أول عيادة للإقلاع عن التدخين في الإسكندرية: "رئة صحية.. حياة أصح"

كتب: نرمين عصام الدين

أول عيادة للإقلاع عن التدخين في الإسكندرية: "رئة صحية.. حياة أصح"

أول عيادة للإقلاع عن التدخين في الإسكندرية: "رئة صحية.. حياة أصح"

بمجرد أن تطأ قدماك الطابق الأرضى بمستشفى صدر المعمورة فى الإسكندرية، تستنشق رائحة المواد المعقمة، جميع الغرف جيدة التهوية، النوافذ مفتوحة على مصراعيها، اللافتات الإرشادية فى كل ناحية، وبالرغم من صوت الهدوء، فإن أصوات أنفاس المرضى، التى لا تهدأ، تكسر السكون، نوبات طويلة من السعال المصحوبة بالأنين، تلاحق بعضها، الانتظار يطول تبعاً للدور فى الكشف، داخل أول عيادة حكومية للإقلاع عن التدخين فى الإسكندرية، والتى افتتحت تحت شعار «رئة صحية.. حياة أصح».

ارتفاع معدلات التدخين بين الفتيات

«الوطن» عايشت مرضى أول عيادة للإقلاع عن التدخين، والتابعة لمديرية الشئون الصحية بالإسكندرية، بعد نحو أسبوعين من افتتاحها، وبدء استقبال المدخنين الراغبين فى التخلى عن هذه العادة المشينة لإصلاح حياتهم وإنقاذ صحتهم، بالإضافة إلى توفير أموالهم.. وعلى أحد المقاعد الحديدية، جلست إحدى السيدات، تبدو فى العقد السادس من عمرها، تنتظر دورها فى الكشف، وقد تعلقت عيناها بصورة شعار العيادة المعلق على الحائط، تحاول فهم ما يتضمنه من صورة لشجرة على شكل رئة، أحد جذعيها أخضر حى، والآخر ذابل أوشك على الموت.

أقل علاج للإدمان بـ15 جنيهاً

تحدثت مديحة إسماعيل، 50 سنة، لـ«الوطن»، عن معاناتها مع التدخين، بقولها: «اتعودت على التدخين من فترة طويلة، بأشرب 3 علب سجاير فى اليوم، وباخد البخاخات، بس مش عارفة أبطل»، مشيرةً إلى أن حالتها أصبحت سيئة بعد تدهور صحتها، وأنها ترددت على أقسام الصدر بالعديد من المستشفيات، إلا أن محاولاتها المتكررة للتوقف عن التدخين باءت بالفشل، وبررت ذلك بضعفها أمام السجائر ورائحتها، وأضافت أنها اعتادت على تدخين سيجارتين على الأقل كل صباح على الريق، وتستمر فى التدخين على مدار اليوم، إلا أنه بعد مرور 15 سنة على ممارسة التدخين، بدأت تنتابها نوبات «كحة» شديدة، مصحوبة بـ«البلغم»، وعدم القدرة على التنفس فى بعض الأحيان، وأكدت أن كثيراً من أصدقائها من السيدات والفتيات، يتعرضن لمعاناة شديدة بسبب التدخين، ولكن فى السر، هرباً من نظرة المجتمع لهن.

المعاناة نفسها كانت محور حديث محمد على، 60 سنة، لـ«الوطن»، حيث عبر عن عدم قدرته على الكلام بسبب شعوره بضيق فى التنفس بصورة مستمرة، وبصعوبة أشار إلى أنه خسر أموالاً طائلة على شراء أنواع مختلفة من السجائر، على مدار ما يقرب من 40 سنة، وعن بداية مشواره مع التدخين قال: «أنا باشتغل سواق، وكنت بأوصل زبون وعزم علىّ بسيجارة، فقلت أجرب وقتها، لحد ما وصل معايا الموضوع إنى بأدخن 4 علب فى اليوم»، واعتبر أنه وصل إلى هذا الحال نتيجة جهله وعدم إدراكه بأنه سيصبح مدمناً على التدخين إلى هذا الحد.

وأشار «على» إلى أنه ظل لنحو 25 سنة لا يشكو من أى أعراض للتدخين أو مشاكل فى الرئتين، إلى أن بدأت المضاعفات تظهر تدريجياً، حتى وصل به الحال إلى عدم قدرته على التنفس أثناء النوم، والاستيقاظ فى كثير من الأحيان على نوبات سعال شديدة نتيجة تهيج الرئتين، مشيراً إلى أن أبناءه كثيراً ما نصحوه بضرورة الإقلاع عن التدخين، بقوله: «أنا ضيعت فلوس كتير على السجاير، وأولادى هم اللى شجعونى على التوقف عن التدخين، مع إنى كنت بارتاح عليها، بس الوجع فى صدرى وفى قلبى مش قادر عليه»، بعد تدهور حالته الصحية خلال الفترة الأخيرة.

أما ياسر عبدالستار، 25 سنة، فقال إنه لم تصل به مرحلة ممارسة التدخين إلى الإدمان، ولكنه اعتاد على حرق نحو 25 سيجارة يومياً، وأضاف: «ده رقم قليل، وأنا حالتى مش حادة، ولكن مش عايز أستمر، خصوصاً إنى هتجوز قريب».

مدير مستشفى "صدر المعمورة": سعر الكشف 40 جنيهاً.. وفرق طبية تضم إخصائيين نفسيين وتغذية لوصف العلاج

مدير مستشفى «صدر المعمورة» بالإسكندرية، الدكتور علاء الدخس، أكد أن عيادة صحة الرئة والإقلاع عن التدخين، التى تسمى عيادة «كفاءة التنفس»، كانت موجودة بصورة غير مباشرة بالمستشفى، حيث إنها كانت جزءاً مصغراً من قسم العلاج الطبيعى، حتى قررت مديرية الشئون الصحية افتتاح عيادة مستقلة بذاتها، فى إطار المبادرة الرئاسية «100 مليون صحة»، واستقبال جميع المدخنين، بعدما تزايدت نسبتهم فى الآونة الأخيرة، خصوصاً بين الشباب والفتيات، وأضاف فى تصريحات لـ«الوطن»، أنه جرى التشغيل التجريبى لعيادة الإقلاع عن التدخين بمعاونة الأطباء المتخصصين فى الأمراض الصدرية والتغذية العلاجية والنفسية والعصبية والصيدلة الإكلينيكية والتمريض، لافتاً إلى أن سعر الكشف لا يتجاوز 40 جنيهاً.

مسئولة العيادة: السجائر الإلكترونية أكثر خطورة

من جانبها، أوضحت الدكتورة هايدى مصطفى، إخصائية الصدر والمسئولة الفنية عن العيادة، أنه جرى استقبال نحو 23 حالة، منذ افتتاح العيادة قبل 15 يوماً، حيث تستقبل المدخنين من جميع الأعمار يوم الاثنين من كل أسبوع، من الساعة 9 صباحاً وحتى 12 ظهراً، وأضافت أن العيادة تستقبل المريض بإجراء اختبار أولى لقياس كفاءة ووظائف الجهاز التنفسى، بواسطة فريق عمل مكون من 6 متخصصين، من ضمنهم إخصائى أمراض صدرية، وإخصائى علاج طبيعى، وصيدلى إكلينيكى وتمريض، بجانب إخصائى تغذية علاجية، وآخر نفسية وعصبية، وذلك لمساعدة المريض فى تخطى أصعب فترة للإقلاع، وهى الـ15 يوماً الأولى من بدء فترة العلاج، لوجود أعراض «انسحاب النيكوتين» من الجسم، ويجرى ذلك بمساعدة بعض الأدوية العلاجية.

وأوضحت أن العيادة تحتفظ بسجلات إلكترونية لكل مريض، يتضمن الاسم والسن والطول والوزن والجنس، وعدد السجائر اليومية، والمدة العمرية فى ممارسة التدخين، وأنواع التدخين، ثم يوضع المريض على جهاز خاص لتقييم كفاءة التنفس، أو صحة الرئتين، وهو عبارة عن شاشة إلكترونية متصلة بذراع به فتحة، ينفخ فيها المريض بفمه بطريقة معينة، مع غلق فتحات الأنف جيداً حتى لا تؤثر على النتيجة، وهذا الجهاز يعطى تقييماً أولياً للحالة، ويتم تصنيفه من ضيق بسيط أو متوسط أو شديد فى الشُّعب الهوائية.

وعن كيفية العلاج، قالت مسئولة العيادة إنه يقوم على تقليل عدد السجائر تدريجياً، مشيرة إلى أن العيادة تتعامل مع حالات تدخين السجائر العادية أو الشيشة أو السجائر الإلكترونية، والذى يختلف عن تعاطى المخدرات، وفى تلك الحالة يجرى تحويلها إلى مستشفى المعمورة للطب النفسى وعلاج الإدمان، وأكدت أن السيجارة الإلكترونية أخطر من العادية، لأنها تحتوى على مواد غير مصرح بها، من بينها مواد قد تسبب الإصابة بالأمراض السرطانية، ولفتت أيضاً إلى أن التدخين يؤثر على المعدة، ويعرض المريض لحدوث التهابات أو تقلصات، كما يعمل على فقدان الشهية، ولذلك تتم الاستعانة بإخصائى تغذية علاجية.

وعن أسباب انتشار التدخين بين الشباب والفتيات، أوضحت «هايدى» أنها تتمثل فى عوامل اجتماعية ونفسية وبيئية، بجانب عامل التقليد عند الأطفال، حتى مرحلة التعود ليصبح عادة، فالبعض ينظر إلى ممارسة التدخين باعتباره مؤشراً لمستوى طبقى معين، أو كإحدى السمات الشخصية، أما بالنسبة للأضرار الناجمة عن التدخين، فأشارت إلى أنها تتراوح بين الإصابة بنزلة شعبية مزمنة، وانسداد شعبى، وصولاً إلى بعض الأمراض السرطانية التى قد تصيب الجهاز التنفسى، ويعتمد ذلك على عدد السجائر وسنوات التدخين. وأضافت أنه لا بد من مرور 6 أشهر على الأقل بعد بداية فترة العلاج، حتى يطلق على المريض لقب «مدخن سابق».


مواضيع متعلقة