كيف صُنع القرضاوى ابن قطر وليس ابن القرية والكُتَّاب؟ (2)

حسين القاضى

حسين القاضى

كاتب صحفي

بعد وصول القرضاوى لقطر عملت قطر على تجنيسه هو وغيره ممن لديه كفاءات لتمثيلها باسمها، ثم عملت على أرشفة كل ذلك فى أعمال قطرية، وتصويره على أنه إنجازات قطرية، كما حدث فى مجال الإعلام، ولذلك قيل: (القناة التى صنعت دولة، وليس الدولة التى صنعت قناة)، واستغلت القناة القطرية أذرعها لتفتيت الدول العربية، حتى إن السفير المصرى السابق فى قطر محمد المنسى يذكر أنه سأل حمد بن جاسم: ما هى حاجة قطر إلى وجود قاعدة أمريكية ضخمة فى الدوحة، خصوصاً أن قطر على علاقة طيبة مع إيران؟ فرد عليه قائلاً: إن العدو الحقيقى لقطر هو السعودية وليس إيران.

قارن بين هذا وبين مصر إذ استغلت ثقلها وعلماءها فى صناعة الأمان ونشر العلم والخير وحققت السكينة بصور رائعة فى العصر القديم والمسيحية والإسلام.

والخيط الناظم هنا هو أن تاريخ مصر ومكانتها لم يكن يريح قطر (أتحدث عن النظام وليس الشعب)، فأرادت أن تصنع تاريخاً مشابهاً، لسد عقد النقص القاتلة، فعملت فى عدة محاور لتحقيق أهدافها، المحور الأول هو محاولة صناعة شيخ موازٍ كبديل لشيخ الأزهر، إذ كان من ضمن الشخصيات المصرية البارزة فى العالم العربى والإسلامى شيوخُ الأزهر الشريف، وكانت قطر فى أشد الحاجة إلى رمز إسلامى كبير تستقوى به، ويكون ذراعاً دينية لها، وتصنع منه بديلاً موازياً، فدفعت بالقرضاوى ليكون فى مقدمة الأحداث، وبالفعل أطل على المشاهدين من خلال برنامج (الشريعة والحياة)، وهو البرنامج الذى عالج من خلاله قضايا فقهية بصورة مبسطة، ثم تحول إلى منصة لإلهاب حماس الجماهير، وتحريضهم لخوض معارك وهمية مختلفة باسم الدين مع عدد من الدول.

ولكن شتان بين دور القرضاوى ودور شيوخ الأزهر، فشيوخ الأزهر عرف العالم علمَهم وأخلاقَهم واحترامهم، وبرزت فيهم معالم الجلال والقيام بخدمة الدين، حتى مع بعض المآخذ التى يذكرها البعض عن شيخ من شيوخ الأزهر هنا أو هناك إلا أنه لم تزل -رغم ذلك- جذوتهم متقدة، وسراجهم ساطعاً، شهد بذلك الواقع، وتعددت المؤلفات التى أبرزت علمهم ومكارم أخلاقهم وصيانتهم للوطن.

أما الشيخ القرضاوى فأصبح فقهُه مسخراً لتنظيمات وأحزاب، وولاؤه مسخراً لخدمة قطر والإخوان، وحرض على الجيش المصرى، وصار مطلوباً من عدد من الدول بتهمة التحريض على العنف، والدعوة لهدم المؤسسات. ولم يكن اختيار القرضاوى ليكون ذراعاً دينية لحكام قطر وشخصاً موازياً لشيخ الأزهر اختياراً عشوائياً، بل كان لأسباب قد لا تكون مكتملة يوم أن دخل قطر، لكنها اكتملت بمرور الوقت، وهى فى تقديرى:

1- أنه عالم أكاديمى له حضوره وإنتاجه العلمى.

2- أنه أزهرى معمم، والناس يحترمون العمامة الأزهرية ويوقرونها.

3- أنه يملك المقدرة على جذب تلاميذ وأتباع وجماهير بحكم خبرته واستفادته من تنظيم الإخوان فى هذا الجانب.

4- أنه خطيب بارع عنده قدرة على إلهاب حماس الجماهير.

5- أنه لديه قدرة ورغبة وميول فى توظيف الانزلاقات والأحداث والسقطات المختلفة التى لا تخلو منها أنظمة الحكم.

6- أنه لديه الاستعداد النفسى والقدرة الغريبة على الجمع بين معارضة الحكام؛ فيرتفع شأنه بين العامة والدهماء والمتحمسين، وفى نفس الوقت يدعِّم الحكام ويبرر سياستهم ويتقرب إليهم، ويحول بوصلته الفقهية لتكون فى خدمة حاكم قطر، وهذا جمع لا يجيده إلا القرضاوى.

7- أنه مرتبط بعلاقات فكرية وتنظيمية مع جماعة الإخوان، ويمكنه القيام بدور حلقة الوصل للتقريب بين قطر والإخوان. وعلى ذلك فقد نجحت قطر فى أنها حصَّلت من صناعة القرضاوى كل ما تريده من تدعيم دينى فى كل موقف سياسى احتاجت فيه تدعيماً، وفى المقال المقبل -إن شاء الله- أقدم أمثلة ونماذج.