ساعتان مع الرئيس السيسى
رجل مستقيم أخلاقياً ووطنياً وأهل للثقة.. بهذه الكلمات وصفت الرئيس عبدالفتاح السيسى، حين سألنى بعض الأصدقاء من الصحفيين وغيرهم عن انطباعى عن الرجل بعد لقائى به للمرة الأولى، حين كان مرشحاً لرئاسة الجمهورية عام ألفين وأربعة عشر.
كنا نجهز لإجراء أول لقاء تليفزيونى للمرشح الرئاسى عبدالفتاح السيسى مع وسيلة إعلام غير مصرية، فاجتمعنا: رئيس تحرير «سكاى نيوز عربية»، ونائبه، ومذيعة البرنامج المختارة لإجراء الحوار، ومنتج البرنامج، وأنا، لوضع ترتيبات الحوار ومحاوره، كنا جميعاً سعداء، ليس لأهمية الحوار من الناحية الصحفية وحسب، ولكن أيضاً لأننا سنلتقى هذا الرجل.
وفى اليوم التالى، تم تجهيز الموقع الذى سنُجرى فيه الحوار، انتظاراً لتحديد موعد التسجيل، بعدها بنحو ساعتين كنا جميعاً فى ضيافة المرشح الرئاسى الذى دعانا لأخذ واجب الضيافة قبل الشروع فى تسجيل الحوار.
وامتدت تلك الجلسة لنحو ساعتين، تناقشنا خلالها فى كل القضايا، وكان كعادته بسيطاً وبشوشاً وصادقاً، ولم يخلُ حديثه معنا -رغم جديته- من ذكرياته عن مرحلة شبابه وحى الجمالية، الذى نشأ فيه، وأثره فى تكوين شخصيته، وكنت فخوراً بهذا الحديث، نظراً لانتمائى إلى الحى ذاته، وبعد انتهاء الجلسة كان موعد تسجيل الحوار بعد ظهر اليوم نفسه.
ودارت الكاميرا، وبدأ الحوار، فإذا بالرجل يتحدث بالبساطة نفسها التى كان عليها فى جلسة «واجب الضيافة»، وهى البساطة التى سهلت له دخول قلوب ملايين المصريين، حتى لو أثارت تحفّظات خبراء الإعلام ورجال السياسة.
وبعد انتهاء التسجيل الذى نقلنا خلاله على شاشة «سكاى نيوز عربية» عدداً من الأخبار العاجلة، تمهيداً للإعلان عن موعد البث، طلب فريق التصوير التقاط صور تذكارية مع الرئيس، فلبى طلبات الجميع، كانت الكاميرات تلتقط الصور، فيما تقف فتاة فى مقتبل العمر بحجاب رأسها البسيط، وخجلها البادى فى وقفتها، ومتابعتها لما يدور، فإذا بالرئيس يتقدّم منها، ويسألها: وانتِ مالك، واقفة مكسوفة كده ليه؟ فترد الفتاة، أصلى نفسى أتصور مع حضرتك، فتقدم منها، وقال لها فى حنان أبوى: أنا اللى أحب أتصور مع حضرتك. وكانت الصورة التى جبرت خاطر الفتاة الصغيرة، التى كانت تعمل مساعدة الكوافير الخاص بالمذيعة.
قبل هذا اللقاء وبعده، التقيت الرئيس السيسى فى مناسبات عديدة، لكنه كان اللقاء الوحيد الذى تحدثت معه بشكل مباشر، بعيداً عن الكاميرات.
تتابعت أمام عينى تفاصيل هذا اللقاء، وأنا أتابع جلسات المؤتمر الوطنى للشباب الذى عُقد يوم السبت الماضى، بينما كنت فى تونس أشارك فى تغطية الانتخابات الرئاسية هناك، ولم أستغرب حين قال إن الأجهزة طلبت منه عدم التحدّث فى ما كان مثار جدل طوال الأسبوعين الماضيين من أحاديث استهدفت المؤسسة العسكرية واستهدفته هو شخصياً، وأنه رغم ذلك قرّر الحديث، لأنه يرى أن جسور الثقة التى بناها مع الناس لا يجب السكوت على محاولات هدمها. وأضاف: «كل ست كبيرة فى السن بتدعى لى فى البيت، وهى مصدقانى، أسيبها إزاى محتارة»، وهنا بيت القصيد، فالرجل يعرف جيداً حق من منحوه ثقتهم حين شكك البعض فى نواياه، ومن صدقوه حين شنت حملات تكذيبه فى الداخل والخارج.
يعيدنى هذا المشهد إلى جلستنا معه حين سألته قبل الحوار: من برأيك من طبقات الشعب تعتقد أنه سيُشكل ظهيراً شعبياً لدعمك والوقوف خلفك؟ فأجاب: «كل أهلنا وناسنا الطيبين، ولاد البلد، سواء كانوا فقراء أو أغنياء، اللى عايزين بلدهم تبقى أحسن، حتى لو اتحمّلوا شوية مصاعب فى الأول، بس الموضوع مش سهل، والطريق طويل ومحتاج شغل كتير».
كان يعرف حجم التحديات ويرى صعوبة المواجهة مع قوى داخلية وخارجية لا تريد الخير لمصر.
والآن، وبعد هذه السنوات، وما شهدته مصر خلالها من نجاحات وإخفاقات، وما واجهته من معارك ومؤامرات، يتضح يوماً بعد يوم صدق الرجل واستقامته الوطنية والأخلاقية.
قد نختلف مع الرئيس فى بعض الملفات، أو حتى فى كثير منها، وهذا أمر طبيعى، بل ومطلوب، لكننا لا نختلف عليه وعلى هذه الاستقامة التى منحناه بسببها ثقتنا.
وقبل أن أنهى تلك الشهادة، لا يمكن ألا أعرج سريعاً لإبداء ملاحظة على الطريقة التى تعاملت بها وسائل الإعلام التابعة لتنظيم الإخوان ومن لف لفها ودار فى فلكها، مع ما أعلنه هذا الممثل محدود الإمكانات.
ففى الوقت الذى كرّست فيه ساعات طوال من متابعاتها الإخبارية وبرامجها المباشرة أو المسجّلة للترويج لأحاديثه، وفى الوقت الذى تبنته فيه لجانها الإلكترونية بمختلف منصاتها، وعبّدت الطريق أمام هجومه البذىء على المؤسسة العسكرية المصرية والرئيس السيسى، فقد أغلقت العيون والآذان، وتجاهلت تماماً التصدع الكبير الآخذ فى الاتساع بصفوف حزب الإخوان فى تركيا، واتهامات أحد أهم مفكريه أحمد داوود أوغلو لرجب طيب أردوغان بدعم الإرهاب وتلميحه إلى مسئوليته عن مسرحية محاولة الانقلاب.
نحن هنا أمام نموذجين: رجل بقيمة أوغلو ومكانته فى الحزب والدولة، يتهم الرئيس التركى بدعم الإرهاب وتلفيق محاولة الانقلاب، ولا يتحدث أى شخص، وكأن هذا أمر لا يستحق المتابعة، حتى إن أوغلو عجز عن إيجاد أى وسيلة إعلامية لبث بيان استقالته من الحزب، ونموذج آخر لممثل مغمور يردّد سخافات بلغة بذيئة تفتح له جميع الأبواب ويقدم له كل الدعم.
ألا يسترعى ذلك انتباهنا، لندرك أن القضية أكبر من هذا الممثل المغمور، وأن الهدف أهم من تلك السخافات؟