على عدة آلاف من اللاجئين فى بلاده وهجّرهم قسرياً فى مناطق إدلب التى تخضع لسيطرة جبهة النصرة ولم يهجّرهم حتى لمناطق ريف حلب الشمالى التى ما زالت الميليشيات التابعة له تسيطر عليها».

"جمعة": متاجرة رخيصة من ساقط يصفق له بعض فلول الإخوان المسلمين فى العالم العربى

وأضاف «جمعة»، لـ«الوطن»، أن الرئيس التركى يسعى لاستعادة إنتاج تجربة قبرص الشمالية فى شمال سوريا بعدما تاجر طيلة هذه السنوات وأخذ عدة مليارات من أوروبا بحجة استضافته للاجئين فى سوريا، مشيراً إلى أنه الآن يسعى لإنشاء «منطقة عازلة» وليست «آمنة» كما يقول، وذلك من أجل تهجير وممارسة عملية تطهير عرقى فى هذه المنطقة، مضيفاً: «يجلب كتلة ضخمة من العرب السنّة اللاجئين ويهجّرهم قسرياً ويسكّنهم فى مناطق غير مناطقهم الأصلية حتى تشكل له هذه الكتلة، التى ستكون خاضعة لسيطرة تركيا أمنياً وسياسياً وثقافياً وإدراياً، منطقة حاجزة تعزل أكراد سوريا عن أكراد تركيا، والعلويين فى تركيا عن العلويين فى سوريا».

كما أكد «جمعة» أن العالم، على ما يبدو، فيه قدر كبير من التواطؤ، قائلاً: «من يحدثنى عن أن هناك خطوطاً حمراء غربية وأوروبية مرسومة لأردوغان، فلست متأكداً من هذا، هناك قدر من التواطؤ أن تبقى هذه المنطقة (مكب نفايات)، لأن قنبلة تنظيم داعش الإرهابى التى يجرى إطلاقها، وهى (داعش الجديدة)، بناء على هذا العدوان التركى الجديد، سوف يكون صداها مدوياً». وعن منظمات حقوق الإنسان وردود فعلها التى، على ما يبدو، ليست قوية بحجم المشهد، قال «جمعة» إن هذا «يعكس قدراً من التواطؤ، بمعنى أنه عندما يقول ترامب إن سجون داعش فى مسئولية تركيا، فأى مسئولية تركية؟ أنا لن أتحدث عما يحدث الآن، ولا حتى عن تواطؤ تركيا مع داعش، رغم أن كل هذا ثابت، إنما يكفى أن أشير إلى معسكر الهول وهو أكبر المعسكرات ويضم الآلاف من عائلات داعش، وهو أساساً لا يخضع فى نطاق المنطقة العازلة التى تريدها تركيا، حيث إن تركيا تسعى إلى منطقة عازلة 32 كيلومتراً، فحتى إذا نجحت فى إقامة تلك المنطقة فمعسكر الهول على مسافة 60 كيلومتراً فى عمق سوريا، وهذه إشارة ضمنية، لمن يريد الهرب فيهرب، فلا أحد يحدثنى عن خطوط حمراء غربية وكلام فارغ، فهذا بالفعل كلام فارغ».

وعن احتمالات أن تنفجر هذه القنبلة فى وجه أردوغان، قال الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن ذلك وارد بلا شك، فالمسألة فيها قدر كبير من الخطورة، وفيها أيضاً استنزاف له، لكن هذا فى كل الأحوال لا ينفى فكرة أن هناك قدراً من التواطؤ، فالرئيس التركى رجب أردوغان لم يكن يتحرك هكذا بدون ضوء أخضر، وهذا هو الواقع، وبالتالى هو جزئياً يسعى لأهداف سياسية لديه، لكن يبدو أن هناك من يريد أن تستمر هذه المنطقة، كما ذكرت، «مكب نفايات».

من جانبه، وصف الدكتور محمد شاكر، أستاذ القانون الدولى والمتحدث باسم النخبة السورية، ما يفعله أردوغان بـ«المتاجرة بالإنسانية»، مشيراً إلى أن العملية التى يقوم بها الرئيس التركى أردوغان معروف أنها لنقل اللاجئين السوريين إلى المنطقة التى يريد إنشاءها تحت اسم «المنطقة الآمنة»، لافتاً إلى أن القوات الأمريكية انسحبت من المنطقة الممتدة بين تل أبيض ورأس العين، وهى المنطقة التى تريدها تركيا للاجئين.

كما أوضح «شاكر»، فى حديثه لـ«الوطن»، أن كل ما يحدث هو ترويع وتخويف للمواطنين من أجل نقل السكان الذين هم ضد المشروع التركى فى المنطقة وتهجيرهم، سواء من الأكراد أو العرب أو غيرهم، وتابع: «بالتالى عندما تنقل السوريين اللاجئين من جميع المحافظات السورية إلى هذه المنطقة وتطرد سكانها الأصليين فهناك تغيير ديموغرافى عقبت عليه المواقف الدولية والمحكمة الجنائية الدولية التى اعتبرته جريمة حرب، وكذلك اتفاقية جنيف الرابعة، التى اعتبرت هذه الجريمة ضد الإنسانية، وخصوصاً أن الذين سيسكنون فى المنطقة التى يريدها أردوغان لن يتمكنوا من الذهاب أو العودة إلى مناطقهم، بالتالى يترك المناطق للفراغ والمشاريع والتغيير الديموغرافى الذى تريده تركيا».

ولفت «شاكر» إلى تهديد أردوغان لأوروبا بإرسال اللاجئين قائلاً: «تهديد الرئيس التركى إلى أوروبا بفتح الحدود يعنى متاجرة بالإنسانية وبالمواطنين السوريين، وهذه سياسة قديمة لدى الرئيس التركى، فمنذ بداية الأزمة السورية يستخدم أردوغان هذا الأسلوب».


مواضيع متعلقة