العامل المصرى «كلمة السر»

كتب: عبدالفتاح فرج

العامل المصرى «كلمة السر»

العامل المصرى «كلمة السر»

وجهٌ متعَب يميل للسمرة، يعلو جسداً نحيلاً تستره «بدلة» زرقاء بالية، يقفل أزرارها كفٌّ متشقق، اعتاد صاحبه الخروج مبكراً من منزله قاصداً المصنع أو الورشة أو الجراج، يبدأ يومه فى هدوء وبطء شديدين، فالوقت لا يهم، توقيع الحضور هو الأهم، يتأمل الحوائط القديمة والماكينات البالية من حوله مع مداخن المصنع التى تتوقف أكثر مما تعمل، فيترحم على عهد ذهبى يحلم بعودته، بدلاً من مستقبل غامض يداهمه، يبرئ ساحته من تحمل مسئولية انهيار المصنع ويلقى بالمسئولية على كبار رجال الدولة الذين باعوه بأبخس الأثمان من أجل عيون «الخصخصة»، ظهوره فى السنوات الأخيرة اقتصر على الشكوى من فقر الحال، والمطالبة بالعلاوة السنوية والحوافز الشهرية فى مؤتمرات ومظاهرات فئوية وإضرابات عمالية، ما تلبث أن تبدأ فى قطاع، حتى تنتشر كما تنتشر النار فى الهشيم فى معظم قطاعات الدولة، من مصانع الغزل والنسيج، إلى هيئة التجميل والنظافة، مروراً بسائقى «النقل العام»، اختلفت أماكنهم ووظائفهم لكن مطلبهم واحد، أمام تلك الإضرابات لا يجد رئيس الحكومة مفراً من تقديم الاستقالة هرباً من الموقف، لأن «خزينة الدولة خاوية وتعانى عجزاً حاداً». هو العامل المصرى الذى ينتظر أول الشهر بفارغ الصبر، عندما يمضى عليه آخره ببطء ثقيل، يحاول جاهداً أن يمر الشهر دون استدانة، لكن مرض أحد أفراد أسرته يدفعه دفعاً للاقتراض، همّه بالليل، وذله بالنهار، لا يستطيع أن يعيش دون الاشتراك فى «جمعيات» تقتطع جزءاً كبيراً من مرتبه، وتؤثر عليه باقى أيام الشهر، لكنه يحلم بيوم «القبض»، ويخطط لإنفاقه فى ترميم المنزل، أو تجهيز ابنته للزفاف. يأمل أن يبقى الوضع على ما هو عليه، فلا تقترب أنظار المستثمرين من المصنع ولا تفكر الحكومة فى رفع يدها عن الدعم الشهرى، يخشى أن تتوقف الحكومة عن دعم الشركات الخاسرة، فيغلق المصنع أو يباع، ويشرَّد هو فى الشوارع بلا مأوى أو عمل. يشارك فى إضرابات ضخمة تستمر لأيام، وقد تمتد لأسابيع تتعطل خلالها المصانع المدينة وتخسر مليارات الجنيهات، للمطالبة بزيادة مرتبه، وتطبيق الحد الأدنى للأجور، وصرف الأرباح السنوية، وتطوير المعدات، رغم خسارة الشركة لملايين الجنيهات سنوياً لأسباب ليس له يد فيها، كما يردد، تنطبق عليه كلمات الراحل بديع خيرى التى لحَّنها سيد درويش فى عشرينات القرن الماضى، والتى تعكس أوضاعاً يعانى منها، لم تتغير حتى الآن: «مين فى اليومين دول شاف تلطيم.. زى الصنايعية المظاليم.. الصبر أمره طال.. وإيش بعد وقف الحال!.. ياللى معاك المال برضه الفقير له رب كريم.. أولاد أوروبا ما بيناموش.. عن الصنايع ما يونّوش.. الأفرنجى دايماً حلَّق حوش.. والمصرى جنبه بيطلع بوش.. سـبع صنايع فى إيدينـا.. والهــمّ جايـر عليـنا.. ياما شكينا وبكينا».