رسالة إلى المهندس إبراهيم محلب

جيهان منصور

جيهان منصور

كاتب صحفي

تأتى الحكومات فى بلدنا وترحل، ولا يعرف المواطن المصرى لماذا وكيف جاءت ولماذا وكيف رحلت؟ ولكن بالتأكيد أن التجربة التى عشناها فى السنوات الثلاث الأخيرة تجعلنا ندرك أن أسباب رحيل الحكومات متشابهة إلى حد كبير وقد تكون متطابقة. لكن بنظرة موضوعية فإن المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء الجديد، يحمل سيرة ذاتية تنفيذية محترمة كرجل دولة وتم اختباره فى الحكومة الأخيرة فكان من أكثر الوزراء نشاطا كوزير للإسكان فى حكومة الببلاوى التى كانت برأيى تعمل فى ظروف صعبة إلا أنها افتقدت الشفافية والرؤية الموضوعية لوظيفتها الأساسية كحكومة حرب على الإرهاب لا على شباب الثورة! وبغض النظر عن أننى كمواطنة مصرية شاركت فى ثورتين أسقطت نظامين ودستورين، كنت لا أحبذ أن يأتى رئيس حكومتى من أمانة سياسات الحزب الوطنى الديمقراطى التى كان على رأسها جمال مبارك، فإننا نفتح صفحة جديدة لصالح الوطن ونتمنى ألا ندخل من جديد فى شبكة المصالح وزواج رأس المال بالسلطة الذى كان سببا فى انهيار منظومة العدالة الاجتماعية قبل ثورة يناير، وأناشد المهندس محلب قبل أن يجلس فى مكتب رئيس الوزراء، أن يسأل نفسه ما الذى أخفقت فيه حكومة الببلاوى سياسيا وشعبيا وعمليا؟ وهنا تبرز ملفات ثلاثة تحتاج إلى غرفة إنعاش سريعة وجهاز تنفس اصطناعى ناجز لإنعاشها من سكرات الموت الإكلينيكى البطىء الذى كان سببا فى إخفاق الحكومات السابقة بعد ٢٥ يناير، ألا وهى: الأمن مقابل الحريات، العدالة الاجتماعية مقابل الاقتصاد والاستثمار، الخدمات كالتعليم والصحة مقابل الشفافية فى الإعلام. أولا: عودة الأمن للشارع المصرى هى ضرورة ملحة، فالأمن قبل الخبز أحيانا، وكما يُقدر المواطن المصرى الجهود الخارقة التى تقوم بها أجهزة الأمن، فإننى كمواطنة يحزننى كثيرا أن أشاهد تفجيرات تطال منشآت أمنية كمديريات الأمن فضلا عن استهداف رجال الشرطة والجيش، وبغض النظر عن التعاطف والشعور بالأسى والحزن لفقدان زهرات شبابنا من الشرطة وتعاطفنا مع أسرهم وأولادهم، فإننى أطالب بضرورة تأمينهم من هذا الاستهداف، فما بال المواطن المصرى حين يشعر بأن رجل الشرطة المكلف بحمايته، لا يشعر هو نفسه بالأمن؟ من ناحية أخرى، يجب أن يعرف رجل الشرطة أن حربه على الإرهاب، لا تعطيه مسوغا لتصفية حسابات مع شباب محسوبين على ثورة ٢٥ يناير، فهذا الملف هو الذى يجعل وسائل الإعلام «الموضوعية» توجه انتقادات لأداء «بعض» أفراد الشرطة، وهو ما يعطى الانطباع بأن الحكومة غير قادرة على تحقيق الأمن فى مقابل احترام حقوق المصريين. ومن هنا أطالب المهندس «محلب» بأن يراجع كل الشكاوى والتقارير التى وردت من أهالى أطفال وشباب محبوسين احتياطيا بدون توجيه اتهامات بأدلة دامغة، حتى يبدأ مهمته بعد أن يغسل يده من تركة حكومة الببلاوى فى ما يسمى ملف «مظاليم وسط البلد». ثانيا: مشهد إضراب الموظفين فى الحكومة هو المشهد الأخير فى عمر أى حكومة منذ حكومة نظيف وحتى الببلاوى، فملف العدالة الاجتماعية هو القنبلة الموقوتة التى تطيح بالريموت كونترول بأى جهود تبذلها الحكومة لإنعاش الاقتصاد. وهنا يجب على الحكومة الوليدة أن تصارح المصريين بحجم الدين الداخلى والخارجى، والمتاح فى الموازنة العامة للدولة لتلبية طموحاتهم، وأن تضع خطة زمنية واقعية لتحقيق الحدين الأدنى والأقصى للأجور بلا استثناءات مع تشديد الرقابة على الأسعار، بحيث يشعر المواطن المصرى أن مقدرات الحكومة لا تخدعه، فيصبر الجميع ويعمل ويعرق لتحقيق هذا الهدف. ثالثا: ملف الخدمات كالصحة والتعليم هو حق من حقوق المصريين، فنظرة على مدارسنا ومستشفياتنا الحكومية كفيلة بأن نعرف درجة التدهور التى أصابتها، والإعلام المصرى قادر على العمل بشكل خدمى فى سبيل تحقيق مشروع قومى كبير لتحسين الخدمات الصحية والتعليمية فى مصر. وأنا هنا أقترح عمل دراسة جدوى لمشروع قومى كبير لبناء مدارس ومستشفيات، وعمل برامج تليفزيونية لشرح هذه الدراسات، وتوجيه الرأى العام للمساهمة فيها، كما حدث فى مستشفى سرطان الأطفال، هذا الصرح العملاق، فلماذا لا يتم عمل برامج تليفزيونية وجمع مساهمات لبناء مدارس ومستشفيات لاستكمال ما يتعذر على الحكومة أن تنجزه؟ وبذلك يكون الإعلام المصرى قد ساهم بشكل خدمى فى تحسين هذه الخدمات. كل هذه أفكار ورسائل صادقة، من مواطنة مصرية تحاول قدر استطاعتها أن تكون إيجابية وموضوعية وأن ترى هذا الوطن يخرج من عنق الزجاجة، ويساهم كل مواطنيه فى بنائه وليس فقط انتظار عصا الحكومة السحرية لتزيل كل العقبات، ولكن على الحكومة أيضاً أن تدرس مكامن الوجع والفشل والإحباط لدى المصريين، ولا تتجاهل مناشداتهم للإفراج عن أبنائهم، وتحسين ظروف معيشتهم، وتوفير الأمن والخبز، وحماية رجال الشرطة والجيش، وتوفير إعلام وصحة وتعليم يرتقى بمستوى المصريين. لو بطلنا نحلم نموت..