ابنة "فرحة" في فيلم الممر: أمي أخفت السر.. وعرفناه بعد تكريم السادات

كتب: سمر صالح

ابنة "فرحة" في فيلم الممر: أمي أخفت السر.. وعرفناه بعد تكريم السادات

ابنة "فرحة" في فيلم الممر: أمي أخفت السر.. وعرفناه بعد تكريم السادات

سنوات طويلة من شبابها كرستها لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي بسيناء، منذ عام هزيمة 1967، وجهت بمهارتها وقدرتها على المناوروة كما تعلمت على يد جنود مصريين، ضربات متتالية نالت من قوة العدو الإسرائيلي وأربكته في أرض المعركة، فرت إلى العاصمة بصحبة أبنائها الصغار رغماً عنها هربا من ويلات الحرب مع العدو المحتل، إلا أنها أبت ألا تترك أرضها لهم مدى الحياة وعزمت النية على أن تعود إليها مرة آخرى فوضعت يديها في أيدي رجال المخابرات المصرية فشربت منهم علمهم وبراعتهم وكانت خير عميلاً وطنياً لهم طوال سنوات الحرب حتى كانت أحد أسباب نصر أكتوبر المجيد.

ملامح شخصية البدوية "فرحة" التي جسدتها الفنانة أسماء أبو اليزيد في فيلم الممر، اقتربت كثيرا من قصة المجاهدة السيناوية المعروفة ببطولاتها "فرحانة حسين"، ما دفع المشاهدين الربط بينها وبين صاحبة القصة الحقيقية، التي تعاونت مع المخابرات المصرية خلال سنوات الحرب حتى كرمها الرئيس الراحل محمد أنور السادات في عام 1975 بوسام الشجاعة من الدرجة الأولى ونوط الجمهورية لما قدمته من بطولة في سيناء.

"فرحة" السيناوية، أحد الشخصيات البارزة في فيلم "الممر"، برزت في أحداثه وتركت أثرا في مشاهدي العمل الفني، فإلى جانب كونها عنصر نسائي وسط المحاربين، كانت دليلا للكتيبة المصرية في الصحراء للوصول إلى المعسكر الإسرائيلي المستهدف تدميره، حتى رأها العسكري "هلال" الذي قام بدوره الفنان محمد فراج، ووقع في حبها وطلب الزواج منها.

ملامح بطولة الشخصية الحقيقية لـ"فرحانة" التي جسدتها أحداث "الممر" تروي تفاصيلها لـ"الوطن" "عايدة سلامة سليمان" الابنة الأصغر للمجاهدة السيناوية، بدأت بطولتها الوطنية من حي إمبابة بالقاهرة، الذي انتقلت إليه مع أبنائها الأربعة بعد أن تركت مسقط رأسها بمدينة الشيخ زويد بسبب احتلال العدو لسيناء، واقترح عليها أحد أقاربها من مشايخ سيناء التعاون مع المخابرات المصرية لمساعدة جيشنا في حربه الضارية ضد العدو الإسرائيلي، حسب قولها.

الابنة: كنا فاهمين أنها تعمل في تجارة القماش

السفر على فترات متفاوتة من القاهرة إلى سيناء لتجارة القماش، كان سبباً بررت به السيناوية "فرحانة" لأبنائها الصغار تركهم وحدهم بالبيت لمدة تصل نحو شهرين تقريبا دون والدهم الذي انفصلت عنه، وحسب رواية ابنتها البالغة من العمر 60 عاما، كانت ترى والدتها تحمل "أتواب القماش" من بيتهم بـ"إمبابة" وفور خروجها من البيت تجد في استقبالها سيارة تنقلها لم تكن تعلم حينها إلى أين تذهب والدتها.

سراً أخفته البدوية، التي رحلت عن عالمنا قبل نحو 5 سنوات عمر عمر ناهز الـ85 عاماً، عن أقرب الناس إليها حتى أبنائها سنوات، التزاماً بتعليمات القيادات التي عكفت على تدريبها جيداً على فنون التخفي والتخابر لصالح الوطن ضد العدو، لم تفصح به قولاً إلا بعد أن تلقت دعوة من الرئيس الراحل السادات في عام 1975 لتكريمها بوسام الشجاعة من الدرجة الأولي ونوط الجمهورية بعد عامين من الحرب.

اندهاش كبير وشعور بالفخر بما فعلته والدتها، لم تسع كلمات الابنة "عايدة" وصفه لـ"الوطن"، فحسب تأكيدها كانوا دوما يعلمون أن والدتهم تمتهن تجارة القماش للتمكن من الإنفاق عليهم وتربيتهم جيدا، وكانت الأم الراحلة، دوما تعود محملة بالهدايا المتمثلة في أتواب القماش الملون لهم فينشغلون بها وينسون سؤالها عن تفاصيل رحلتها، ويوم علم أبنائها بحقيقة بطولتها انهالوا عليها تقبيلا فخراً بها وفرحاً بكونها عنصراً مؤثرا في نصر أكتوبر.

عايدة: كانت تخفي الأسلحة داخل القماش وتعبر القناة حتى تصل إلى سيناء

داخل "أتواب" القماش كانت تجيد "فرحانة" إخفاء الأسلحة والدخيرة التي تتسلمها من المسؤولين بالقاهرة لترسل الأمانة إلى جنودنا البواسل في سيناء، تقطع في رحلتها بحر القناة وصولا إلى أرض الفيروز، لم يتمكن جنود يوما من كشف سرها أبدا ولم تتعرض إلى الاستجواب عند عبور الحدود أبدا بفضل ما تلقته من تدريب على يد مخابراتنا المصرية، حسب تعبير الابنة الصغرى.

"عمرنا ما شوفنا في البيت سلاح وكانت بارعة في إخفاء السر عننا طول سنين الحرب"، استكملت الابنة حديثها عن بطولة والدتها، لافتة إلى أنها سمعت منها من قبل عن واقعة تفجيرها قطار العريش الذي كان يستعد لعبور الحدود محملا بالسلاح والعتاد للجيش الإسرائيلي فأحرقت قلوبهم عليه ولا تزال الواقعة تُحكى بين أبناء سيناء حتى اليوم.

لم تتمكن الابنة الصغرى للمجاهدة السيناوية "فرحانة" من مشاهدة أحداث فيلم "الممر" الذي جسد في بعض مشاهده بطولة والدتها إلا أنها وحسب تعبيرها، فخورة بما قدمته والدتها من بطولة حفرت اسمها في تاريخ أبطال نصر أكتوبر ولا يزال بيت العائلة محتفظاً بتكريمات الرئيس الراحل أنور السادات لها.

"عايشة" مجاهدة سيناوية رافقت "فرحانة" في مقاومة العدو وكرمها الرئيس السادات

على غرار شخصية الحاجة "فرحانة" كانت البدوية السيناوية "عايشة" تناضل هي الآخرى من أجل الوطن، فكلاهما كانا زوجات لرجل واحد، وتربى أبنائهم مع بعضهم البعض وانتقلوا جميعا في نفس التوقيت إلى العاصمة فراراً من ويلات الحرب في سيناء، حتى استقرت هي وابنيها "أحمد ومصطفى" في منطقة عين شمس بالقاهرة.

أحداث فيلم "الممر" لم تذكر بوضوح شخصية "عايشة" إلا أن "الوطن" تواصلت مع ابنها الأصغر "مصطفى" الذي يسكن في سيناء، حيث كانت والدته رفيقة الكفاح للحاجة "فرحانة"، وكانت هي الآخرى تخفي السر عن أبنائها تماما ولم يعلموا بحقيقة الأمر إلا بعد أن دعاها، أيضا، الرئيس الراحل السادات لتكريمها عن بطولتها في الحرب وقلدها بوسام الشجاعة من الدرجة الأولى.

نفس التفاصيل، تقريبا، السابق روايتها على لسان ابنة المجاهدة السيناوية "فرحانة" رواها مصطفى الابن الأصغر عن والدته "عايشة"، قائلاً إنها كانت تتركهم بمفردهم في البيت لفترات طويلة وتخبرهم حينها بأنها تذهب إلى سيناء لتسويق بضاعتها المتمثلة في أتواب القماش، فكانت أيضا تتاجر في القماش وتخفي بداخله الأسلحة لتسليمها إلى الجنود في سيناء.

أشياء غريبة كان يلحظها الابن مصطفى في منزلهم بالقاهرة، فتارة يرى "طبنجة" وحين يسألها ما هذا تجيبه أنها تخص خاله وسوف تعيدها إليه، فيسكت الصغير الذي لم يكن أكمل عامه الـ15 حينها، وهكذا حتى اكتشف الأمر في عام 1975.

تارة أخرى يلحظ انقسام "الشبشب" نصفين بشكل يدعو للحيرة، وحسب تعبيره، "كنت بلاقي الشبشب مقسوم نصين في البيت ولما كنت بقولها إيه اللي عمل فيه كده تقولي مفيش عادي"، حتى روت الأم البطلة التي رحلت أيضا عن عمر ناهز الـ85 عاما، لأبنائها بعد ذلك بأنها كانت تخفي فيه الرسائل والجوابات التي تحملها من قادة جيشنا في القاهرة لترسلها إلى القادة في سيناء.

لم يرى مصطفى هو الآخر فيلم "الممر" إلا أنه عبر عن فخره بزوجة أبيه الراحلة التي يعتبرها في مقام والدته وعن بطولة أمه "عايشة"، مؤكداً أنهما نساء وطنيات قدمن الكثير من الجهد في سبيل الوطن.

 

 

 

 

 


مواضيع متعلقة