إدلب معركة النفس الأخير لجماعات الإرهاب فى سوريا

كتب: محمد حسن عامر

إدلب معركة النفس الأخير لجماعات الإرهاب فى سوريا

إدلب معركة النفس الأخير لجماعات الإرهاب فى سوريا

قبل أسابيع قليلة كانت أصوات الرصاص والقاذفات تحاصر «إدلب»، وبغطاء جوى روسى تواصل قوات الجيش العربى السورى تقدمها فى القرى المحيطة بآخر معاقل الجماعات الإرهابية المسلحة، وباتت الأمور فيما يبدو أنها مسألة وقت لشن عملية عسكرية شاملة فى المدينة، خصوصاً مع تأكيدات متواصلة من الحكومة السورية بضرورة استعادة السيطرة على «إدلب» التى توصف بأنها «معركة عش الدبابير»، فهى الفصل الأخير فى أزمة سوريا على الأقل بالحسابات العسكرية، لكن تسارعت الجهود للتهدئة وتم الإعلان عن اتفاق لتشكيل لجنة صياغة الدستور، كخطوة نحو الحل السياسى، إلا أن هذا جعل مصير المدينة معلقاً، فإما أن يدخلها الجيش السورى، وإما أن يحدث تفاهم ما مع الحكومة وتبقى تحت سيطرة ما تسمى بـ«جبهة النصرة» أو «هيئة تحرير الشام». فى كل الأحوال تأجل ولو مؤقتاً الخيار العسكرى، لكن لا يزال فى اليد على الطاولة وتبقى «إدلب» ملفاً مفتوحاً على كل السيناريوهات والخيارات.

مخاوف دولية من إنتاج "غزة جديدة" شمال غرب سوريا 

جاء إعلان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، مؤخراً، عن توافق أطراف الأزمة السورية حول تشكيل لجنة صياغة الدستور كبارقة أمل إيجابية إزاء الوضع فى «إدلب»، آخر معاقل الجماعات الإرهابية المسلحة فى سوريا، كخطوة نحو مزيد من التفاهمات السلمية بشأن مصير المدينة، وفى نفس الوقت إنجاح مهمة هذه اللجنة. وفى نفس الوقت فإن هناك إمكانية لإرجاء المسار العسكرى أو ربما عدم الحاجة إليه لاحقاً، بحسب مراقبين للوضع فى سوريا، وهو الذى كان الخيار الأول قبل أسابيع مضت مع تقدم قوات الجيش السورى بدعم جوى روسى نحو عدة مناطق فى محيط «إدلب» الكبرى، جعل الفصائل المسلحة داخلها تبدو محاصرة، لكنه يفتح مصير «إدلب» على سيناريوهات عدة أحدها ذهب إلى استنساخ «غزة جديدة» شمال سوريا.

"أبوطالب": روسيا والجيش السورى فى حالة صبر حتى تنفذ تركيا التزاماتها

فى هذا السياق، قال الدكتور حسن أبوطالب، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن الوضع فى شمال سوريا يضم مجموعة من القضايا التى يجب فهمها لفهم الوضع فى «إدلب»، إذ إنها تدخل فى نطاق فكرة المنطقة الآمنة التى تدعو لها تركيا من خلال التواصل مع أمريكا التى تمارس قدراً كبيراً من المناورة، نظراً للارتباطات الأمريكية مع الأكراد فى شمال سوريا.

وأضاف «أبوطالب» لـ«الوطن»: «فى مطلع هذا العام كان هناك اتفاق بين روسيا وتركيا على أن الجيش التركى يتولى بشكل أو بآخر تصفية الوجود الإرهابى فى إدلب، وبالتحديد جبهة النصرة التى هى امتداد لتنظيم القاعدة الإرهابى، وما حصل أن أنقرة استخدمت هؤلاء الإرهابيين لمزيد من التوغل فى إدلب وجلب أنصار ما يسمى بالجيش السورى الحر». وتابع الخبير السياسى: «وبالتالى لم يتم إتمام الاتفاق وبالتالى تحولت إدلب إلى منطقة نفوذ لتركيا وإلى تهديد للقاعدة الروسية فى حميميم من خلال الجماعات الإرهابية الموجودة فيها، وأيضاً تحول هذه الجماعات دون قيام الجيش السورى بتحرير الأراضى السورية بالكامل». وقال «أبوطالب»: «بالتالى أصبح الوضع معقداً نتيجة هذه التدخلات، فهناك تدخل أمريكى غير مباشر، وتدخل روسى مباشر، وموقف سورى حاسم، وجماعات إرهابية، وتقاعس تركى، بهذا الشكل استمرت روسيا ومعها الجيش السورى فى حالة صبر لتنفيذ التعهدات التى التزمت بها أنقرة، حتى نحو 3 أشهر بدأ الجيش السورى التحرك وتحركت القوات الجوية الروسية لدك مواقع وأماكن الميليشيات الإرهابية فى فى إدلب».

ويرى «أبوطالب» أن هذا الوضع أقلق تركيا، وأن تتملص من أى اتفاقات جديدة حتى يتاح لها البقاء أكثر فى «إدلب» من خلال الحديث عن دوريات مشتركة مع روسيا، مضيفاً: «لكن فى المقابل الروس حسموا الأمر بأن تقوم تركيا بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، لكن الأتراك فى موقف حرج لعدم موافقة الإدارة الأمريكية على منطقة آمنة بالشروط التركية، وفى نفس الوقت هناك حالة من فقدان السيطرة على الجماعات الإرهابية الموجودة فى إدلب، وبالتالى هناك ضغط على القوات التركية فى إدلب، وبالتالى أصدرت تركيا إنذاراً لتنظيم أحرار الشام، وهو مجرد إعلان بأن تركيا ستأخذ موقفاً متشدداً». ويرى «أبوطالب» أن المطلوب هنا من تركيا تفكيك هذه التنظيمات الإرهابية ونقلهم بعيداً وترك أسلحتهم، لكن هذه معضلة كبرى، لأن تركيا سمحت لهؤلاء بالتمدد.

ويرى «أبوطالب» أن المرحلة المقبلة ستشهد مزيداً من الضغط العسكرى السورى على الأرض ومزيداً من الضغط العسكرى الجوى الروسى، وسيكون أمام تركيا بديل واحد فقط وهو أن تدخل مواجهة مباشرة حقيقية مع جماعة النصرة، وإذا لم تقم بذلك ستخسر روسيا، وهنا ستكون ساعة الحقيقة بالنسبة لتركيا.

بدورها، وضعت الباحثة إليزابيث تسوركوف، فى مقال بمجلة «فورين بوليسى» الأمريكية، يوم الاثنين 24 سبتمبر، تصوراً لسيناريوهات الوضع فى «إدلب»، متوقعة فى أحد السيناريوهات أن تتحول آخر معاقل الفصائل الإرهابية إلى «غزة جديدة»، حال ظلت «إدلب» تحت قبضة «هيئة تحرير الشام» فى تشبيه للتنظيم بحركة «حماس» الفلسطينية. وترى الباحثة أن «إدلب» مقبلة على مستقبل مرعب إما أن الجيش السورى يسيطر على المدينة ومن ثم هناك مخاوف من عمليات قتل جماعى، على حد زعمها، وإما أن تبقى المدينة وفق تفاهمات ما تحت سيطرة «جبهة النصرة» أو «هيئة تحرير الشام»، وهو أيضاً سيناريو صعب لأهالى المدينة الذين يبلغ عددهم نحو 3 ملايين نسمة، نظراً لانتشار أعمال التعذيب لدى التنظيم والتنكيل بالمعارضين له، فى الوقت الذى تبدو «تحرير الشام» أكثر مرونة فى تقديم تنازلات بشأن الوصول إلى صيغة تفاهم حول مصير «إدلب».

وقالت الباحثة إن سكان «إدلب الكبرى»، سواء من أهل المدينة أو نازحين، يخشون التنكيل بهم حال سيطرة الحكومة السورية، وسط نظرة لهم بأنهم مجموعة من «الإرهابيين والخونة» ومن ثم الانتقام منهم، أو أن تبقى «إدلب» تحت سيطرة «هيئة تحرير الشام» مع دور تركى، وبالتالى استنساخ «غزة جديدة» أى منطقة محاصرة تحت سيطرة جماعة متشددة تحت هدنة طويلة الأجل، واعتبرت أن أهالى «إدلب» يقتنعون أن الوضع الذى يشبه «غزة الجديدة» هو الوضع المثالى الذى يجنبهم أى عمليات انتقامية من الحكومة السورية رغم تشدد تنظيم «هيئة تحرير الشام».

 

أقرا إيضا

عضو "التفاوض": الملف سيبقى عالقاً لاختلاف المصالح

مسئول سورى: سنستردها "سلماً أو حرباً"

 


مواضيع متعلقة