مكة أم قبر النبي؟.. "الإفتاء" تشرح معنى "خير أرض الله"

كتب: سعيد حجازي وعبد الوهاب عيسي

مكة أم قبر النبي؟.. "الإفتاء" تشرح معنى "خير أرض الله"

مكة أم قبر النبي؟.. "الإفتاء" تشرح معنى "خير أرض الله"

الكعبة في لغة العرب تأتي على أحد معنيين أو كليهما، الأول، أن الكعبة سميت كعبة؛ لأنها مربعة، فكل بيت مربع فهو عند العرب كعبة، بخلاف أكثر بيوت العرب فكانت مدورة، والثاني أن الكعبة سميت بذلك لبروزها وارتفاعها حسا ومعنى، فكل شيء علا وارتفع فهو كعب.

والحق أن كلا المعنيين في الكعبة ظاهر وواضح، فهي مربعة في الشكل ومرتفعة عن الأرض، وهي مشرفة ومرتفعة في المنزلة، والمراد بالكعبة شرعا: بيت الله، والقبلة، والمسجد الحرام، وهي محل للإجلال والاحترام؛ لأن الله عز وجل جعلها بيتا له؛ تشريفا وتكريما لها؛ قال تعالى على لسان نبيه إبراهيم عليه السلام"ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم"، وقال عز وجل"وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود".

وتلقت دار الافتاء، عبر موقعها الرسمي سؤال جاء نصه: هل وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمكة المكرمة بأنها "خير أرض الله وأحب الأرض إلى الله" يدل على أن مكة أفضل من المدينة، وأن المسجد الحرام أفضل من المسجد النبوي، وأن الكعبة المشرفة أفضل من الموضع الذي دفن فيه الجسد النبوي الشريف؟

وأجابت دار الإفتاء، في تقرير لها، موضحة أن: "الكعبة أول بيت وضع في الأرض لعبادة الله عز وجل؛ لقول الله تعالى "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين"، وجعل الله ما حول مكة من جميع جهاتها الأربع حرما آمنا، تكريما لبيته الحرام، وجعلها الله عز وجل قبلة للمسلمين يستقبلونها في صلاتهم خمس مرات، ولا يجوز لإنسان أن يستقبل غيرها، بل لو اتخذ قبلة غيرها عالما متعمدا لا تقبل صلاته إلا في بعض الأحوال الاستثنائية؛ كما في صلاة الخوف مثلا؛ وقال تعالى "فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره"، وقد جعل الله عز وجل الطواف بمعناه الشرعي خاصا بالكعبة فقال تعالى"وليطوفوا بالبيت العتيق".

وأضافت دار الإفتاء: "مكة المكرمة علم على البلد المعروف الذي فيه بيت الله الحرام، واختلف في سبب تسميتها مكة بالميم فقيل: لأنها تمك الجبارين، أي تذهب نخوتهم، وقيل: لأنها تمك الفاجر عنها، أي تخرجه، ولها أسماء كثيرة منها: بكة، وأم القرى، وغيرها، ويجب تعظيم مكة؛ لقول النبي: "إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الاخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقولوا له: إن الله أذن لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب".

وذهب جمهور العلماء، إلى أن مكة أفضل من المدينة، وأن المسجد الحرام أفضل من المسجد النبوي بالمدينة، واستدلوا بما رواه الترمذي عن عبد الله بن عدي بن حمراء رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واقفا على الحزورة -موضع بمكة- فقال: "والله، إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت"، وما رواه الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمكة: "ما أطيبك من بلد، وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك"؛ فهذان الحديثان يدلان على تفضيل مكة على سائر البلدان ومنها المدينة.

واستدل الفقهاء، على أن المسجد الحرام أفضل من المسجد النبوي بما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام»، وبما أخرجه أحمد في "مسنده" عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما زيادة: «وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا".

وأجمع العلماء على أن البقعة التي ضمت أعضاء الجسد الشريف للنبي صلى الله عليه واله وسلم أفضل بقعة في الأرض؛ قال القاضي عياض في "الشفا بتعريف حقوق المصطفى": لا خلاف أن موضع قبره صلى الله عليه وآله وسلم أفضل بقاع الأرض.

وقال العلامة السمهودي، في "وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى": قد انعقد الإجماع على تفضيل ما ضم الأعضاء الشريفة، حتى على الكعبة المنيفة، وحكاية الإجماع على تفضيل ما ضم الأعضاء الشريفة نقله القاضي عياض، وكذا القاضي أبو الوليد الباجي قبله كما قال الخطيب ابن جملة، وكذا نقله أبو اليمن ابن عساكر وغيرهم، مع التصريح بالتفضيل على الكعبة الشريفة، بل نقل التاج السبكي عن ابن عقيل الحنبلي أن تلك البقعة أفضل من العرش. وقال التاج الفاكهي: قالوا: لا خلاف أن البقعة التي ضمت الأعضاء الشريفة أفضل بقاع الأرض على الإطلاق حتى موضع الكعبة، وقال الزركشي: وتفضيل ما ضم الأعضاء الشريفة للمجاورة، ولهذا يحرم للمحدث مس جلد المصحف.

وتابع السمهودي، فالرحمات والبركات النازلة بقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعم فيضها الأمة، وهي غير متناهية؛ لدوام ترقياته عليه الصلاة والسلام، وما تناله الأمة بسبب نبيها هو الغاية في الفضل، ولذا كانت خير أمة بسبب كون نبيها خير الأنبياء، فكيف لا يكون القبر الشريف أفضل البقاع مع كونه منبع فيض الخيرات؟

ثم قال: وروى ابن الجوزي في الوفاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم اختلفوا في دفنه؛ فقالوا: أين يدفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال علي رضي الله عنه: إنه ليس في الأرض بقعة أكرم على الله من بقعة قبض فيها نفس نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.

وروى يحيى أن عليا قال لما اختلفوا: لا يدفن إلا حيث توفاه الله عز وجل، وأنهم رضوا بذلك، قلت: ويؤخذ مما قاله علي مستند نقل الإجماع السابق على تفضيل القبر الشريف؛ لسكوتهم عليه، ورجوعهم إلى الدفن به، ولما قال الناس لأبي بكر رضي الله عنه: يا صاحب رسول الله، أين يدفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: في المكان الذي قبض الله تعالى روحه فيه؛ فإن الله لم يقبض روحه إلا في مكان طيب، ولفظه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "لا يقبض النبي إلا في أحب الأمكنة إليه"، قلت: وأحبها إليه أحبها إلى ربه؛ لأن حبه تابع لحب ربه إلا أن يكون حبه عن هوى نفس، وما كان أحب إلى الله ورسوله كيف لا يكون أفضل.

وقال العلامة الحصكفي، في "الدر المختار": مكة أفضل من المدينة على الراجح إلا ما ضم أعضاءه عليه الصلاة والسلام فإنه أفضل مطلقا حتى من الكعبة والعرش والكرسي.

وأوضح الشيخ محمد بن أحمد عليش المالكي في "منح الجليل شرح مختصر خليل": ومحل الخلاف في غير الموضع الذي ضمه صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإنه أفضل من الكعبة والسماء والعرش والكرسي واللوح والقلم والبيت المعمور.

وقال العلامة الرحيباني في "مطالب أولي النهى": موضع قبره عليه الصلاة والسلام أفضل بقاع الأرض؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم خلق من تربته، وهو خير البشر، فتربته خير الترب، وأما نفس تراب التربة، فليس هو أفضل من الكعبة، بل الكعبة أفضل منه إذا تجرد عن الجسد الشريف. -ثم قال:- وقال أبو الوفاء علي بن عقيل في كتابه "الفنون": الكعبة أفضل من مجرد الحجرة، فأما والنبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها؛ فلا والله ولا العرش وحملته والجنة؛ لأن بالحجرة جسدا لو وزن به سائر المخلوقات لرجح.

فحديث الترمذي الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عن مكة: «والله، إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت» يدل على أن مكة أفضل البلدان، ويدل أيضا على أن المسجد الحرام أفضل من المسجد النبوي؛ لأفضلية المحل الذي فيه، ولذلك ورد حديث أفضلية المسجد الحرام على المسجد النبوي، ولكن قبره الشريف أفضل البقاع؛ لأنه وارى جسده الشريف وهو أفضل الخلق على الإطلاق، فبقعته التي تواري جسده الشريف أفضل البقاع، وهذه البقعة مستثناة من هذا الحديث بإجماع العلماء، كما سبق.

وعليه، فإن الحديث المذكور في السؤال يدل على أن مكة أفضل من كل المدينة، وأن المسجد الحرام أفضل من المسجد النبوي، وخصصت البقعة التي وارت جسده الشريف بأنها أفضل من كل البقاع حتى الكعبة بالإجماع.


مواضيع متعلقة