الفوسفات والمفاعلات النووية

قد يبدو من الوهلة الأولي أنه ليس هناك ثمة علاقة بين الفوسفات والمفاعلات النووية. لكن واقع الحال يفيد أن العلاقة وثيقة جدا، وخاصة في مصر. أصبح واضحا، وتحديداً في الخمس سنوات الأخيرة، أن الفجوة بين ما ننتج من مصادر الطاقة وعلي رأسها النفط والغاز، وبين ما نستهلكة، هي في زيادة مستمرة. والمدرك لما يدور حولنا يعرف أن سنوات العجز الشديد في سداد مستحقات الطاقة قادمة دون أدني شك، بل وأسرع مما يظن الكثير منا. وقفة الأشقاء في الخليج معنا، أجلت الإحساس المرير بقسوة أزمة الطاقة في مصر. إذا لم يكن لدينا الفطنة والإدارة الرشيدة للتخطيط لما هو قادم، فستكون النتيجة وبلا أدني شك كارثية. أرجو آلا يظن القارئ العزيز أنني متشائم، أو أنظر إلي نصف الكوب الفارغ. لا سيدي القارئ، إن الكوب سيبح فارغا بالكلية، إن لم نستعد، وبسرعة. المقدمة السابقة كانت ضرورية لتوضيح أن أزمة الطاقة هي واقع نحيا معه الأن، وسيكون خطرا علينا لو أننا لم نستعد بالبحث عن مصادر تقليدية وغير تقليدية، متجددة وغير متجددة، نظيفة وغير نظيفة للطاقة. والتنوع في مصادر الطاقة هو أحد أسباب القوة. ومن مصادر الطاقة ذات السعر المنافس والنظيفة بيئيا، الطاقة النووية، والتي أبتليت عام 1986 بالحادث الشهير لإنفجار أحد مفاعلات تشيرنوبيل، في الإتحاد السوفيتي السابق، والذي ترك أثر سيئ على آمان هذه التقنية، وأدي إلي إلغاء تعاقدات كانت بالفعل قد اُبرمت لإنشاء مفاعلات للطاقة في العديد من الدول، ومنها العديد من الدول العربية. وعندما غفر العالم هذا الحادث المأسوي، جاء حادث مفاعلات فوكوشيما في اليابان ليعيد مشهد عدم الأمان من جديد. لكن المنصف، يري وبوضوح أن المفاعلات النووية قد أصبحت الأن عالية الأمان، وأن مئات منها تنتج الطاقة في الكثير من الدول المتقدمة والنامية معاً. والمفاعلات النووية متعددة وتكنولجياتها متنوعة حسب الهدف من تشغيلها. فمنها المفاعلات ذات الأهداف العسكرية ومنها مفاعلات لإنتاج الطاقة ومنها التجريبية ذات الأهداف العلمية البحتة. والمفاعلات التي تستخدم لإنتاج الطاقة تختلف من حيث درجة تخصيب الوقود المستخدم. فاليورنيوم، كوقود، قد تصل درجة تخصيبة بين الصفر و 20%، وقد يختلف نظام التبريد فقد يكون ماء أو الماء الثقيل وقد يكون جرافيت معالج، كما هو الحال مع مفاعل تشيرنوبيل الذي إنفجر في ثمانينات القرن الماضي. وحتي يدرك القارئ معني كلمة "تخصيب"، ودرجتة، أوضح أن اليورانيوم يتواجد في الطبيعة علي صورة يورانيوم 238، الرقم هو قيمة الوزن الذري لذرة اليورانيوم، وهي ذرة غير مستقرة، بمعني أنها تشع جسيمات آلفا وبيتا (ولكن ليس جاما)، وبالتالي فإن الوزن ينقص مع مرور الزمن، حتي يصل الوزن الذري إلي قيمة الوزن الذري للرصاص، والذي هو نهاية المطاف لسلسلة إشعاعية تبداء باليورانيوم 237 وتنتهي بالرصاص المستقر، خلال فترة نصف عمر تبلغ حوالي 4.6 بليون سنة. أحد نواتج سلسلة التحلل الإشعاعي لليورانيوم 238، هو اليورانيوم 235، والذي تبلغ نسبتة في الطبيعة ذرة واحدة لكل 700 ذرة من اليورانيوم 238. وبما أن اليورانيوم 235 هو الذي يستخدم في القنابل النووية، لأنة يحدث إنشطار متسلسل عندما يصتدم به نيترون سريع منتجاً قدراً هائلا من الطاقة، بينما اليورانيوم 238 لا ينشطر. والإنشطار المتسلسل الذي يمكن التحكم به هو الذي نسمية الإستخدام السلمي للطاقة النووية حيث يمكن وقف أو إبطاء الإنشطار، بينما لايمكن إيقافه في القنابل النووية. عملية التخصيب تعني زيادة تركيز اليورانيوم 235 بالنسبة للذرة الأصلية والتي هي يورانيوم 238. لا تحتاج المفاعلات النووية، علي إختلاف أنواعها، إلي أكثر من 20% درجة تخصيب، بل أن أغلب التقنيات تعتمد علي درجة تخصيب بين 3 و 5 %، وبالتشغيل (أو حتي بمرور الزمن) تنقص درجة التخصيب، نظراً لأن اليورانيوم 235 غير مستقر ويتحلل تلقائيا لمن يلية في سلسلة الإنشطار، لذلك يجب تجديد الوقود بعد عدة سنوات من التشغيل. وبين تقنيات المفاعلات النووية السلمية، توجد تقنية تعتمد علي إستخدام اليورانيوم الطبيعي والغير مخصب، وبإستخدام الماء الثقيل. وهذا النوع من المفاعلات يحتاج إلي كمية كبيرة من اليورانوم الطبيعي تصل إلي حوالي 150 طن. مثل هذه المفاعلات لن تصيب أمريكا والغرب بحساسية تخصيب اليورانيوم، وليست مشكلة إيران مع الغرب ببعيدة عنا. وينبغي علينا أن نعرف لماذا يصاب الغرب بالهلع عندما يعلم أن دولة ما أستطاعت أن تخصب اليورانيوم ولوحتي علي درجة 5%، بينما ما نحتاجة للقنبلة النووية هو مستوي تخصيب 90%. السبب ببساطة شديدة هو أن من ينجح في الوصول إلي 5% يستطيع أن يصل إلي 90%، فعملية التخصيب هي ذاتها، ولكن لمرات أكثر وفقا للدرجة المراد بلوغها. ياتي السؤال، مع علاقة كل ماسبق بالفوسفات. العلاقة وثيقة، فخام الفوسفات يتمتع بقدرة كبيرة علي تركيز اليورانيوم بداخلة. هل يعني ذلك أن كل فوسفات يجب أن يكون به تركيز عالي من اليورانيوم. الإجابة نعم، ولكن علينا أن ننتبه للحقيقة أن خامات الفوسفات في العالم يتراوح تركيز اليورانيوم بها بين 10 و 500 جزء في المليون، بينما المتوسط الحسابي للقشرة الأرضية هو جزء واحد في المليون. والفوسفات المصري يتراوح تركيز اليورانيوم به بين 20 و177 جزء في المليون. يعود المدي العريض لتركيز اليورانيوم إلي العديد من الأسباب، أهمها وفرة اليورانيوم المذاب في الماء المتخلل لصخور الفوسفات عبر العصور الجيولوجية وطول فترة التلامس بين صخور الفوسفات وهذا الماء، مع أسباب أخري ليس مجال الحديث عنها الأن. إذا كانت مصر تصدر سنويا حوالي 4.8 مليون طن من الخام (إحصائية عام 2012)، وهي الكمية التي يمكن أن تنتج حوال 1.6 مليون طن من حمض الفوسفوريك، والذي يحتوي علي بين 30 و 35 جزء في المليون من اليورانيوم الذائب. وحيث أنه لايمكن بيع حمض الفوسفوريك أو تحضير سماد ثنائي أمونيوم الفوسفات منه، دون فصل اليورانيوم، فهذ أمر محظور بيئيا. إذا يمكن تقدير كمية اليورانيوم التي من الممكن الحصول عليها من الفوسفات المصري لو صنع محلياً وهي حوالي 50 طن يورانيوم سنويا، أي أننا نستطيع أن نكتفي ذاتيا عند إنشاء مفاعل يعمل بالماء الثقيل واليورانيوم الطبيعي الغير مخصب كل ثلاث سنوات. وسوف أترك علاقة الفوسفات المصري باليورانيوم إلي مقال أخر، راجيا من الله أن تصل كلماتي إلي أولي النهي من متخذي القرار.