رحلة السقوط.. انشقاق "باباجان" وانفراط عقد مهندسي تركيا الأردوغانية

رحلة السقوط.. انشقاق "باباجان" وانفراط عقد مهندسي تركيا الأردوغانية
- باباجان
- أردوغان
- مهندس الاقتصاد التركي
- داوود أوغلو
- عبدالله جل
- تركيا
- العدالة والتنمية
- باباجان
- أردوغان
- مهندس الاقتصاد التركي
- داوود أوغلو
- عبدالله جل
- تركيا
- العدالة والتنمية
جاء يوم 23 من يونيو الماضي كالصاعقة على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد خسارة بلدية "إسطنبول" لمصلحة المعارضة، البلدية التي قال عنها "أردوغان" نفسه أن من يحكمها يحكم تركيا، لتنتهي سيطرته عليها بعد نحو ربع قرن. إلا أن متاعب "أردوغان" لم تتوقف عند هذه الحدود، فالضربات تتواصل والأزمات تتفاقهم محليا وداخليا.
استقالة "باباجان" مهندس الاقتصاد التركي من الحزب الحاكم
أعلن اليوم علي باباجان، وزير الاقتصاد التركي، ونائب رئيس الوزراء السابق استقالته من حزب العدالة والتنمية، ليشكل ضرب موجعة لـ"أردوغان"، فاستقالة الرجل الذي يوصف بـ"مهندس الاقتصاد التركي"، تأتي مع وجود عدة تقارير خلال الفترة الماضية تؤكد عزم "باباجان" تأسيس حزب سياسي جديد مع الرئيس السابق عبدالله جل، وربما يلحق بهم رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو، مهندس السياسة الخارجية التركية في السابق، والذي وجه انتقادات لاذعة إلى رفيق دربه "أردوغان" خلال الفترة الماضية بسبب سياساته التي يرى أنها كانت العامل الرئيسي في خسارة بلدية "إسطنبول".
وشهدت الفترة التي تولى فيها "باباجان" الشاب الوسيم أحد مؤسسي الحزب الحاكم الذي حمل "أردوغان" على رأس الدولة التركية، صاحب الابتسامة الجذابة، شهدت فترته نجاح اقتصادي تركي كبيرة، خلال السنوات التي تواجد فيها وزيرا للمالية فوصفه بـ"مهندس الاقتصاد التركي" لم يأت من فراغ، فكانت لديه استراتيجية لجعل تركيا واحدة من كبرى الدول الصناعية والاقتصادية بحلول 2020.
كان يتحدث بخطوات عملية وواقعية، وكان يؤمن بحقيقة واحدة أن الرجل الذي يريد لبلده أن تتقدم اقتصاديا عليه أن يبتعد عن السياسة وتقلباتها، فكان يؤمن باستقلالية البنك المركزي عن السياسة وضرورة إبعاده عنها، فكانت أقوى ميزاته مع توليه حقيبة الاقتصاد في كثير من مدة حكم العدالة والتنمية، فاكتسب "باباجان" شعبية كبيرة داخل الحزب وخارجه.
إلا أن ما اعتبر ميزة لدى "باباجان" يبدو أنها كانت النقمة عليه إذا نظر إليها من رأس "أردوغان"، الأخير لطالما استند على النجاحات الاقتصادية التي هندسها وبلورها "باباجان"، لكن "أردوغان" الذي تحولت وجهته في السنوات الأخيرة وأراد أن يكون هو الرجل الأول لا غير، يبدو أنه لم يرق له شعبية "باباجان" في الحزب وداخل تركيا.
هذا من ناحية ومن الناحية الثانية أن "أردوغان" الذي يريد أن يتدخل في كل شئ حتى لو كان في سياسات البنك المركزي يرى دوما رفيقه حجر عثرة، فكان القرار بالإقصاء والإبعاد والإطاحة بالوزير الناجح حتى لو على حساب الاقتصاد، وهو ما كان وأطاح به "أردوغان" من حقيبته الوزارية، وقد أطاح معه باقتصاد كان صاعدا بقوة الصاروخ فجعله اقتصادا يعاني الآن من أزمات متلاحقة أبرز معالمها تراجع الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي، وسط أزمة ثقة في الاقتصاد التركي، الأزمة التي لم يكن لأحد أن يعرفها في وجود "باباجان" عندما يأخذ في الاعتبار حجم الثقة التي كان يحظى بها لدى المؤسسات النقدية الغربية والدولية.
أحمد داوود أوغلو.. مهندس السياسة الخارجية يتجاوز صمته ويوجه سهام النقد إلى "أردوغان"
اعتمدت "تركيا الأردوغانية" مجازا على ثلاثة مهندسين لو كان "أردوغان" حقق نجاحا سياسيا، فالمتابع للشأن التركي يعلم جيدا أن الفضل يعود لهم، جرت الإشارة إلى عل باباجان، ويبدو أن الدور على رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو ووزير خارجية تركيا الأسبق.
جاء البروفيسور إلى عالم السياسة ولديها نظريات سياسية أبرزهم نظرية العمق الاستراتيجي ليتقلد منصب وزير الخارجية، فيحدث نقلة في السياسة التركية حيال قضايا العالم والمنطقة لا تقل نجاحا عن النجاح الاقتصاد الذي حققه "باباجان"، معتمدا على مبدأ "صفر مشكلات"، فحتى سنوات مضت كانت تركيا الدولة التي ليس لها أي عداء تقريبا مع الدول المجاورة لها أو مع القوى الكبرى، علاقات جيدة مع محطيها العربي والإسلامي، وعلاقات متميزة مع روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية ومسار سلس للتفاوض مع أوروبا حول عضوية الاتحاد الأوروبي.
إلا أن "أردوغان" بتدخلاته بخر كل ما أنجزه "داوود أوغلو"، وتحولت "تركيا صفر مشكلات" إلى "تركيا مائة بالمائة مشكلات"، مشكلات مع مصر وسوريا وليبيا ودول الخليج العربي، وأزمات من وقت لآخر مع روسيا والولايات المتحدة وآخرها التوترات المرتبطة باقتناء "أنقرة" صفقة "إس 400" الروسية الدفاعية الجوية. والأكثر خطورة أن الدول العربية التي كانت ذات يوم مولعة بتجربة تركيا أو النموذج التركي، باتت أغلبها غاضبة حيال سياسات "أردوغان" التدخلية في المنطقة.
وجاءت هزيمة "إسطنبول" لتخرج أحمد داوود أوغلو عن صمته فينتقد سياسات "أردوغان" ويهاجم قراراته التي صرفت المواطن عن الحزب الحاكم في "إسطنبول"، وينتقد سياسات الإقصاء وغياب العدالة في البلاد.
عبدالله جل.. مهندس التوازانات الاجتماعية والسياسية يقترب من حزب جديد
كان عبدالله جل الرئيس السابق لتركيا شخصا أكثر هدوءا نسبيا مقارنة بـ"أردوغان"، كان يمثل باعتباره رئيسا في هذا الوقت بلا صلاحيات نقطة التوازن بين المعارضة والحزب الحاكم، رغم انتمائه للأخير، لكن كانت علاقته بالمعارضة جيدة، وكان موضع احترام لديهم يؤمن بالحلول الوسطية دون الحاجة إلى الصدام. كان "جل" أيضا شخصا يعرف التوازان بين مكونات المجتمع التركي، على سبيل المثال بين الأتراك والأكراد أو بين السنة والعلويين، بين الشباب ورجال السياسة، هو بطبيعة الحال كان جزءا من منظومة العدالة والتنمية، لكنه كان أكثر اعتدالا، فكان القبلة التي يلتفي عندها الخصوم في البلاد. إلا أن الرجل كل التقارير تشير إلى أنه سيرافق علي باباجان في رحلة تأسيس حزب سياسي جديد ربما يرى النور قريبا، وربما يجتذب كثير من كوادر الحزب الحاكم وعلى رأسهم أحمد داوود أوغلو.
"أردوغان" الذي أمسك بخيوط هؤلاء نفسه ابتعد عن مسار بناء الدولة الناجحة
الحديث عن الرئيس التركي أردوغان ربما لا يحتاج كثيرا بعد الحديث عن الثلاثي "باباجان" و"داوود أوغلو" و"جل"، ليس عيبا أن يكون "أردوغان" رئيس بكل الصلاحيات، فالدول الديمقراطية بعضها برلمانية وبعضها رئاسية ولا يزايد أحد على ديمقراطيتها. إلا أن الأمور دوما ترتبط بالنتائج.
والنتائج للنظام الرئاسي في تركيا كانت الأصعب على كل الأتراك، رئيس يتمتع بكل الصلاحيات لكنه في الوقت ذاته أخضع الإعلام كله تحت سيطرته، واعتقل المعارضين، وأطاح بقيادات الجيش وكوادره، وتحولت بلاده إلى سجن كبير للصحفيين، لا يعرف كيف يتعامل مع معارضيه فهم بالنسبة إما متآمرين أو إرهابيين أو عملاء.
كان "أردوغان" يمتلك اتزانا سياسيا قبل سنوات جعله يعرف كيف يستفيد من الرجال الثلاثة لكنه نفسه فقد اتزانه ففد التعامل معهم، فانفرط عقدهم، وانفراط عقد هؤلاء بلا شك التحدي الأكبر أمام "أردوغان" والذي بلا شك هو يبحت عن مخرج له الآن، خصوصا مع خسارته من قبل الصديق القوي فتح الله جولن.