المرأة فى دساتير الجيل الرابع

فى المقال الأول من هذه السلسلة من المقالات عن «تمكين المرأة»، ورد ذكر المادة الحادية عشرة من الدستور المصرى الحالى لعام 2014م، منظوراً إليها باعتبارها تعكس النظرة التقدمية للمرأة، وذلك من خلال الإقرار بشكل واضح وصريح لمبدأ المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتعليقاً على هذا المقال، ورد إلىّ سؤال عبر وسائل التواصل الاجتماعى من الأستاذة وفاء تيسير الطيان، الباحثة القانونية فى دولة الإمارات العربية المتحدة الحبيبة على قلوبنا جميعاً، وكانت صيغة السؤال على النحو التالى: أنت أشرت إلى أن الدستور الحالى ساوى بين المرأة والرجل، ألم يكن ذلك موجوداً فى الدساتير السابقة؟؟

وللإجابة عن هذا السؤال، وتعميماً للفائدة، ارتأيت من المناسب كتابة هذا المقال عن وضع «المرأة فى دساتير الجيل الرابع»، ومنها الدستور المصرى الحالى، والمقارنة بينه وبين الدساتير المصرية السابقة. بيان ذلك أن الموجات أو الأجيال السابقة من الدساتير كانت تقتصر على تقرير مبدأ المساواة بين المرأة والرجل، دون أن تحدد الوسائل والآليات اللازمة لتكريس هذه المساواة على أرض الواقع، وتقرير نوع من التمييز الإيجابى لمصلحة المرأة. فعلى سبيل المثال، كانت المادة الحادية عشرة من الدستور المصرى الملغى لسنة 1971م تنص على أن «تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها فى المجتمع، ومساواتها بالرجل فى ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية». فى المقابل، تنص المادة الحادية عشرة من الدستور المصرى الحالى لعام 2014م على أن «تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقاً لأحكام الدستور. وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلاً مناسباً فى المجالس النيابية، على النحو الذى يحدده القانون، كما تكفل للمرأة حقها فى تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا فى الدولة والتعيين فى الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها. وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل. كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنّة والنساء الأشد احتياجاً». وهكذا، لم يقتصر المشرع الدستورى لعام 2014م على تقرير مبدأ المساواة بين المرأة والرجل، وإنما ارتأى أيضاً من المناسب إلزام الدولة باتخاذ «التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلاً مناسباً فى المجالس النيابية»، وكذا «كفالة حقها فى تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا فى الدولة والتعيين فى الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها»، و«التزام الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف»، و«تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل».

من ناحية أخرى، وإذا كانت ديباجة دستور الإخوان قد نصت على أن «كرامة الفرد من كرامة الوطن.. ولا كرامة لوطن لا تكرم فيه المرأة، فالنساء شقائق الرجال، وشريكات فى المكتسبات والمسئوليات الوطنية»، فإن نصوص الدستور ذاته لم تتضمن الإشارة بشكل صريح إلى مبدأ المساواة بين المرأة والرجل، مكتفياً بالنص فى المادة الثالثة والثلاثين منه على: «المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم فى ذلك»، وبدون أن يتضمن أى نوع من التمييز الإيجابى للمرأة. ويبدو أن إغفال الإشارة فى دستور الإخوان إلى مبدأ المساواة بين المرأة والرجل كان مقصوداً. وهكذا، ومن خلال العرض السابق، يتضح وجه الفارق بين وضع المرأة فى الدستور المصرى الحالى والدساتير المصرية السابقة. والله من وراء القصد.